شاطئ ميرامار.. مقبرة البحارة المنسيين و وجهة النجوم
قد تختلف الروايات التاريخية عن  أصل تسمية شاطئ "ميرامار" بمدينة سكيكدة، لكن ما لا يختلف عليه اثنان، هو الطبيعة العذراء والمناظر الخلابة التي يزخر بها المكان الذي لا تزال آثاره شاهدة على العديد من الحقب الزمنية و الشعوب التي  مرت من هناك، .. الشاطئ يعد لوحة فنية بامتياز، لا يزال مقصد الآلاف من المصطافين رغم تداعي السنين وظلم الإنسان الذي جعله عرضة للإهمال والنسيان.
روبورتاج لقمان قوادري 

يعد شاطئ ميرامار الواقع غرب مدينة روسيكادا، من التحف الفنية التي طالما استلهمت الرسامين، حيث أنه يعد من أجمل الشواطئ التي تجمع  بين تنوع الغطاء النباتي الأخضر المترامي على سفح الجبل المحيط به، وزرقة البحر وصفاء مياهه التي اتخذت من اللون الأخضر الفاتح والأزرق لونا لها، ما جعله مقصدا أولا للمصطافين من العائلات والشباب، الذين  يأتونه يوميا من كل حدب وصوب، كما يمنح هواة السباحة الأمان لهدوء أمواجه التي قلما ترتفع خلافا لباقي شواطئ المدينة.
جولة طبيعية ساحرة، هي المتعة التي  لن   تنعم بها قبل الوصول إلى ميرامار،  حيث تتطلب الرحلة المرور عبر جسر ضيق قديم شيد  أسفل الجبل في العهد الاستعماري،  والسير على القدمين على مسافة تزيد عن الكليومترين انطلاقا من شاطئ سطورة، ومرورا  بشواطئ وأماكن كلها تحكي روايات تاريخية عن الذين جعلوا من المكان مصدرا لإبداعاتهم، حيث يؤكد سكان قدامى للمنطقة بأن الحاج الطاهر الفرقاني ووالده كانا دائمي التردد على الشاطئ الصخري مولو، كما كان أيضا الفنان أنريكو ماسياس يقضي عطلته هناك بالإضافة إلى العديد من الوجوه الفنية سواء الوطنية، أو حتى التي وصل صداها إلى العالمية.
وتختلف الروايات التاريخية حول أصل تسمية المكان، إذ يقول السكان القدامى بمنطقة سطورة، بأن الشاطئ حمل إسم أحد المعمرين من أصل إيطالي وبالضبط من مدينة نابولي، حيث أنه وبحسب روايات آبائهم، كان يملك فندقا ومطعما فاخرين هناك و قام ببنائه بمواد تم جلبها عبر قوراب من الشاطئ المسمى حاليا "الكاريار" باعتبار، ان تلك المنطقة كانت عبارة عن محجرة في عهد الإستعمار الفرنسي.
ويقول محدثونا من العارفين بتاريخ المنطقة، بان المكان كان مقصدا للسياح من الطبقة الراقية من المعمرين، حيث كان الوصول إليه يتم بالتنقل عبر قوراب سياحة فاخرة، كانت ترسو بمرفأ قالوا بأن معالمه اختفت مع مرور السنين، كما ذكروا بأن المطعم كان مقصدا لتناول أشهى وأفخم أطباق السمك وسماع أروع معزوفات البيانو.
عندما تتغلب عذرية الطبيعة على قساوة الإنسان
ويؤكد أحد الناشطين ورئيس الديوان المحلي  للسياحة بولاية سكيكدة عيادي عبد الله، بأن معنى كلمة ميرامار، هي اختصار  لكلمتين وهي الأمير عمار، وهو أحد الأمراء العثمانيين الذين عشقوا جمال المكان وسحره، حيث أنه كان دائم التردد عليه، كما ذكر بأن الشاطئ مر عليه الفينقيون أيضا، حيث أنهم كانوا يدفنون البحارة المنسيين، الذين يتوفون في البحر بتلك المنطقة والقبور الموجودة لا تزال شهادة على ذلك العصر، كما أكد بأن الفندق الفاخر شيده أحد المعمرين الفرنسيين، لافتا إلى أن الروايات القديمة كانت تقول بأن المنطقة والجبال التي كانت تحيط بها كانت تعج بالأسود والقردة، وهي أصول تسمية شاطئين صخريين بميرامار بوادي الأسود والقردة، بحسب قوله.
ولم يتبق من ذلك الفندق والمطعم اللذان كانا مشيدين قبالة الشاطئ سوى آثار قديمة وأرضيته المتآكلة، حيث نصب فوقه الآن مطعم شيد بالطوب والقصدير وهو المرفق الوحيد الموجود بالمنطقة والتي يضطر المصطافون إلى اقتناء حاجياتهم منها، حيث يؤكد صاحب المطعم وهو شاب من السكان الأصليين للمنطقة، بأن المكان وعلى الرغم من قلة تواجد عناصر الأمن به، إلا انه لا يزال يشكل مصدر ثقة وآمان لدى المصطافين، حيث ان العائلات بحسبه تترد على المكان على طول أيام السنة وفي ساعة متأخرة من الليل في فصل الصيف، بعد أن وفرت البلدية الإنارة على طول الجسر، كما ذكر بأنه لا يوجد مستثمر زار المنطقة أو فكر في تعميرها ، لتعويض ما خربته سنوات الإهمال وإنشاء مرفق يليق بسمعة وجمال الشاطئ بحسب قوله.
ويقول عمي محمد البالغ من العمر 75 سنة، بأنه ولد بسطورة وكان يذكر أيام مراهقته وشبابه بالشاطئ، الذي  كان ينعم بحسبه بالأمان والجمال  كما يحتفظ بذاكرته بصورة المرافق التي كان يحتوي عليها في السنوات الأولى بعد الاستقلال، كما قال بأنه يذكر بأنها انهارت في سنة  1968، قبل أن يشير بأنه أصبح يتحسر و يقول بأنه لو عاش تلك الحقبة من الزمن فقط، قبل أن يرى بأم عينه ما آل إليه المكان الذي كان عبارة عن جنة فوق الأرض، من إهمال و تشوية لصورته الجمالية، بحسب تعبيره.
انهيارات صخرية وجسر يتهاوى
ويعرف شاطئ مير مار، رغم أنه يعد المقصد رقم واحد للمصطافين،حالة من الإهمال والتسيب، إذ أن الجسر المؤدي إليه يكاد  ينهار في كثير من أجزائه، بسبب تزايد عدد الإنهيارات الصخرية، حيث يؤكد سكان المنطقة بأنهم قاموا بإصلاحه بأنفسهم في أكثر من مرة، كانت آخرها تلك التي حصلت قبل أسابيع قليلة، أين اضطروا إلى تحطيم الصخرة التي خربت جزءا منه، باستعمال وسائل تقليدية جدا ودامت العملية بحسبهم لأزيد من ثماني ساعات، حيث لاحظنا بأن الجزء المثقوب تم سده بواسطة ألواح خشبية.
ويطالب المصطافون، الذين تحدثت إليهم النصر بضرورة برمجة مشروع فوري لإنجاز جسر جديد، كون القديم أصبح غير قادر على الصمود أكثر، إذ أن تاريخ إنجازه يعود إلى الحقبة الإستعمارية، كما أن آخر عملية صيانة أنجزت قبل أزيد من عقدين من الزمن، كما أجمع أغلب من سألناهم عن وضعية الشاطئ ، بأن نقص المرافق وضعف الخدمات وكذا ونقص الأمن في بعض الأحيان، تعد من النقاط السوداء التي عجزت السلطات الولائية عن معالجتها، وإيجاد حلول جذرية لها.
و اشتكى  المصطافون أيضا من قلة  أعوان التدخل وحراس الشواطئ، حيث يؤكد صاحب المطعم الوحيد، بأنه يتولى رفقة أصدقائه ممن يتقنون السباحة إنقاذ الغرقى، وقال بأنهم أنقذوا ما لا يقل  عن 60 مصطافا من موت محقق، كما اشتكى محدثونا من ظاهرة رمي الأوساخ بكل مكان، و انعدام الوعي و الثقافة البيئية لدى الكثيرين، وهو ما تسبب في تشويه المنظر العام للشاطئ الفضي وهو اللقب الذي أطلقه بعض المصطافين على المكان لشدة بياض رماله التي تتوسط صخرتين كبيرتين، وتتحتضن المياه الزرقاء وكأنها تقول بأنها لا تزال صامدة ومحتفظة بعذرتيها الطبيعية رغم إهمال البشر وقساوة الزمن.

الرجوع إلى الأعلى