وجبات باردة وأطباق لا تسد الرمق من مطاعم الرحمة
يفطر المئات من أعوان الحراسة و الأمن، العاملين على مستوى آلاف الشركات الاقتصادية بقسنطينة في مراكز حراستهم و قد  يتصور الكثيرون بأن وضعية هؤلاء الأعوان  مقبولة، على اعتبار أن أغلبهم  يحضرون وجبات إفطارهم معهم من المنازل، غير أن الواقع يعكس صورة مأساوية لأعوان بسطاء من ولايات أخرى، يقضون رمضانهم كاملا بعيدا عن أسرهم، و يضطرون للتنقل يوميا إلى مطاعم الرحمة للحصول على وجبات، قد تكون شحيحة و لا تكفي حتى لسد جوعهم.
روبورتاج :  نور الهدى طابي      
 وجبة لأربعة أفراد يتقاسمها 14 صائما
بالمنطقة الصناعية 24 فيفري بالما سابقا ، و قبل ساعة من موعد الإفطار، التقينا العديد من أعوان الحراسة و الأمن، على مستوى بعض الشركات العمومية و الخاصة، فحدثونا عن يومياتهم الرمضانية القاسية، و ينقسمون إلى فئتين تكمن مشكلة الفئة الأولى في أن الواجب المهني يفرض عليهم حتمية الإفطار خارج المنزل، أم الفئة الثانية فمعاناتها أكبر ، و يتعلق الأمر بعمال من ولايات مجاورة من عنابة  و سكيكدة و سطيف و برج بوعريريج و ميلة و غيرها، يعملون بعدد من المؤسسات التي تقر نظام 7/7 أو 8/8 ،أي ثمانية أيام كاملة في الأسبوع، ما يعني أنهم يقضون قرابة نصف رمضان كاملا في العمل، بعيدا عن ديارهم و ذويهم، و حصولهم على وجبات الإفطار الجاهزة أمر صعب، و يتوقف على مدى وصولهم مبكرا لأقرب مطعم رحمة في المنطقة.
 خلال جولتنا قابلنا بعض الأعوان العاملين على مستوى شركة أجنبية بالمنطقة الصناعية،و عددهم 14 عاملا، من ولايات شرقية مختلفة يعملون طيلة ثمانية أيام كاملة ، قبل أن ينوب عنهم فريق آخر لنفس المدة، علما بأنه لا يسمح لهم بأي شكل من الأشكال بمغادرة المؤسسة، بمجرد الالتحاق بمناصب عملهم، و بما أنهم يصومون و يفطرون بعيدا عن منازله، فهم مضطرون للاعتماد على ما تقدمه مطاعم الرحمة، لكن المشكل، كما أخبرونا، هو أن المطعم الوحيد الموجود، يلزم من يقصدونه بتناول إفطارهم على موائده، ولا يسمح بأخذ أكثر من أربع وجبات خارجا، حفاظا على حقوق باقي الصائمين، و نظرا لتعذر مغادرتهم لمكان عملهم، فهم بالتالي مجبرون على اقتسام مقدار أربع وجبات بين14 شخصا، الوضع الذي وصفوه بالكارثي، لأن الكمية شحيحة ولا تكفيهم عادة، لذلك يضطرون لشراء وجبات إضافية باردة من أجبان و زيتون لسد جوعهم، وهو نفس الوضع بالنسبة للسحور.
 أحد الأعوان من ولاية سطيف أكد لنا بأن الوضع مزر، خصوصا للصائمين من خارج قسنطينة لا يجدون ما يكفيهم من طعام، مشيرا إلى أنه و خلال عمله بإحدى الشركات بمدينته، كان يعد قائمة اسمية تضم عدد زملائه في الحراسة تطبع على مستوى البلدية، و تقدم لمسؤول المطعم الخيري البلدي، لضمان الحصول على عدد كاف من الوجبات، لكن الوضع مختلف بالنسبة لمطعم الرحمة الوحيد الموجود بالمنطقة الصناعية، لأنه يفرض على الصائمين الإفطار داخلها لضمان وجبات كافية لجميع الصائمين العاملين بالمنطقة دون استثناء، وهو ما يصعب الأمر على من يعجزون عن ترك مواقع حراستهم.
عمال من خارج الولايات يغيبون عن عائلاتهم لأسابيع
  عمي عمر، عون حراسة بأحد مصانع الشوكلاطة بالمنطقة الصناعية، أخبرنا بأنه و خلافا لباقي زملائه في الشركات المجاورة يتمتع بفطور أفضل، فبحكم إقامته بقسنطينة، فإنه يحضر إفطارا جاهزا من المنزل، يقوم بتسخينه بواسطة موقد كهربائي قبل الآذان بساعات ليفطر عليه طازجا، مع ذلك فإن قوته لا يتجاوز الملعقتين، لأن الشعور بالوحدة و البعد عن أبنائه يفقده شهيته، وبالرغم من كونه يعمل وفق نظام مناوبة، إلا أن اليوم الذي يصادف إفطاره في مقر حراسته محزن بالنسبة إليه، وهو ما أكده عبد الحميد عون حراسة بمصنع للمشروبات الغازية، مشيرا إلى أن رمضان شهر التلاقي و التقارب الأسري، و نكهة الإفطار لا تكتمل إلا بوجود العائلة.
 محدثنا قال بأنه يقيم بقسنطينة لكن ببلدية عين عبيد، ونظرا لبعد المسافة، فهو بدوره يعتمد على وجبات مطعم الرحمة، التي يتوجب على الصائم الحصول عليها قبل الالتحاق بمقر عمله على الساعة الرابعة بعد الظهر، فمن يمتلك موقدا كهربائيا يتناولها ساخنة، أما من لا يملكه فيفطر على طعام بارد، علما بأنه ورغم علاقات الصداقة التي تجمع أعوان الحراسة العاملين على مستوى المنطقة الصناعية ببعضهم البعض، إلا أن كل واحد منهم يفطر منفردا، لأنه لا يحق له مغادرة مكان عمله و ترك موقع الحراسة خاليا، حتى وإن كان رمضان يعد شهر الأمن و الهدوء في المنطقة المعروفة بكثرة مشاكلها.
بخصوص ما يقدمه مطعم الرحمة، فقد أكد عبد الحميد بأنه صحي و جيد و متنوع، فالقائمة تتضمن  شربة الفريك، و الخبز و السلطة و الحليب و التمر، و طبق ثان مليء باللحوم.
فطور بطعم الوحدة
تركنا المنطقة الصناعية وقصدنا حي زواغي، تقربنا من أعوان الحراسة بالوحدة العملياتية لترامواي قسنطينة، هناك أخبرنا أعوان الحراسة بأنهم يفطرون بإمكانياتهم الخاصة، و وجباتهم  عادة عبارة عن وجبات باردة، تضاف إلى القليل من الطعام الذي يحضره كل واحد من منزله، على أن تجمع الأطعمة و تشكل مائدة واحدة يجتمع عليها جميع الأعوان لخلق جو أسري.
محدثونا قالوا بأن مطعم الرحمة الوحيد الموجود بالمنطقة، يبعد بحوالي كيلومتر و نصف، لذلك فهم يفضلون إحضار وجباتهم من المنزل و تناولها باردة أحيانا، على التنقل كل تلك المسافة، خصوصا و أن معظمهم تعودوا على الإفطار طيلة سنوات في مقرات عملهم، لذلك لم يعد الأمر يطرح مشكلا بالنسبة إليهم.
 خلال حديثنا إليهم، أخبرونا بأن الوضعية لم تكن تختلف كثيرا بالنسبة للنساء سائقات الترامواي في رمضان خلال العام الماضي، إذ كن مجبرات على الإفطار في مقر عملهن، بسبب برنامج النشاط الذي يستأنف مباشرة بعد الإفطار، لذلك كن يحضرن إفطارهن معهن ، إلا أن إدارة المؤسسة قررت هذه السنة تغيير البرمجة بالنسبة للنساء، و أذنت لهن بالإفطار في بيوتهن و العودة للعمل بعد ذلك.

الرجوع إلى الأعلى