يواجه المخترعون الجزائريون واقعا صعبا، عنوانه التهميش و الازدراء الذي يطالهم من مجتمع لا يحترم الإبداع و يعتبر الحديث عن الاختراع ضربا من الجنون، واقع يترجم من خلال أعداد المخترعين المعزولين عن المساهمة في الإنتاج الصناعي الوطني، بسبب السرقات الفكرية و تكاليف تسجيل الاختراع و الحصول على البراءة، فضلا عن غياب الاستثمار في هذا المجال و ضعف ثقافة المقاولاتية العلمية لدى الصناعيين الجزائريين . فالمواطن البسيط ينظر إلى المخترع بعين ضيقة و يعتبره مجنونا يحاول إثارة الانتباه، بينما لا يجد هذا الأخير أي اهتمام أو متابعة من قبل السلطات  على كافة المستويات، وهو ما يفرض عليه عزلة تنتهي به، إما إلى قتل أفكاره أو مغادرة البلاد و الهجرة نحو  أوروبا و أمريكا و دول الخليج التي تحولت الى قبلة للعديد من المبتكرين الجزائريين الباحثين عن فرصة للنجاح .
أزيد من 600 براءة اختراع تسجلها الجزائر سنويا
بالرغم من أن الدستور الجزائري يكرس فكر الاختراع و يوفر الحماية للنشاطين في هذا المجال، من خلال نص المرسوم التشريعي رقم 93 – 12، المؤرخ في 5 أكتوبر سنة 1993 والمتعلق بترقية الاستثمار،إلا أن هذا القطاع لا يزال راكدا رغم توفر طاقات فكرية هائلة تحصيها العديد من ولايات الوطن، وهو ما يبرز من خلال عدد براءات الاختراع التي يمنحها المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية، و التي تتراوح استنادا لإحصائيات أعلن عنها المعهد بين 600 إلى 800 براءة، تتنوع بين تلك الممنوحة للشركات الأجنبية و المؤسسات الوطنية و المخترعين الجزائريين.
و كان وزير الصناعة الأسبق شريف رحماني، قد أعلن عن تسجيل نمو في نسب الابتكار بمعدل 11 في المائة، حيث أن عدد البراءات الممنوحة للمخترعين في المجال الصناعي، لم تكن تتجاوز 800 ألف في ثمانينات القرن الماضي، لكنها تعدت مليونين اثنين (02) حاليا.
مخترعون جزائريون من داخل و خارج الوطن أكدوا للنصر، بأن واقع الاختراع في الجزائر صعب، و النجاح في هذا المجال لا يزال بعيد المنال، خصوصا في ظل غياب اهتمام حقيقي بتطوير الأفكار، تحديدا تلك التي تأتي من خارج معاهد و أكاديميات البحث العلمي.
محمد دومير، مخترع جزائري متواجد بقطر: بيئة الاختراع في الجزائر جافة و النجاح أسهل في الخارج
محمد دومير مخترع جزائري شاب من ولاية تبسة ،غادر الجزائر قبل ست سنوات، و استطاع وهو في سن الثلاثين تحقيق النجاح و تسويق ابتكاره المتمثل في جهاز تشخيص الإصابة عند الحيوان بعد أن حصل على براءة اختراعه سنة 2013، يرى بأن بيئة الاختراع في الجزائر لا تزال جافة، و النجاح في ظل الظروف الحالية صعب، نظرا لنقص الاهتمام بهذا المجال، إذ أن المخترع، كما قال، يجد نفسه أمام نقص الأدوات و القطع الإلكترونية، غياب خبراء و مبرمجين متخصصين و نقص مكاتب تسجيل براءة الاختراع، فضلا عن انعدام الاستثمار العمومي و الخاص في هذا المجال، بسبب غياب الثقة في المخترعين المحليين و أفكارهم.
و يضيف المتحدث بأن مشروعه، و بالرغم من أنه مبني على أسس علمية دقيقة، إلا أنه ما كان ليحقق النجاح الحالي في الجزائر، خصوصا و أن برنامج "نجوم العلوم" الذي تخرج منه منذ ثلاث سنوات تقريبا، منحه الصدى الإعلامي المطلوب لكسب الشهرة و جذب اهتمام المستثمرين و الممولين، ما لم يكن يتحقق داخل الوطن، بسبب ضعف الاهتمام بمجال الابتكار، مستشهدا في ذلك بالقول، بأنه و خلال تواجده في المعرض الدولي للابتكار بسويسرا مؤخرا، حاول البحث عن الجناح الخاص بالجزائر، لكنه فوجيء بأنها لم ترسل ممثلا عنها وهو ما ترجم غيابها التام عن الحدث.
دومير قال بأن الوضع الحالي، لا يدفعه للتفكير في العودة إلى الوطن، خصوصا وأنه انتهى من تأسيس شركة خاصة في الدوحة تنشط في مجال الابتكار .
جمال عباد، صاحب 25 اختراعا: نعاني من السرقة العلمية و تكاليف براءة الاختراع مرهقة
يملك المخترع جمال عباد، 43 سنة  ، في رصيده 25 اختراعا، نصفها مسجل لدى المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية، أبرزها الكرسي المتحرك لذوي الإعاقة و عصى المكفوفين الناطقة، و يؤكد بأن واقع المخترعين في الجزائر جد صعب، على اعتبار أن الاختراع لا يعترف به كمهنة و لا يحظى باهتمام من قبل المستثمرين، ما يجعل تجسيد الاختراعات شبه مستحيل و السعي لتسويقها أقرب إلى الخيال، نظرا لغياب جهات معينة تتبنى الأفكار و تتابع الاختراعات و المشاريع، عكس الدول الأوروبية و الخليجية.
أضف إلى ذلك، فإن غالبية المخترعين الجزائريين، يعانون من مشكل السرقة الفكرية، فيكفي أن تقدم لجهة أو مؤسسة معينة لطرح أفكارك، حتى تقابل بالرفض ثم تكتشف لاحقا بأن ذات الجهة، قامت باستغلال مبدأ اختراعك أو مشروعك، كما عبر، مشيرا إلى أنه كان ضحية مؤسسة اقتصادية سرقت مشروع أحلامه.
و تعد تكلفة تسجيل الاختراع سببا وراء ضياع أفكار العديد من المخترعين و سرقة مشاريعهم، على اعتبار أن رسم تسجيل الفكرة للحصول على براءة إختراع يصل الى 12500دج، دون احتساب تكاليف ترجمة المذكرة إلى الفرنسية، كونه يعد شرطا لقبول الملف ما يكلف حوالي 12000دج، على أن يلتزم المخترع بدفع قيمة سنوية تعادل  5000 دج كرسوم لمدة 20 سنة، وهي فترة حماية الفكرة، حسب ما ينص عليه القانون، علما أن دراسة ملف البراءة يستنزف سنتين من عمر المخترع، قبل الحصول عليها، وهو ما دفع غالبية المخترعين، كما قال، إلى مغادرة الوطن ،  إذ تلقى بدوره عروضا هامة من الولايات المتحدة الأمريكية و روسيا و بولونيا.
لزرق عبد الحميد مخترع من ولاية بسكرة: لوبيات الاستيراد ترفض السماح للمنتج المحلي بالتطور
يعتبر المخترع لزرق عبد الحميد من مواليد 1953 بولاية بسكرة، وهو صاحب براءة اختراع جهاز لتأمين المنازل و الكشف عن اللصوص، بأن لوبيات الاستيراد، تقف وراء كسر كل  محاولات  تشجيع  الابتكار المحلي و تطوير الصناعة الوطنية، بالاعتماد على مشاريع و نماذج مخترعين جزائريين، لأن ذلك، كما عبر، يهدد مصالحها الخاصة.
و حسب المتحدث، فإن غياب هيئات جهوية متخصصة تعنى بمتابعة المخترعين و ترقية أعمالهم، ساهم في فرض العزلة و تهميشهم، خصوصا و أن غالبيتهم ضعيفي الدخل و التنقل في كل مرة إلى العاصمة أو مدن أخرى، سعيا وراء إقناع المستثمرين بأفكارهم و مشاريعهم لا يعد أمرا سهلا بالنسبة إليهم، أضف إلى ذلك نفقات تسجيل الاختراعات و الحصول على البراءة، و تمويل البحث. كما  يطالب السلطات بالالتفات إلى المخترعين،
و منحهم الاهتمام و الدعم اللازمين .
رئيس المنظمة الوطنية لحماية الثروة الفكرية عبد اللطيف بن أم هاني: ما يقارب 200 ألف عالم جزائري موزعين عبر شركات وجامعات عالمية
تحصي المنظمة الوطنية للثروة الفكرية حوالي 120 مخترعا منضوين تحت لوائها، حسبما كشف عنه رئيسها عبد اللطيف ولد أم هاني، مشيرا إلى أن العدد لا يعكس حقيقة الطاقات الفكرية الخلاقة التي تتوفر عليها الجزائر، على اعتبار أن المنظمة حديثة العهد تأسست قبل سنة واحدة، رغم ذلك لقيت صدى واسعا في أوساط المخترعين المحليين الباحثين عن فرصة لإثبات قدراتهم.
وحسب المتحدث، فإن المنظمة تسعى للم شمل المخترعين، و تنظيم نشاطهم، بما يسمح بتوعيتهم بأهمية حماية أفكارهم من السرقة الفكرية، فضلا عن تأطيرهم و التعريف بمنتجاتهم، من خلال خلق قنوات للتواصل مع المؤسسات الاقتصادية و المستثمرين العموميين و الخواص، خصوصا و أن غالبية المخترعين يعيشون في عزلة عن الإعلام و يعجزون عن إيصال أفكارهم إلى القادرين على تحويلها إلى مشاريع ميدانية، على اعتبار أن غالبيتهم أشخاص  بسطاء و محدودي الدخل.
من جهة ثانية، تقوم المنظمة بتكوين شبكة علاقات داخل و خارج  الوطن للتواصل مع المخترعين و الباحثين و العلماء الجزائريين المتواجدين في دول أوروبا و الخليج العربي، من أجل حثهم على المساهمة  في  تنمية  الاقتصاد الوطني و عددهم، كما قال، حوالي 200 ألف عالم موزعين عبر شركات و جامعات العالم، من بينهم من وافقوا على الانضواء تحت لواء المنظمة و أبرزهم بلقاسم حبة المتواجد في أمريكا، محمد دومير في قطر، محمد مصد في بريطانيا ، إضافة إلى محمد بوزيد في فرنسا و رفيقة رأس الماء في كندا.
و تساعد المنظمة المخترعين على مواجهة المطبات التي تعيق تحقيقهم للنجاح، سواء ما تعلق بالسرقة الفكرية، أو صعوبة تسجيل الاختراع و تحويل الفكرة إلى مشروع، وذلك من خلال دعمهم ماديا و معنويا، و إبرام اتفاقيات مع معاهد البحث العلمي و المعهد الوطني الجزائري للملكية الصناعية.
رئيس مؤسسة الابتكار و الاستشراف الاقتصادي هشام سعيدي: ضعف ثقة المستثمرين في المنتوج المحلي عطل عملية تسويقه
أكد رئيس مؤسسة الابتكار و الاستشراف الاقتصادي هشام سعيدي، وجود نوع من الانفتاح على الابتكارات  الوطنية، سواء تلك المقترحة من قبل أكاديميين و باحثين و جامعيين، أو مخترعين عصاميين، إذ يجري العمل على مستوى رسمي لإحصاء المخترعين و تصنيف ابتكاراتهم، وهو ما يعد اعترافا بأهمية منتوجهم، كما عبر، مشيرا إلى أن هيئته حديثة التأسيس، تسعى لمرافقة المخترعين و مساعدتهم على إنجاز و إنجاح مؤسسات اقتصادية مصغرة تسبح خارج تيار المحروقات.
وقد استقبلت الهيئة منذ تأسيسها 41 مشروعا في مختلف المجالات تتم دراستها حاليا من قبل لجنة متخصصة بهدف تحديد الجدوى الاقتصادية منها، على اعتبار أن نشاط المؤسسة يأتي بالتنسيق مع كل من وزارتي الصناعة و التعليم العالي و البحث العلمي، و يهدف لمرافقة الأفراد و المؤسسات ذات الفعالية الاقتصادية، وذلك في إطار برنامج الحكومة المتعلق بتأهيل المؤسسات المصغرة و تشجيع القطاعات الاقتصادية غير البترولية.
وحسب المتحدث، فإن المؤسسة المنبثقة عن توصيات المنتدى الوطني الأول للابتكار و الاستشراف الاقتصادي الذي نظم بولاية سيدي بلعباس في 2015 ، تسعى لتشجيع المقاولاتية ولعب دور الوسيط بين الأدمغة الجزائرية الفذة و الجهات الرسمية، وعلى وجه الخصوص المستثمرين و الصناعيين، الذين قال بأنهم يفتقرون للثقة اللازمة في المنتوج العملي الوطني، ويخافون من الاستثمار في الفكرة، وهو ما عرقل عملية تسويق الابتكارات ذات الطابع الصناعي و النجاعة الاقتصادية. و أضاف بأن المشكل الحقيقي بالنسبة للاختراع في الجزائر، يكمن في نقص الوعي لدى المبتكرين بأهمية حماية أفكارهم و تسجيل مشاريعهم على مستوى المعهد الوطني الجزائر للملكية الصناعية، مشيرا لوجود العديد من المشاريع الهامة التي يتعذر بعثها بسبب افتقار ملاكها لبراءات الاختراع، وهي نقطة، قال بأن هيئته تعمل على التحسيس بأهميتها في كل مناسبة، إذ ينتظر أن تساهم الطبعة الثانية من الملتقى الوطني للابتكار و الاستشراف المقرر تنظيمه بالعاصمة في  24 نوفمبر القادم، في رفع درجة الوعي لدى الطاقات الجزائرية بأهمية الحماية الفكرية.
المتحدث أوضح ، بأن الحديث عن تهميش الاختراعات يتضمن الكثير من المبالغة، لأن واقع الاختراع في العالم يشير إلى أن 10 براءات فقط من أصل 200 ألف تسجل سنويا تدخل حيز الاستغلال، وهو ما يعني بأن الجزائر ليست استثناء. و عليه فإن  المنتدى المقرر تنظيمه بعد تسعة أشهر، سيخلص إلى ضبط مخطط عمل لخلق أقطاب صناعية إنتاجية وطنية، من شأنها توفير مجال لاستغلال الابتكارات.
و تكمن الجدوى من مثل هذه الأقطاب في تشجيع المستثمرين على استغلال الابتكارات المنتجة و تبني الأفكار المتجددة ذات الصلة بالقطاع، حيث ينتظر أن يتم إطلاق مشروع لإنتاج الحليب بسطيف بداية من سنة 2017، سيكون ذا جدوى اقتصادية عالية، بالمقابل تجري دراسة إمكانية تفعيل مشروع آخر لإنتاج أعلاف الحيوانات بطريقة  مبتكرة، سيساهم في حال نجاحه في تخفيض فاتورة استيراد الحليب بما يعادل 67 مليار دولار. في المقابل سيتم قريبا طرح مشروع بالتنسيق مع وزارة التكوين المهني يسمح للمخترعين أصحاب الأفكار و المشاريع باستغلال مخابر البحث التابعة للقطاع من أجل تطبيق نظرياتهم و تسهيل نشاطهم.
نور الهدى طابي

الرجوع إلى الأعلى