تاقصبت بتيزي وزو مدنية أثرية تنهب أحجارها لأغراض تجارية
تعد مدينة «تاقصبت» الأثرية التابعة لبلدية إيفليسن في دائرة تيقزيرت 39 كلم شمال تيزي وزو، من أقدم و أهم المدن الأثرية في المنطقة، و تمثل إحدى أهم المواقع الأثرية في تيزي وزو التي يقصدها السياح من داخل و خارج الوطن.
 يعود تاريخ إنشائها إلى العهد الفينيقي و هي أقدم مدينة في المنطقة قبل «يومنيوم» التي تسمى حاليا «تيقزيرت» حسبما أكده لنا، السيد قاسي حمداد مختص في علم الآثار و مسؤول متحف الآثار لمدينة تيقزيرت، و تحتل مدينة «تاقصبت» موقعا استراتيجيا هاما فوق ربوة وسط مناظر طبيعية خلابة فريدة من نوعها، فهي تطل على البحر وعلى مدينة تيقزيرت بأكملها، و من أعاليها يستمتع الزائر  بهواء نقي منعش و بسحر الشواطئ الجميلة على غرار فرعون و تسالاست و الشاطئ الكبير، بالإضافة إلى الآثار الرومانية لمدينة تيقزيرت، كما يمتد النظر بعيدا إلى غاية قرية آث آرهونة في دائرة أزفون ليحر بجمال طبيعة القبائل الكبرى.
 مدينة تتعرض للنهب من أبنائها باسم المعتقد
 المنطقة محمية طبيعيا من الجهات الثلاثة و هي الشرق و الغرب و الشمال، بحيث لا يمكن الدخول إليها إلا من الجهة الجنوبية وسط تضاريس وعرة نوعا ما، و قال السيد حمداد أن الرومان أول من استوطن في مدينة تاقصبت قبل أن يحتلها البيزنطيون وقد اختاروها تحديدا لجمال وحصانة موقعها.
و يضيف ذات المسؤول أن ما تبقى من مباني في هذه المدينة الأثرية، عبارة عن بقايا أسوار من المدينة القديمة و الباب الجنوبي وخزانات المياه بالإضافة إلى بقايا الكنيسة البيزنطية و عدد كبير من النصب الرومانية، حيث لا يزال الضريح الملكي  الروماني و ضريح الصومعة الأمازيغي، شامخين يصارعان من أجل البقاء و صامدين أمام العوامل الطبيعية ما يضفي لمسة تاريخية ساحرة على المكان، رغم أن بعض أجزاء الصومعة تأثرت كثيرا خلال زلزال 2003 المدمر، كما أن يد الإنسان طالت المنطقة، إذ يقوم مجهولون بنهب الأحجار التي تحيط بها و استغلالها لأغراض تجارية أو في البناء و هو ما تأسف له السيد حمداد قاسي.
و يضيف محدّثنا أن السكان القدامى في مدينة تاقصبت شيدوا فوق الآثار قرية قبائلية لافتا، إلى أن المنازل التقليدية بالمنطقة تعرضت اليوم للإهمال  بعد هجران أغلب السكان لها كما انهارت أجزاء منها بفعل العوامل الطبيعية و المناخية، و قال بأنها بنيت في مرتفعات و في أماكن وعرة بواسطة الأحجار الأثرية للمدينة و التي تعد بالنسبة للسكان الأوائل الذين عمروا المنطقة ثروة كبيرة  لأنها تغنيهم عن في مواد البناء الأخرى، إذ يعتقدون بأنها مقاومة للعوامل الطبيعية بالإضافة إلى معتقدات أخرى دينية حيث يتبركون بها.
جنة غناء هجرها سكانها بحثا عن التنمية
 وتعتبر المنطقة التي بنيت فيها مدينة تاقصبت، جنة خضراء نظرا لكل ما يحيط بها من مناظر طبيعية تأسر العقول، حيث لا تزال بعض أشجار التين و الرمان و التفاح خضراء تثمر سنويا رغم أنه لا أحد يعتني بها مع ذلك فأن صعوبة المسالك و غياب التمنية دفع بالسكان إلى هجر المكان نحو قرية أخرى تحمل نفس التسمية تقع في الجهة السفلى للمنطقة.
و قد أكد السيد حمداد بأن هنالك مشاكل  عديدة تواجههم كمتحف،فيما يخص الحفاظ على القيمة التراثية لمدينة تاقصبت و ترميم النصب التذكارية و المواقع الأثرية الموجودة بها، فالأراضي المحيطة بالمنطقة تابعة للخواص، كما أن بعض المساكن لا تزال آهلة بالسكان رغم صعوبة العيش في المنطقة.
مع ذلك يأمل محدثنا، أن يُنجز بالمنطقة متحف و حديقة و منتزه لجذب السياح، لعرض الآثار التي تزخر بها المدينة و حمايتها من السرقة، معتبرا أن كل ما يضيع من الآثار  بسبب الإهمال هو بمثابة طمس للتاريخ.
مقترح بإقامة متحف لحماية الآثار من السرقة و تشجيع السياحة
المختص في الآثار، تقدم باقتراح إلى السلطات المحلية لترميم الطريق المؤدي إلى المدينة، و تجديد كل البيوت التقليدية الموجودة بها و التي تحولت مع مرور الوقت إلى أطلال، مؤكدا بأن تلك السكنات يمكنا أن تبقى ملكا لأصحابها وفق دفتر شروط يفرض عليهم عدم التغيير من طابعها، مع شريطة استغلالها في السياحة و التجارة و الصناعات التقليدية و المطاعم، أو تحويلها لأماكن يبيت فيها السياح، وذلك بهدف إعادة إعمار المدينة الأثرية من جديد و الحفاظ على التراث وتشجيع السياحة في هذه المواقع، خصوصا وأن تاقصبت، كانت في السابق تستقبل وفودا من السياح الأجانب من مختلف بلدان العالم، إلا أن العدد تراجع منذ العشرية السوداء، لكن و مع استتباب الأمن فقد عادت الحياة لتدب فيها من جديد و أصبحت اليوم تستقبل المهتمين بالآثار خاصة الطلبة الجامعيين و المختصين وهو ما يشجع على التفكير في آليات لإعادة بعش الحركية السياحية من جديد.
سامية إخليف

الرجوع إلى الأعلى