تـراجـع فـي جرائم الشــرف وكســر لعقــدة الخــوف مـن الفضيحــة
يعرف المجتمع الجزائري في السنوات الأخيرة تحولات جذرية تغيرت معها العديد من عاداته و معتقداته و تراجعت بفضلها سلطة العرف أمام سلطة القانون، فمحاكم الوطن عموما و خصوصا بالمدن الكبرى تسجل تراجعا في القضايا أو الجرائم التي يكون الدفاع عن الشرف خلفية لها،
 و توجها أكبر نحو طلب عدالة القانون، وهو تحول يرجعه مختصون في علم الاجتماع و القانون الى ارتفاع درجة الوعي و تأثيرات العشرية السوداء. يعد المجتمع الجزائري أحد المجتمعات التقليدية التي تخضع لسلطة العرف، و ينظر فيه إلى المرأة على أنها خطر محدق، لأنها قد تشكل مصدر فضيحة أخلاقية في أية لحظة، وهو واقع لا يمكن إنكاره، خصوصا في بعض المناطق الريفية و المدن الداخلية، أين تعد  القبيلة أو «العروش» مصدرا لكل حكم، وهي مناطق تشتهر بقضايا جرائم الشرف التي  غالبا ما تكون ضحيتها فتيات يتهمن بإقامة»علاقات جنسية غير شرعية».  والغريب أن معظم جرائم الشرف في الجزائر، كان و لا يزال يعلن عنها على أنها حالات انتحار، تجنبا لأية متابعات قضائية لمرتكبيها و هم في الغالب: الأب، الأخ، أو العم، فضلا عن ذلك فإن الخوف من العار والفضيحة من أبرز أسباب التكتم على هذه الجرائم، كما أكد محامون و رجال قانون، مشيرين إلى أنه و رغم وجودها في الواقع، إلا أن السنوات الأخيرة عرفت نوعا من التراجع النسبي في عدد القضايا من هذا النوع، خصوصا بالمدن الكبرى و التجمعات الحضرية القريبة من المدن.
الشك بداية لأبشع جرائم الشرف
من بين الحوادث التي هزت المجتمع الجزائري سنة 2013، قصة ممرض من ولاية المسيلة قام بذبح زوجته والتنكيل بجثتها بأبشع الطرق، لأنه شك في تصرفاتها، حيث أعد خطة محكمة لقتلها، وبحكم عمله استطاع تخديرها، لكي لا تتمكن من مقاومته أو الصراخ وكتب بعد تنفيذ فعلته على جدران غرفته بدمها ‹›قضية شرف››، و قبل أن يتكلم القاتل ذهب أغلب الناس إلى توجيه أصابع الاتهام إلى القتيلة، إذ اعتبر جميع السكان أنه يستحيل أن تصل الخلافات بين زوجين إلى حد القتل، ما لم يكن الشرف طرفا في القضية، وفعلا كان حكم الناس المسبق هو العدل من وجهة نظرهم بعد أن كتب الزوج على جدار الغرفة العبارة بكل وضوح و صراحة، لكن دون أن يتمكن من تقديم أدلة قطعية على شكه الرهيب و جريمته البشعة.
أما في ولاية بسكرة ،فقد قام رجل مؤخرا بطعن زوجته في مناطق متفرقة من جسدها حتى الموت، لأنه شاهدها تركب سيارة رجل لا يعرفه، و ادعى أن ذلك بدافع الانتقام لشرفه، رغم أن التحقيقات بينت أن الرجل لم يمهل زوجته لتفسير ما قامت به، فكان الموت في نظره هو أحسن تعقيب و عقاب على ما اقترفته.
119 قضية شرف بين سنتي 2014 و 2015، بمجلس قضاء قسنطينة
تشير إحصائيات قدمها مجلس قضاء قسنطينة، تخص الفترة الممتدة بين سنتي 2014 و 2015 ، إلى تسجيل 119 قضية تندرج في خانة الشرف، تورط فيها أو راح ضحيتها ذكور و إناث، على حد سواء، بينهم بالغون و قصر، وهي قضايا تتعلق بالفعل العلني المخل بالحياء و التحرش الجنسي و هتك العرض، سجلت زيادة في عدد الاعتداءات على نساء أو فتيات في سن الرشد في قضايا التحرش الجنسي بنسبة 3.66 في المائة، مقابل 0.84 في المائة في ما يخص الضحايا القصر.  حسب النائب العام بمجلس قضاء قسنطينة الأستاذ بو الحيلة، فقد سجل انفتاح ملحوظ على عدالة القانون و تراجع نسبي لحكم العرف، خصوصا في المناطق الحضرية أو المدن، بناحية الشرق الجزائري، إذ أن الجزائريين في هذه المناطق باتوا يفضلون مقاضاة الجاني في قضايا الشرف و تحصيل حقوقهم بعدالة القانون، بدلا من معالجة المشكل بارتكاب جرائم، وهذا يدل على تنامي درجة الوعي لدى المواطن و ثقته في العدالة، كما قال. و تعد قضايا التحرش الجنسي و هتك العرض، من بين أكثر أنواع قضايا الشرف التي تعالجها محاكم الشرق الجزائري، حيث أن الإناث يعتبرن الضحايا دائما، من بينهن البالغات الراشدات و القاصرات.
المحامية و الناشطة الحقوقية
 كوثر كريكو
إجراءات التعـويـض وتسويـة الوضعيــة القانونيــة للضحـايـا وراء التوجـه للقضـاء
بينت المحامية بمجلس قضاء قسنطينة و الناشطة الحقوقية كوثر كريكو، بأن عدالة القضاء و صرامته في التعامل مع هذا النوع من القضايا، هو ما دفع بالعديد من الجزائريين إلى التخلي عن التفكير في الانتقام الذي ينتهي بهم إلى ارتكاب جرائم قتل بدافع الشرف، و التوجه نحو الضبطية القضائية أو النيابة العامة لتقديم شكاوى مباشرة ضد الجناة، على اعتبار أن الشكوى الرسمية تسمح لصاحبها بتحصيل حقوقه القانونية من الجاني بشكل كامل، بما يضمن مستقبل الضحية و يخفف حجم المشكل.  أضافت المحامية بأن النيابة العامة عادة ما تصدر أحكاما تصب في مصلحة الضحية، إذا ما ثبت الاعتداء على الشرف، و يكون الأمر بمثابة تعويض قانوني مناسب، فيجبر الجاني على عقد قرانه على الضحية، كما أن القانون يكفل صفة « الشرعية» للأطفال الناتجين عن هذا النوع من الحوادث، لأنه يصدر أحكاما توجب تسجيل الطفل ضمن قوائم الحالة المدنية، و ذلك ما يعيد الحق لأصحابه، كما علقت، مؤكدة بأن المحاكم أصبحت تشهد العديد من القضايا من هذا النوع سنويا، أغلبها تتعلق بسكان المدن.
الباحثة في علم الاجتماع الحضري  بغريش كريمة
 تأثيـر الإعـلام و رواسـب العشريـة السـوداء جـرد قضيـة الشـرف مـن صفـة الفضيحــة
ترجع الباحثة في علم الاجتماع الحضري بغريش كريمة، سبب التراجع  النسبي لجرائم الشرف في المجتمع الجزائري، إلى أن قضايا الشرف عموما تحولت الى ظاهرة، أصبحنا نسمع عنها يوميا في أوساطنا الاجتماعية و في الجرائد عموما، أبطالها فتيات و أطفال قصر، وهو ما جعل قضية الشرف تفقد نوعا ما من تأثيرها المدوي كفضيحة من العيار الثقيل، خصوصا في المدن.  من جهة ثانية، ترى المختصة بأن  العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر تركت أثرا عميقا في المجتمع الذي عاش تجربة صعبة، خصوصا سكان المداشر و الأرياف، أين يعد الشرف مسألة حياة أو موت، فالعديد من الأسر في تلك المناطق تجرعت مرارة  اختطاف بناتها و تعرضهن للاغتصاب، وهو ما حول القضية من فضيحة فردية إلى محنة جماعية، و خفف من وطأة تأثير الأحداث من هذا النوع، كما أن الدور الذي لعبته وسائل الإعلام و جمعيات المجتمع المدني في تلك المرحلة، في ما يتعلق بالتوعية بأهمية المتابعة النفسية للفتيات ضحايا هذا الفعل، كان له نتائج إيجابية أعادت ثقة المواطن في عدالة القضاء و حولت صورة الضحية في نظره، من جزء مشارك في الفعل إلى ضحية له.  على صعيد آخر، فإن المسلسلات التركية و المكسيكية المدبلجة، عكس ما يعتقده الكثيرون، أثرت بشكل مباشر على مجتمعنا و غيرت قناعاتنا و سمحت بتسرب بعض السلوكات الدخيلة على ثقافتنا، مثل صديق العائلة، وحق المرأة في الخروج ليلا و العودة متأخرة إلى المنزل و الاختلاط بالجنس الآخر، حتى أن بعض الأسر باتت تتقبل العلاقات الغرامية بشكل طبيعي، وهو ما غير مفهوم الشرف كخط أحمر لدى الجزائري، و بالتالي فإن التعامل مع قضية الشرف، لم يعد متطرفا باعتبارها فضيحة، وهو ما شجع العائلات على تجاوز التفكير في الانتقام و القتل، و التوجه إلى مراكز الشرطة و القضاء و المحاكم، كما أن الخوف من الفضيحة و إبقاء الأمر طي الكتمان، لم يعد هاجسا بالنسبة لسكان المدن و العديد من المناطق فيالجزائر.
نور الهدى طابي  

الرجوع إلى الأعلى