الجزائريون ضحايا الغش التجاري و العادات الاستهلاكية السيئة
أكد خبراء وباحثون شاركوا في فعاليات أول أيام الملتقى الدولي للعلوم الغذائية، بمعهد التغذية و التغذي و التكنولوجيات الفلاحية بقسنطينة، بأن الجزائري يفتقر لثقافة استهلاكية صحية، و لا يولي أهمية لما يستهلكه ولانعكاساته على حياته وصحته، كما يعجز عن تحقيق التوازن بين نمط حياته و نوعية غذائه، وهي مشكلة حقيقية تضاف إلى خطر الغش التجاري الذي يتعرض له من قبل منتجين محليين، فضلا عن نقص الوعي باحترام شروط النظافة، علما أن هذه العوامل مجتمعة انعكست سلبا على واقع الصحة العمومية، وتسببت في عودة أمراض وبائية، و ارتفاع نسب الإصابة بالسكري و السمنة، بالإضافة إلى تفشي التسممات الغذائية التي قد تؤدي إلى الوفاة.

البروفيسور عبد الناصر آغلي من جامعة قسنطينة


5 بالمئة من الجزائريين مصابون بالسمنة والتوتر عامل رئيسي
يعتبر مشكل التوتر المزمن، من بين الأسباب الرئيسية للإصابة بمرض السمنة في أوساط الجزائريين، وبالأخص فئة الموظفين، كما كشف البروفيسور عبد الناصر آغلي ، من معهد  التغذية و التغذي و التكنولوجيات الفلاحية بجامعة قسنطينة1، مشيرا إلى أن دراسات أجراها طلبة و باحثون من المعهد خلال صائفة 2018، مست عينة من 200 شخص، أكدت بأن التوتر المزمن الذي يعانيه الموظفون الجزائريون بسبب الضغوطات المهنة، يدفع بهم إلى استهلاك كم كبير من الطاقة ممثلة في الأطعمة ، بما يتجاوز حاجتهم ، وما لا يتناسب مع حجم إحراقهم و مستوى نشاطهم، وهو ما يؤدي إلى إصابتهم بالسمنة بمرور الوقت، خصوصا و أن استهلاك الأطعمة عادة ما يتعدى الإفراط،  إلى الإدمان.
مشيرا إلى أن هذا العامل يضاف إلى المسببات الرئيسية لمرض السمنة، والتي يأتي على رأسها نمطنا الغذائي غير الصحي و غير المتوازن وطبيعتنا الاستهلاكية التي لا تحتكم لأي معيار يتعلق بالكم أو الكيف، علما بأن هذه  خلاصة خرج بها المتحدث بعد حوالي 25 عاما من البحث في هذا المجال، مشيرا إلى أن 5 بالمئة على الأقل، من الجزائريين مصابون بمرض السمنة، وهي نسبة ترتفع إلى 8 وحتى 10 بالمئة في مجموعات معينة كالنساء مثلا ، وفي الأوساط الفقيرة.
 بالمقابل تطرح مشكلة الوزن الزائد لدى 17 بالمئة من المواطنين، مع احتمال تجاوز ذلك في أوساط نفس  المجموعات السكانية، علما بأن مشكل زيادة الوزن وحتى السمنة، باتت تطرح بشكل خطير لدى الأطفال و المراهقين في بلادنا.

الدكتور سالم ساسي شامخ من جامعة فنلندا


الأمن الغذائي يبدأ بضبط الاستهلاك
الدكتور سالم ساسي شامخ ، رئيس فريق المواد الزراعية و الحبوب بجامعة هلسنكي التقنية و رئيس مركز يوفا لأبحاث الكمأ « الترفاس» و الفطريات  بفنلندا، نفى أن تكون هنالك شركات أغذية عالمية تصدر  لدول العالم الثالث منتجات تحتوي على مواد خطيرة أو مسرطنة، كما يشاع، موضحا بأن هذه الشركات عموما، تخضع نفسها لشرط مراقبة جودة المنتج في مخابرها الخاصة قبل تسويقه، كما أنها لا يمكن أن تتلاعب بسمعتها و بصحة زبائنها المستهلكين، مضيفا بأن ذلك لا يزيل عن كاهل الدول مسؤولية مراقبة جودة و نوعية المنتجات المستوردة، و مدى مراعاتها للشروط و المعايير الصحية العالمية، قبل الترخيص بدخولها و السماح بتسويقها.
و أضاف الباحث بأن المدارس و الجامعات العربية، لابد أن تولي أهمية أكبر لموضوع التفتيش الغذائي في مقرراتها و مناهجها، و ذلك لتعميق الوعي الاستهلاكي، مشيرا إلى أن تحقيق الأمن الغذائي، يبدأ بضبط الاستهلاك و التمكن من آليات و تكنولوجيات حفظ الأغذية.

الدكتور عبد الحفيظ ناني من جامعة أدرار


الحل في  العودة إلى الوجبات التقليدية
يرى الدكتور عبد الحفيظ ناني، من جامعة أدرار، بأن الحل للتوصل إلى نظام غذائي متوازن  وتنظيم النمط الاستهلاكي لدى الجزائري، يتمثل  في العودة إلى الأطباق التقليدية، لأنها أكثر توازنا و صحة، موضحا بأنه خلص إلى هذه النتيجة بفضل دراسة أجراها على 13 وجبة غذائية تقليدية شهيرة وشائعة الاستهلاك بمنطقة أدرار و الجنوب الجزائري عموما، من بينها  5 أنواع من الخبز التقليدي على سبيل الحصر، تحضر بمكونين طبيعيين خالصين هما السميد و الدقيق الأبيض.
 وقد أثبتت عملية تحليل و دراسة القيمة الغذائية و الطاقوية لهذه الأطعمة مدى غناها بالبروتينات و السكريات و النشويات الأساسية، كما أنها وجبات تخضع عموما لشرطي التنوع و التوازن، حتى بالنسبة لبعض الأطباق الدسمة و المشبعة بالغلوسيدات، و السبب، حسبه، هو أن استهلاك هذه الأطعمة ليس يوميا، و إنما مناسباتيا أو متباعدا، وبالتالي فإنها لا تضر الصحة بقدر ما تخدم الغرض المنشود منها.
 من جهة ثانية أثبتت الدراسة ، حسبه، بأن هذه الوجبات، على غرار طبق القسبوري، الذي يشبه إلى حد ما الكسكسي، هي وجبات جد مدروسة، إذ تحقق معادلة نسبة الطاقة ومعدل الحرق اليومي للأفراد الذين يعيشون في المناطق التي ينتشر استهلاكها بها  كأدرار، مثلا.
نفس البحث بين بأن سكان المناطق الكبرى يفتقرون لنمط غذائي صحي و متوازن، مقارنة بسكان الضواحي و المناطق الصحراوية.

الدكتور عبد الرؤوف بنيني من جامعة قسنطينة


التغذية غير المتوازنة وراء إصابة الموظفين بالسكري
و يرى من جهته الدكتور عبد الرؤوف بنيني من نفس المعهد بجامعة قسنطينة1، بأن مشكل التوتر المزمن عند الموظفين، له انعكاسات سلبية خطيرة على الصحة، مشيرا إلى أنه أصبح حالة شبه مرضية شائعة في أوساطهم في السنوات الأخيرة، حيث أنه قام بدراسة حول الأمراض غير المنتقلة عند الموظفين العاملين وفق نظام المناوبة، و تحديدا مرضى السكري و ضغط الدم، مست 123 عاملا بشركة صحراوية، تمت متابعة ملفاتهم الطبية  طيلة 23 سنة، أي من « 1995 إلى غاية 2014».
 الباحث توصل إلى أن نسبة الإصابة بالمرض كانت 0 بالمئة في البداية، ثم ارتفعت إلى 4 حالات في  غضون سنة، علما بأن التغذية غير المتوازنة لهؤلاء العمال تعتبر المسبب الرئيسي للمرض، خصوصا و أنهم يتناولون الكربوهيدرات بشكل مفرط، وبالأخص اللحوم الحمراء التي يستهلكونها بمعدل مرتين في اليوم، بالإضافة إلى اللحوم البيضاء و المعلبات و المشروبات الغازية، كما أن السن يعتبر أيضا عاملا إضافيا ، حيث أن من تجاوزوا 50سنة من الموظفين، أصيب معظمهم بالمرض ،أما معدل الإصابة بالمرض، فقد تحدد بـ 16سنة من الخدمة.
و الملاحظ ، حسبه، هو أن فوضى الاستهلاك الغذائي كانت لها انعكاسات واضحة على  أوزانهم، فـ 9 بالمئة منهم أي 12فردا فقط ،حافظوا على استقرار أوزانهم خلال 23سنة، أما البقية فأصيبوا بالسمنة.

الدكتورة نورة غلياوي جامعة الجزائر


منتجون يغشون في التركيبة الغذائية
بدورها، دقت الباحثة بمركز البحث العلمي في تقنيات الفيزياء و الكيمياء، بجامعة الجزائر، الدكتورة نورة غلياوي، ناقوس الخطر بخصوص فرط استهلاك الجزائريين للمواد المضافة في غذائهم اليومي، مشيرة إلى أن المواطنين ضحايا نقص وعيهم الاستهلاكي من جهة، لكنهم أيضا ضحايا الغش التجاري، موضحة بأن هناك منتجين محليين لمواد غذائية يتلاعبون بصحة المستهلك من خلال الغش في التركيبة و لدى إشهار مكونات المنتج، وهو ما أكدته، حسبها، دراسة مخبرية أجرتها رفقة باحثين من ذات المعهد هذه السنة، و شملت 100منتج على غرار  المشروبات الغازية، الحليب و مشتقاته، المعلبات و الخضر و غيرها، وقد اتضح بأن 48 منتجا من بينها، لا تخضع لمعايير الوسم و لشروط الصحة، فمنها ما لا يلتزم بشرط إشهار التركيبة الخاصة بالمنتج ومكوناته الرئيسية،  ومنها ما ينفي وجود بعض المركبات و المواد الحافظة، بالرغم من وجودها فعليا.
وحذرت المتحدثة من وجود منتجات تشكل المشروبات الغازية نسبة 37 بالمئة منها، تجاوزت كل الخطوط الحمراء في ما يتعلق بالصحة الغذائية، كعدم احترام نسبة التركيب مثل « تجاوز عتبة 300 ملغ من مركب معين في كل كيلوغرام من المنتج المصنع».و الأخطر، حسبها، هو أن هناك نسبة كبيرة من الأطفال يتناولون هذه المشروبات، علما أن هذه النتائج تعد، كما قالت، جزءا بسيطا من تجاوزات أخطر يقوم بها المصنعون.

البروفيسور رمضان جامعة البليدة


التسمّمات الغذائية أصبحت مشكل صحة عمومية في الجزائر
في سياق متصل، نبّه البروفيسور رمضان.س، من جامعة البليدة، إلى أن  التسممات الغذائية تحولت إلى أحد مشاكل الصحة العمومية في بلادنا، حسبه،
و الدليل هو الحوادث المتكررة
و الكثيرة وحتى القاتلة، التي يتم تسجيلها في كل مرة، و آخرها حادثة منبع بوثلجة في الطارف، و مياه بلدية مفتاح سنة 2016، دون ذكر عودة وباء الكوليرا في منطقة تيبازة و العاصمة و البليدة.  وقال الباحث، بأن السبب الرئيسي لهذه التسممات هو عدم احترام شروط النظافة ضعف الوعي الاستهلاكي عند المواطن و كذا المنتج المصنع على حد سواء، بمعنى أن المواطن مسؤول عن نظافته الشخصية، وعن التأكد من نظافة غذائه، بالمقابل إن المنتجين في مجالات الحليب و الألبان أو مشتقات اللحوم وغير ذلك، معنيون أيضا بمنع تعرض منتجاتهم لأخطار التلوث الناجمة عن البكتيريا التي قد تكون قاتلة، و قد تم بهذا الصدد ،حسبه، إحصاء حوادث تتعلق بالحليب و منتج الكاشير.
و تعتبر الأعراس و منابع المياه الجوفية و مطاعم الأكل السريع، من أهم مصادر التسممات الغذائية في الجزائر، إذ تسجل أغلب الحالات عن طريقها، علما بأن الإحصائيات التي تقدمها المصالح الرسمية لا تعكس حقيقة الواقع، لأن هناك فئة من المتضررين  لا تقصد المستشفيات و تفضل العلاج الذاتي.

إعداد : هدى طابي

الرجوع إلى الأعلى