يُعد البروفيسور جمال ميموني أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة منتوري بقسنطينة، من بين أبرز الشخصيات العلمية في الجزائر و الوطن العربي، فقد كون أجيالا من الطلبة و استطاع بفضل جمعية "الشعرى" التي أسسها، نقل العلوم لعامة الجمهور بأسلوب مُبسط و مشوق، و هي إنجازات يرى البروفيسور أنه ما كان ليحققها لو ظل في الولايات المتحدة الأمريكية، كما يعتقد أن العودة للجزائر كانت مسألة ضمير اتجاه بلد أتاح له فرصة الدراسة في الخارج رغم "الرداءة المنتشرة".
أعدت البورتريه: ياسمين بوالجدري
وُلد البروفيسور جمال ميموني سنة 1956 بالعاصمة الفرنسية باريس، و قد أتم تعليمه بالجزائر العاصمة التي حصل بها على شهادة البكالوريا و بتفوق من ثانوية الإدريسي و عمره لا يتعدى 16 سنة، التحق بعد ذلك بجامعة الجزائر لدراسة الفيزياء النظرية و تخرج منها سنة 1977 الأول على دفعته و هو في سن العشرين فقط، ليحصل على منحة دراسية خارج الوطن سمحت له باستكمال دراساته العليا في جامعة بنسلفانيا، التي صًنفت ضمن أرقى خمس جامعات بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث تخرج منها بشهادة دكتوراه في فيزياء الجسيمات، ثم عاد للجزائر في 1985.
كانت فترة الدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية محطة فارقة في حياة البروفيسور جمال ميموني.
فقد رفض أن يكون كأي عربي مسلم قدم لأمريكا للدراسة ثم العودة منها بشهادة، فرغم صغر سنه و التزامات الدراسة، كان واعيا بالعديد من القضايا التي تعني المسلمين في العالم و آمن بعدالتها، حيث تظاهر في البيت الأبيض إلى جانب آلاف الطلبة العرب و المسلمين سنة 1978 لمناهضة اتفاقية كامب ديفيد، و شارك في مظاهرات سلمية ضد اجتياح لبنان و للتنديد بمجازر حما في سوريا و مناهضة العنصرية و كذا لنصرة القضية الفلسطينية و الدفاع عن المسجد الأقصى، كما قام بنشاطات إغاثية لفائدة اللاجئين الأفغان.
استطاع ميموني أن يبرز بين بقية الطلبة المسلمين و العرب بفضل ذكائه و وعيه المُبكّر، فترأس عن جدارة اتحاد الطلبة المسلمين بجامعته، ما سمح له بالمشاركة في نشاطات دعوية وُجهت بالأخص للأمريكان السود الذين دخلوا الإسلام عن طريق إلايجا محمد زعيم منظّمة" أمّة الإسلام"، المعروفة بعنصريتها اتجاه الأمريكيين البيض و عدم فهمها للكثير من تعاليم الدين، حتى أن الصلاة لم تكن فرضا بالنسبة لأتباع هذه المنظمة، لتأتي حركة تصحيحية شاءت الأقدار أن يدخل فيها ابن إلايجا نفسه، حيث طلبت من اتحاد الطلبة المسلمين الإرشاد لتعاليم الإسلام الصحيح، بدروس قُدمت لآلاف الأمريكان السود و شارك فيها ميموني.
نشاطات إنسانية و دعويّة في بلاد العمّ "سام"
و لم يتوقف نشاط الشاب جمال ميموني عند العمل الطلابي، فقد أسّس في بداية الثمانينات "إسلاميك إنفورمايشن سيرفيز"، و هي مؤسسة تعتمد على الدعوة المباشرة و الرسائل لتعريف الأمريكيين بتعاليم الدين الإسلامي و توجيههم إلى المساجد و المراكز الإسلامية القريبة منهم للتواصل معها، كما قام بنشاطات دعوية و خطب حتى في الكنائس و داخل السجون، و هنا يتذكر ميموني يوما تمكن فيه مع الفريق الناشط معه، من إدخال 7 سجناء في الإسلام دفعة واحدة، و ذلك مباشرة بعد إلقاء خطبة في سجن فيديرالي يقع بمنطقة "ليويسبيرغ"، كما حدثنا عن قصة مساعدته في إسلام طالب من "هايتي" قال حينها أنه أول مسلم في ذلك البلد.
و من الذكريات الجميلة التي عاشها ميموني في بلاد العم "سام"، حضوره حفل تسليم وسام "فرانكلين" للعلوم سنة 1981، للفيزيائي و الفلكي العبقري "ستيفن هوكينغ"، الذي يُلقب بين العلماء بـ "إنشتايتن الثاني". عاد ميموني لوطنه سنة 1985 و أصر على العمل به رغم العروض المغرية التي تلقاها للتدريس بالولايات المتحدة الأمريكية،
عودة للوطن رغم جنّة الغرب و الخيبات
 حيث عمل مباشرة كأستاذ بالمركز الجامعي بأم البواقي، لكنه اصطدم هناك باختلالات كثيرة بل و بمحاولة لطرده من السكن الوظيفي حّولت عامه الأول بالجزائر إلى كابوس، استفاق منه بالانتقال لجامعة الأمير عبد القادر، أين درّس لحوالي سنتين عندما كان الشيخ الغزالي رئيسا للجنة العلمية، بعد ذلك تحوّل إلى قسم الفيزياء النظرية بجامعة منتوري و الذي يُعدّ ميموني من أهم أعمدته، فطيلة 30 سنة كوّن داخل مخبره و قاعاته أجيالا من الطلبة الذين برز الكثير منهم داخل الوطن و خارجه، و حتى بأكبر مخبر لفيزياء الجسيمات بالعالم في "سيرن" بسويسرا.
و عن سبب عودته للجزائر و إصراره على التدريس بها، رغم العقبات التي صادفته منذ البداية و العروض المغرية التي أتته من أعرق الجامعات الأمريكية، يقول البروفيسور ميموني في لقاء مُطوّل جمعه بـ "النصر"، أنه يفضل رؤية نتيجة تعبه و جهده في تكوين أبناء بلده الجزائر، الذي يرى بأنه "من الطبيعي" العودة إليه، فهو الذي أعطاه فرصة الحصول على منحة للدراسة بالخارج و الأجدر، كما يضيف البروفيسور، تقديم خدماته له و ليس لبلد آخر.
و يعتقد ميموني أن معظم أصحاب المنح الدراسية الذين فضلوا البقاء في الخارج، كانوا ليقدموا أكثر لو عادوا للجزائر التي في حاجتهم، و تابع قائلا "صحيح أنهم يعيشون في الخارج حياة أسهل، لكنهم انغمسوا في نمط معيشة الغرب، بل و تاهوا هناك إلى درجة أنهم صاروا كغيرهم من الأفراد العاديين"، مضيفا أن البقاء في الخارج أو العودة تبقى "مسألة ضمير" بالنسبة لهؤلاء، لأن الدولة الجزائرية هي التي أعطتهم تلك المنح و حري بهم أن يخدموا بلادهم بالدرجة الأولى.
و في هذا الخصوص يؤكد البروفيسور أن حوالي 90 بالمائة ممن ظلوا في الخارج يشغلون مناصب بسيطة جدا، أما النسبة المتبقية برزت فعليا، و هم برأيه مكسب للجزائر يمكن أن تستفيد منه مستقبلا إذا تم اعتماد سياسة راشدة.
جمعية الشعرى..  20 سنة من العطاء
لم يقتصر نشاط  البروفيسور ميموني بالجزائر على التدريس،  فقد أسس سنة 1997 جمعية الشعرى لعلم الفلك التي عمّرت لـ 20 سنة، لتكون الجمعية الفلكية الأولى في الوطن و من بين أبرز الجمعيات في العالم العربي و الإسلامي، و عن فكرة تأسيسها يقول ميموني "فكرت مع طالبي، آنذاك، مراد حمدوش، في استحداث جمعية لنشر الثقافة العلمية بعد نجاح نادي علم الفلك بالجامعة، و الهدف كان نقل تلك الثقافة للجمهور العام و عدم حصرها على الطلبة.. لم نفكر وقتها بالبقاء على المدى البعيد، لكن كتب للشعرى أن تستمر".
و على مدى السنوات الماضية استطاعت جمعية الشعرى أن تجعل التظاهرات العلمية تقليدا يليق بمدينة "العلم و العلماء"، فنظمت مهرجانات محلية و وطنية و دولية بالتنسيق مع هيئات مختصة، على غرار الاتحاد العربي لعلوم الفضاء و الفلك، و من بين هذه الأنشطة مهرجان الفلك الجماهيري الذي يُقام كل سنة، كما أصبح تلاميذ الثانويات ينتظرون بشغف مسابقتها "سيرتا علوم" التي بدأت في 2002 و تنتهي كل سنة باستفادة الناجحين من رحلات نحو مختلف دول العالم، لزيارة أهم المواقع الفلكية و العلمية.
و قد ارتبط اسم جمعية "الشعرى" برؤية هلال شوال، بحيث صارت الجهة الفلكية الأكثر مصداقية على المستوى الوطني في تقديم رأيها العلمي وفقا للحسابات الفلكية، و رغم أن وزارة الشؤون الدينية لم تعمل في العديد من المرات برأي الجمعية، إلا أن رئيسها البروفيسور ميموني يرى أن للسلطات القرار الأخير في الاعتداد بحساباته أو لا، لكنه أكد وقوع أخطاء من حين إلى آخر و هذا لا يمنعه، كما أضاف، من الاستمرار في "قول كلمة الحق" بنقل الرأي العلمي.
و يطرح ميموني مشكلة عدم توفر جمعيته على مقر لليوم، رغم الوعود الكثيرة التي تلقاها من المسؤولين المتعاقبين على ولاية قسنطينة بتخصيص مقر لها، حيث كانت تنشط بصفة مؤقتة بدار الشباب فيلالي ثم بالمنصورة و قصر الثقافة مالك حداد أين استفادت من ساعات حضور كل يوم سبت، و هو وضع يقول ميموني أنه أثر على استقرار "الشعرى" و حدّ من عطائها، كما اضطر الأعضاء لوضع العتاد بمنازلهم و داخل المستودعات، لكنه يؤكد أن جمعيته تلقى الاهتمام الكافي من ناحية التمويل، حيث تتحصل على إعانات دورية من مصالح بلدية قسنطينة و الولاية.
"غُيّبنا في تظاهرة عاصمة الثقافة العربية"
و بخصوص تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية التي توشك على الانتهاء،  أكد البروفيسور أنه تلقى وعدا من وزيرة الثقافة السابقة نادية لعبيدي، بتخصيص مكان لجمعيته داخل مركز الفنون من أجل نصب معرض ذو طابع علمي و وضع وسائل الرصد في السقف، لكن الأمور تغيرت كثيرا، حسبه، بعد تغيير الوزيرة.. ميموني يتأسف لـ "غياب" الجانب العلمي" بالتظاهرة و يؤكد أن كل المبادرات التي قدمها للمحافظة باءت بالفشل لأسباب يجهلها، بالرغم من تلقيه دعوة من المحافظ نفسه لمعرفة رأيه حول الفعاليات العلمية التي يقترحها.
مشروع القبة السماوية ظل أيضا مجرد حبر على ورق، فقد أريد لها، يضيف ميموني، أن تكون الأكبر بالجزائر و المغرب العربي و اتفق مبدئيا على وضعها بهضبة عين الباي أو بالخروب، لكنها لم تتجسد رغم أن السلطات المحلية رحبت بالمشروع و أعربت عن موافقتها على إنجازه، كما اتفق أيضا على تنظيم ملتقى شبابي عربي ذو طابع علمي و فعاليات أخرى، و بالنتيجة لم يتجسد أي شيئ خلال التظاهرة، و حتى صالون الفلك الذي نظمته الجمعية بنفسها بمساعدة مالية من الولاية، لم تتلق فيه أية إعانة من المحافظة التي لم يُكلف ممثلوها أنفسهم حتى عناء حضور حفل الافتتاح، لتكون النتيجة، حسب رئيس جمعية "الشعرى"، تظاهرة غابت عنها العلوم.
الرداءة عُمّمت في المجتمع و أفضل التدريس بالعربية
يرى ميموني بأنه ليس هناك اهتمام كاف بالعلوم في الجزائر، و يضيف بأن من أسماهم بالمشعوذين، أصبحوا يظهرون أكثر في وسائل الإعلام، إلى جانب أشخاص يتحدثون فيما لا يعرفون و في تخصصات لا تعنيهم، و ما شجع على ذلك، حسبه، هو عدم اهتمام بعض وسائل الإعلام بإعطاء الكلمة لأهل الاختصاص، مضيفا أن العقلانية و العلم صارا غائبين في المجتمع، فتعممت الرداءة في كل الجوانب و انتشرت الخرافات، و هو وضع يعتقد البروفيسور أن الخروج منه يتطلب القيام بتغييرات جذرية و شاملة.
ميموني الذي يتقن اللغتين الفرنسية و الانجليزية يصر على تدريس طلبة مرحلة  الليسانس بالعربية، و يرفض التدريس بالفرنسية في السنوات الأولى، بعدما لاحظ أن معظم الطلبة يأتون من الثانوية بتكوين ضعيف في هذه اللغة، و بالتالي يجدون صعوبة كبيرة في الدراسة بها في الجامعة، و هو ما زاد، كما أكد، نسب الرسوب بشكل كبير و جعله يكسر ما هو سائد.
و يتأسف أستاذ الفيزياء النظرية لما أسماه بـ "الردّة اللغوية" و عدم تعريب العلوم، بعدما تحولت العربية، برأيه، للغة أجنبية بالجامعات، رغم أنها تصلح للتدريس في كل التخصصات و تسمح لطالب العلم و الأستاذ بنقل المعارف لعامة الجمهور و تثقيفه، منتقدا النظام التدريسي الذي يتضمن، حسبه، نقائص كثيرة، و لا يزال منغلقا جامدا، رغم ذلك يؤكد جمال ميموني نجاح عدة مخابر و أقسام بالجامعات الجزائرية.

الرجوع إلى الأعلى