3 سنوات سجنـــا لمختطفي معلمة من محطـــة نقل المســـافرين
أصدرت محكمة الجنايات بمجلس قضاء قالمة أمس الاثنين حكما بثلاث سنوات سجنا نافذا و غر امة مالية في حق 3 أشخاص بين 30 و 44 سنة، متهمين بتكوين جمعية أشرار بغرض الإعداد لارتكاب جناية الاختطاف بواسطة العنف، و هي الواقعة التي ذهبت ضحيتها معلمة متزوجة و أم لطفلة عندما كانت ذاهبة إلى عملها صباح العاشر من شهر نوفمبر 2015 بالمحطة البرية الشمالية بمدينة قالمة، بينما التمست النيابة العامة عقوبة 10 سنوات سجنا و غرامات مالية ضدهم و حرمانهم من الحقوق المدنية.   
و حسب وقائع جلسة المحاكمة المثيرة التي تابعتها النصر فقد لعبت الخمر و الحبوب المهلوسة برؤوس الأشخاص الثلاثة الذين قضوا الليل يتسكعون بشوارع مدينة عنابة ثم عادوا فجرا إلى مدينة قالمة و عندما وصلوا إلى المحطة البرية صادفتهم الضحية في حدود السادسة و النصف صباحا متوجهة إلى عملها بإحدى البلديات النائية.
الجناة  كانوا على متن سيارة سياحية توقفت أمام الضحية عند مدخل المحطة البرية و نزل منها أحد المتهمين، الذي طلب التحدث إلى المعلمة وسط ظلام  خيم على المنطقة بعد فجر ذلك اليوم العصيب، و عندما رفضت الضحية التحدث معه لكمها بقوة على وجهها و دفعها إلى داخل السيارة لكنها قاومت بشدة و صرخت طالبة المساعدة، لكن لا أحد من المارة توقف لنجدتها، مرت سيارات كثيرة و حافلات على المكان متوجهة إلى مواقفها داخل المحطة دون الاهتمام بما يجري هناك، قاومت الضحية لكنها استسلمت في النهاية بعد أن نزل المتهم الثاني لمساعدة صديقه على إدخال الضحية بالقوة إلى السيارة، و ألقوا بها في المقعد الخلفي أين كان المتهم الثالث يغط في نوم عميق تحت تأثير المهلوسات و السهر الطويل بشوارع عنابة و نواديها الصاخبة، كان مستلقيا على المقعد الخلفي و نهض مذعورا عندما سقطت عليه الضحية، لم يكن يدري ماذا جرى في البداية لكنه استرجع بعض مداركه و أمسك بالغنيمة و ثبتها إلى جانبه رفقة صديقه و انطلقت السيارة بسرعة عبر شوارع مصانع السكر و الدراجات وصولا إلى الطريق الوطني 80 المؤدي إلى سدراتة و ما هي إلا دقائق قلية حتى انحرفت السيارة إلى دوار حجر منقوب عبر مسلك معبد ثم مسلك ترابي مؤدي إلى منطقة معزولة.  
أثناء الرحلة القصيرة تلقت الضحية تهديدات بالاحتجاز و التعدي لكنها ظلت متماسكة شجاعة رغم الوضع الخطير الذي كانت تمر به، وصلت السيارة إلى المكان المحدد و نزل الثلاثة و معهم الضحية التي قررت خوض مفاوضات الفرصة الأخيرة، قالت لهم بأنها معلمة و كانت ذاهبة إلى عملها و أنها متزوجة و أم لطفلة و أنها مستعدة أن تدفع لهم المال مقابل إطلاق سراحها.  
فتشوا محفظتها و حقيبتها اليدوية و عثروا على هاتفها النقال و رخصة السياقة التي كادت أن تنقذها من مخالب المعتدين، عندما شب خلاف حاد بينهم وصل إلى حد العراك بالأسلحة البيضاء بسبب تمزيق معطف جلدي كان يرتديه سائق السيارة في تلك الليلة الباردة، ربما يكون المعطف قد تمزق في معركة أخرى نشبت بين المتهمين الثلاثة في مكان آخر قبل الوصول إلى مدينة قالمة.  
احتدم الخلاف و بدأت لغة السيوف و الخناجر تتكلم و الضحية تراقب الوضع الخطير و هي ترى الدماء تنزف، قالت بأنهم نسوها و أصبحوا مهتمين بأمر المعطف الجلدي الثمين و ربما كانوا بصدد تصفية حسابات قديمة بينهم، كان محرك السيارة يشتغل و كانت المعلمة تحسن القيادة ببراعة، صعدت إلى السيارة و كانت على وشك الانطلاق هاربة من المعركة الدامية و المصير الذي كان ينتظرها بمنطقة خالية من البشر، لكن المحاولة فشلت عندما تفطن لها أحد المتهمين و أنزلها من مقعد القيادة لحظات قبل الانطلاق.  
كانت شمس ذلك الصباح ترسل أشعتها ببطء بين التلال و الجبال المطلة على حوض سيبوس الكبير و كان نسيم الصباح المنعش يسري في الأجساد المنهكة بالخمور و المهلوسات و السهر الطويل، لم يعد هناك ظلام يحجب الرؤية و أصبحت الوجوه ناظرة لبعضها البعض، قال أحد الخاطفين «إنها امرأة كبيرة يا جماعة ليست هذه التي كنا نريد، لقد أخطأنا الهدف و تشابهت علينا النساء و الفتيات في ليلة شديدة الظلام، يجب أن نخلي سبيلها و نعيدها إلى المدينة».  
و أعاد المتهمون سرد أحاديثهم أمام هيئة المحكمة الجنائية التي كانت تتابع بذهول وقائع عملية الاختطاف على لسان المعتدين و المعلمة الضحية التي لم يمسسها سوء، و عادت إلى مدينتها عبر شوارع و أحياء شعبية مكتظة.
كان الجناة يبحثون عن مكان آمن للتخلص منها فأنزلوها بشارع ضيق و لاذوا بالفرار و انطلقت الضحية تجري في كل الاتجاهات باحثة عن مكان آمن تحتمي فيه، دقت على باب منزل فرفضها أصحابه، أوقفت عدة سيارات لكن لا أحد توقف، هرب منها الجميع حتى وصلت إلى مقهى شعبي فدخلته مستغيثة طالبة الحماية و كان لها ما أرادت، التف حولها الرجال و طلبوا الشرطة و علم الأهل بما أصاب المعلمة الشجاعة.  
و صلت الشرطة إلى المقهى بسرعة و بعد أن تحدث المحققون مع الضحية تعرفوا على الجناة و ألقوا عليهم القبض الواحد بعد الآخر و قادوهم إلى غياهب السجن.
خلال المحاكمة الجنائية ظهر المتهمون الثلاثة نادمين متوسلين طالبين العفو من مربية الأجيال التي روت قصتها المأساوية بصراحة و دقة و بلاغة مؤثرة أسكتت الجميع،  و قد تنازلت عن حقها في التعويض المادي و صرحت بأن لا أحد من المتهمين مسها بسوء و ربما يكونون فعلا قد أخطأوا الهدف و تشابهت عليهم النساء و الفتيات في ليلة حالكة الظلام.   
غادرت المعلمة ضحية الاختطاف قاعة الجلسات بوقار و حياء و رافقتها شرطية إلى خارج المبنى الجميل، و أوقفت لها سيارة أجرة حتى تطمئن عليها و هي تعود إلى عائلتها الصغيرة و إلى أسرتها التربوية الكبيرة، لتعلم الأجيال بأن المخدرات و الحبوب و النوادي الصاخبة تعمي الأبصار و تدمر كيان المجتمع و تنتج جيلا من المنحرفين الذين يعيثون فسادا في الأرض و يهلكون الحرث و النسل، في غفلة من قوم لم يعودوا يغيثون المستغيث و خرست ألسنتهم و لم يعودوا قادرين على مواجهة الوضع و قول كلمة حق و نصرة ضحايا الإجرام الجنوني المتصاعد.
فريد.غ

الرجوع إلى الأعلى