متطوّعون يُحيون جبل سيدي مسيد و نصب الأموات بقسنطينة
نجح أعضاء صفحة «قسنطينة مدينتي» على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» في جمع شمل مختلف فئات المجتمع القسنطيني، من أجل المساهمة في الحفاظ على البيئة و المنظر العام للمدينة، و ذلك من خلال تنظيم مبادرات تطوعية لتنظيف و تشجير بعض أهم المعالم، التي طالها الإهمال و عبثت بها اللامبالاة لسنوات طويلة، قبل أن تستعيد جمالها و مكانتها بفضل متطوعين سخروا مئات الساعات من الجهد و الوقت في سبيل ذلك، و آخر مثال هو جبل سيدي مسيد و نصب الأموات بأعالي الجزء الشمالي للمدينة.
الصفحة التي تأسست سنة 2011، بات اليوم يتابعها قرابة 40 ألف شخص عبر «الفايسبوك»، غالبيتهم على مستوى ولاية قسنطينة، و عدد كبير منهم من مدن أخرى، فيما يصل عدد المتابعين من خارج الجزائر لأكثر من 6 ألاف شخص، حيث أن النشاط الأساسي للصفحة يتمثل في الترويج لمعالم مدينة قسنطينة، و كذا تشجيع المواطنين على المشاركة في مبادرات تطوعية لتنظيف هذه المعالم و إعادة بريقها الضائع، ما جلب إليها اهتمام المعجبين و المتطوعين.
غرس ألف شجيرة و رفع مخلفات عقود من القمامة
و قام أوفياء الصفحة المقدر عددهم بحوالي 15 عضوا دائم المشاركة و الحضور، بتنظيم حملة تنظيف و إزالة للأعشاب الضارة و كذا تشجير لجبل سيدي مسيد و نصب الأموات، الواقع أعلى المستشفى الجامعي ابن باديس، و الذي يعد أحد أهم المعالم بالمدينة، غير أنه بقي لوقت طويل مهملا و تحول إلى مكان تنتشر به القمامة، و يخشى القسنطينيون التوجه إليه نظرا لنقص الأمن.
و أكد رياض بن عريبة و هو منسق صفحة «قسنطينة مدينتي» أن الهدف من اختيار هذا الموقع هو استعادة مكانته الضائعة منذ أكثر من 20 سنة، فالمكان المسمى بـ «العرقوبة» على حد تأكيده، كان يمثل رئة الجزء الشمالي للمدينة، غير أنه فقد غطائه النباتي بفعل الحرائق و الإهمال، كما تحول إلى مكان سيء السمعة في أذهان القسنطينيين.
و قد بدأ العمل منذ شهر سبتمبر الماضي، تزامنا مع اليوم العالمي لحماية طبقة الأوزون، و ذلك بمشاركة الأعضاء الأوفياء للصفحة و عشرات المتطوعين، حيث خصص يوما الجمعة و الخميس للعمل على هذه المبادرة، و تمت إزالة الأعشاب و بقايا الأشجار و جمع كميات كبيرة من القمامة و الردوم و الزجاجات الفارغة و وضعها داخل أكياس، غير أن البلدية لم تتدخل لرفعها سوى بعد نداءات متكررة من أعضاء الصفحة و تدخل مباشر لرئيس البلدية.
و قد تم غرس ألف شجيرة من نوع الصنوبر و الصنوبر الحلبي و السرو، على امتداد مساحة جبل سيدي مسيد، تعويضا لمئات الأشجار التي احترقت و تكسرت على مر السنوات الماضية، و بالموازاة مع ذلك تم تنظيف محيط نصب الأموات و الطريقين المؤديين إليه، خاصة السلالم الممتدة من جسر سيدي مسيد إلى النصب، كما تم إصلاح الإنارة العمومية بتدخل من مندوبية باب القنطرة، و كذا البالوعات المسدودة منذ أكثر من 20 سنة، بمساهمة مؤسسة «سياكو»، فيما سيتم في مرحلة قادمة غرس نباتات مزهرة و ورود، و يطالب أعضاء الصفحة بمساهمة البلدية بعملية السقي، خاصة في ظل شح الأمطار، مع توفير مراحيض عمومية، لأن زوار المكان لا يجدون مكانا لقضاء الحاجة.
أطفال يشاركون في التنظيف و دعوة لتجاوب السلطات
العملية استمرت لعدة أسابيع و شارك فيها مئات المتطوعين، و قد كشف منسق الصفحة عن العثور على ما يبدو أنها آثار قديمة، و هو مجسم يظهر على أنه جزء من رأس تمثال حجري قديم، يرجح حسب محدثنا أنه قطعة من النصب الواقع بالمكان، و الذي فقد من مكانه قبل مدة طويلة، و الملاحظ هو مشاركة متطوعين من كافة الفئات و الأعمار و من بينهم أطفال، و هو نوع من التحسيس اتجاه هذه الفئة، حسب ما يؤكده منسق الصفحة، و ذلك إلى جانب غرس ثقافة التحضر و الحفاظ على نظافة المحيط، و هو الهدف الأساسي لهذه الصفحة التي تواصل عملها رغم ضعف الإمكانيات و عدم تجاوب الجهات المسؤولة في غالبية الأحيان، حسب المصدر ذاته.
و من بين نشاطات الصفحة أيضا التعريف ببعض أزقة و شوارع قسنطينة القديمة منها على وجه الخصوص، و كذا تلك التي تعرف بأسماء غريبة، كما يتم عرض صور لبعض الأماكن غير النظيفة بالمدينة، و هي رسائل من الصفحة إلى السكان لتنظيم مبادرات و حملات نظافة، على حد تأكيد محدثنا، الذي أوضح بأن الصفحة باتت بمثابة دليل سياحي للسواح و الزوار الأجانب الذين يزورون قسنطينة.
و كانت صفحة «قسنطينة مدينتي» قد ساهمت منذ إنشائها في تنظيم العديد من الحملات، بداية بتنظيف منطقة «الرمبلي» سنة 2011، من خلال جلب آلات و شاحنات و رفع أطنان من القمامة التي تكدست لعقود من الزمن، قبل أن يليها الاحتفال بالذكرى المئوية لإنشاء جسري سيدي مسيد و سيدي راشد سنة 2012، كما نظمت حملة نظافة و تشجير مقابل المستشفى الجامعي و تم غرس عشرات الأشجار على امتداد حي محمد لوصيف، و ذلك من المستشفى وصولا إلى مديرية المجاهدين في 2013، كما نظفت حديقة سوسة أسفل جسر باب القنطرة في رمضان 2014، و عكف أعضاء الصفحة على تنظيم خرجات إلى أسفل وادي الرمال «الريميس»، لمواطنين و طلبة و حتى لسواح أجانب في عدة مناسبات.
عبد الرزاق.م

الرجوع إلى الأعلى