قرية كاشو بالأوراس تحتفي بحلول الربيع
ابتهجت قرية كاشو بمنحدرات سفوح وادي الطاقة بجبال الأوراس بحلول فصل الربيع، بعد أن أحيا نهاية الأسبوع المنقضي، سكان بلدية وادي الطاقة الواقعة بمرتفعات الأوراس بالجهة الجنوبية الشرقية لولاية باتنة، احتفالات قدوم الربيع أو ما يعرف بالأمازيغية بتظاهرة ثيفسوين أو ثافسوث، من خلال عادات وتقاليد تعكس التلاحم الاجتماعي والتمسّك بالتراث والهوية الأمازيغية بين سكان المنطقة، وقد احتضنت قرية كاشو وهي القرية التي أخذ منها الفنان المرحوم «كاتشو» تسميته الفنية احتفالات تظاهرة ثيفسوين في أجواء بهيجة.
نداءات لتصنيف القرية النائمة على سفوح الجبال
كان سكان وادي الطاقة هذه السنة سباقون لإحياء تظاهرة ثيفسوين بالأوراس وبعثها بمنطقة كاشو تحديدا بمبادرة من المجلس البلدي وجمعية بوزيزة باعتبار أن موعد إحيائها يكون منتصف شهر مارس في التقويم الأمازيغي، وذكر مرافقنا خلال حضور احتفالات الربيع بقرية كاشو ببلدية وادي الطاقة نائب المير محمد السايب وهو إعلامي سابق بإذاعة باتنة،  بأن المجلس وبالتنسيق مع جمعية بوزيزة بادرا مسبقا عن كافة المناطق لإحياء ثيفسوين، من أجل بعث هذه العادات المترسخة وسط العائلات بإعطائها طابعا جماعيا واجتماعيا ببلدية وادي الطاقة يشارك فيها كافة المواطنين، وقال مرافقنا بأنه تم اختيار قرية كاشو أيضا من أجل إبراز البعد السياحي الذي تتمتع به المنطقة.
 والأكيد بأن الزائر لقرية كاشو سينبهر بجمالها الطبيعي الأخاذ  وستلفت انتباهه لا محالة  تلك المساكن القديمة المشيدة بالحجارة والطين في نسق جمالي يشكل امتدادا لألوان الطبيعية، وهي سكنات مترامية بين مرتفعات جبلية وعلى ضفاف واد يمر بالقرية وتنتشر على ضفافه بساتين التفاح، وتعد تلك السكنات التي أصبحت اليوم جلها مهجور وبعضها يستغل في تربية المواشي مثلما لاحظناه إبداعا خالصا للإنسان الأمازيغي، الذي استطاع من خلال تشييدها التكيف مع الطبيعة باستعمال مواد بناء محلية  وبهندسة جمالية حتى أن بعضها مكون من طابقين أرضي وفوقي وقد صمدت تلك لأزيد من قرن من الدهر.
وقرية كاشو التي استمد منها الفنان المرحوم كاتشو تسميته الفنية ، مثلما استقيناه من بعض العارفين بذلك، تصارع اليوم بناياتها القديمة من أجل البقاء فالقرية الجملية التي تحتضنها سفوح جبال وادي الطاقة والواقعة بمنطقة بوزيزة يسهل اكتشافها فهي ليست ببعيدة المسافة عن الطريق الوطني 03 المار بالمنطقة بحيث يسهل الوصول إليها بمجرد دخول قرية بوزيزة، وقد أوضح نائب المير بأن إحياء ثيفسوين بالقرية هدفه إبراز المؤهلات السياحية الطبيعية للمنطقة من أجل توجيه النداء لتصنيفها ومن ثم الحفاظ عليها خاصة وأن سكناتها القديمة مهددة بالاندثار.
 عندما تمتزج الطبيعة بطقوس احتفالية شاوية
لم يكن الوصول إلى قرية كاشو صعبا خلال تنقلنا انطلاقا من باتنة، فالقرية أنجز  بها مسلك يُسهل الوصول إليها ويفك عنها العزلة  غير أن القرية هي شبه مهجورة لا يقطنها إلا بعض الفلاحين، وعلى غير العادة كانت القرية قد عمرت واكتظت بجموع من المواطنين بمناسبة إحياء ظاهرة ثيفسوين التي تعني قدوم الربيع لدى الشاوية سكان المنطقة.
 ولقد ابتهجت كاشو بهذه المناسبة التي قرر سكان وادي الطاقة إحياءها بالقرية من خلال التقاليد المتجذرة والتي لا يزال يحافظ عليها سكان المنطقة، الذين استجابوا لإحياء التظاهرة هذه السنة جماعيا بعد أن دأب على تنظيم التظاهرة سكان مناطق أخرى على غرار منعة التي تجمع كل سكان الأوراس كل سنة وحتى المواطنين من مختلف الولايات لإحيائها، وقد ارتأ المجلس البلدي لبلدية وادي الطاقة أن يبادر أيضا هذه السنة لإحياء ثيفسوين جماعيا، حيث أوضح نائب المير محمد السايب، بأن البلدية اقتصرت مساهمتها على توفير بعض التجهيزات فحسب، وقال بأن المواطنين هم من ساهموا بأموالهم وإمكانياتهم الخاصة لإحياء التظاهرة.
وقد أقام المنظمون لتظاهرة ثيفسوين بقرية كاشو العديد من المنافسات الرياضية، منها ما هو تقليدي ومتجذر على غرار لعبة “ثاكورث” التي تشبه تماما لعبة الهوكي الأمريكية، وهي لعبة قديمة توارثتها الأجيال حيث يتنافس خلالها فريقان باستخدام عصي في الاستحواذ على كرة عبارة عن كومة عادة ما تكون مصنوعة من جريد النخيل، وكان المتنافسون وهم يرتدون الزي التقليدي القشابية يتهافتون  من أجل نيل الكرة في أجواء من البهجة.
وفي منافسة أخرى تعرف بالشارة والتي تعتمد على استخدام  أسلحة البنادق التي لا تزال تشكل جزءا هاما من شخصية الرجل الأمازيغي بالمنطقة، بحيث أن كثير من العائلات تعتبر امتلاك البندقية شيء ضروري متجذر وموروث عن الأجداد لا يمكن الاستغناء عنه، والشارة هي منافسة يكون البطل فيها من يصيب الهدف بواسطة بندقيته وقد سادت أجواء حماسية وتنافسية بين الشباب الذين تهافتوا لخوض المنافسة.
وقد زاد التظاهرة بهجة أغاني ورقصات فرق الرحابة لجمعية الباندو بأريس، التي لطالما تصنع الفرجة في هذه المناسبات التي تعرف مشاركة المرأة الشاوية، وفي تلك الأجواء البهيجة التي صنعها سكان وادي الطاقة، وما إن حلَ وقت وجبة الغداء حتى راح الحضور ينظمون أنفسهم في جماعات وهم يفترشون الزرابي ذات الألوان البهيجة المتناسقة وألوان الربيع تحت ظلال الشجرة المعروفة بالأمازيغية بتسمية “إيج” التي تشبه شجرة الدردار، وفي تلك الأثناء شرع المنظمون في توزيع الأطباق التقليدية التي يتم طهيها بالمناسبة على غرار طبق الزيراوي والكسكس.
   ربورتاج وتصوير: يـاسين عبوبو             

الرجوع إلى الأعلى