تزخر ولاية أدرار بإمكانيات سياحية هامة، خاصة في مجال السياحة الدينية، حيث تتوفر هذه الولاية على قصور عديدة يمكنها أن تتحول إلى قبلة لملايين السياح من داخل وخارج الوطن، إذا لقيت العناية الكافية و الترويج المستمر لها، ومن أهم هذه المعالم السياحية، القصر القديم بتمنطيط و قصر تماسخت اللذين يضربان بجذورهما في عمق التاريخ الإسلامي.
نورالدين عراب
كانت المعالم المتواجدة بأدرار تشكل إشعاعا علميا ودينيا كبيرا، ولا تزال آثارها الإسلامية التي تعود لأزيد من  10 قرون شاهدة على هذا الإرث الكبير، ورغم أهميتها الكبيرة، إلا أنها مهملة و العديد منها انهارت و طمست معالمها، وأخرى مهددة بالانهيار، و لم تجد هذه المعالم السياحية سوى بعض الجمعيات المهتمة بالسياحة و الآثار للعناية بها و إرشاد السياح إليها، و بالمقابل هناك غياب تام للجهات الرسمية في مجال صيانتها  أو توظيف مرشدين لتوجيه السياح و اطلاعهم على تاريخها، والأغرب أن كنوز المنطقة، وفق مصادر مهتمة بالآثار، غير مصنفة ضمن التراث الثقافي، رغم جذورها التاريخية العميقة التي تعود لقرون طويلة خلت .
وخلال زيارة النصر لولاية أدرار، كانت وجهتنا نحو القصر القديم بتمنطيط الذي يعد أحد المعالم السياحة الهامة، خاصة في ما يخص نمطه العمراني القديم و أزقته الضيقة الجميلة التي تجعل كل زائر يتجول وسطها، يسبح بخياله عبر العصور الإسلامية الأولى.
و تعتبر كلمة تمنطيط، أمازيغية الأصل، و تعني " حاجب العين"، و هو ما يثبت بأن الأمازيغ هم الأوائل الذين استوطنوا المنطقة و تعاقبت عليها قبائل عديدة، ويرجح ،حسب بعض الكتابات الحائطية المتواجدة بالقصر، بأن القبيلة التي تقطنه حاليا يعود تاريخ استيطانها له إلى القرن 11هجري.
الرقم 366 سر مرتبط بحي أولاد داود
في نفس الوقت، فإن عدة مناطق أخرى و تسميات لأحياء بهذا القصر، لا تزال تحمل أسماء أمازيغية مثل حي " أغمر أقبور" التي تعني القصر القديم، و يقسم
القصر القديم بتمنطيط إلى مجموعة من القصور الأخرى، و كل قصر له حكايته وتاريخه والنشاط الذي اشتهر به، منها حي أبو صلاح الذي يتواجد به ضريح الولي الصالح سي بايوسف بن محمد بن موسى الذي يعد من عظماء القرن 7 الهجري، فقد كان صوفيا له ولأسرته شأن بارز في العلوم و السياسة، لهذا تحول قبره إلى مزار للعديد من السياح من داخل الوطن وخارجه، خاصة الأفارقة.
غير بعيد عن حي أبو صلاح، يوجد حي أولاد داود الذي يعد من القصور العريقة، فقد كان مركزا للنشاطات التجارية و الصناعية المختلفة منذ عصور خلت، كما اشتهر بعدة حرف منها الحدادة، صناعة الجلود، الخرازة، صناعة الفضة وغيرها، وحسب أحد سكان القصر، فإن هذه الحرف إلى جانب التجارة كانت مزدهرة هناك، لكنه تحول اليوم إلى زوايا فارغة و لم تبق سوى بعض اللافتات والمعالم التي توثق و تشهد على هذه النشاطات.
أثناء جولتنا بالقصر، صادفنا شيخا قد يكون في عقده السابع، من سكان الحي، فحدثنا عن قصص وحكايات هذا القصر، بعد أن تعذر علينا الحصول على معلومات من الجيل الجديد من سكانه. قال لنا عمي أحمد بأن هناك العديد من الأساطير و الأسرار كانت تروى عن هذا القصر ، مشيرا إلى وجود 366 فوقارة به تعد من الوسائل التقليدية للسقي، إلى جانب 366 محلا لصناعة الأحذية، و366 محلا للحدادة، ويتكرر نفس الرقم مع عدد الحرفيين في مجال صناعة الفضة، كما يتوفر القصر، حسبه، على 366عالما، و كانت المدرسة القرآنية تضم  366 طالبا، وحاولنا الاستفسار منه عن سر هذا الرقم الذي يعد لصيقا بكل شيء في القصر، إلا أن محدثنا عجز عن تقديم تفسير لذلك، وقال بأن المختصين في الآثار والتاريخ يمكنهم تفسير هذا المعنى، و في ظل غياب مرشدين ومختصين في الآثار بالقصر، لم نتمكن من إيجاد تفسير لتكرار الرقم 366 .
الاسمنت يغزو القصر و العديد من معالمه مهددة بالزوال
حالة الإهمال واللامبالاة التي يشهدها قصر تمنطيط يظهر جليا لكل زائر من خلال المباني المتهاوية  و المهجورة، وفي نفس الوقت فإن هذا القصر مهدد بتغيير نمطه العمراني، بعد أن لجأ عدد من السكان إلى هدم البنايات المشيدة بالطوب الأحمر ذات الشكل الجميل و الأصيل، و تعويضها بأخرى إسمنتية شوهت الطابع العمراني القديم لهذا القصر التاريخي العتيق .
أحد السكان قال لنا بأن هذا القصر يضم حوالي 400 عائلة، والعديد من البنايات أصبحت قديمة و لم تخضع للترميم، ولهذا لجأ أصحابها إلى هدمها و بناء سكنات جديدة باستعمال الإسمنت، مما شوه صورة القصر الذي أصبح يزاوج بين الاسمنت والبنايات الطوبية الحمراء، ومن أهم المعالم التي تغير نمطها العمراني الأصلي أحد المساجد الذي يتوسط القصر، حيث أعيد بناؤه بطريقة لم يحترم فيها طابعه العمراني القديم ، مما شوه صورة القصر، و نفس الشيء ينطبق على العديد من المباني الأخرى، واقع جعل العديد من المواطنين يناشدون السلطات لحماية هذا القصر من التغييرات التي تمس معالمه والحفاظ عليه حتى لا يفقد خصائصه الأثرية و يظل يستقطب السياح.
3500 مخطوط بمكتبة زاوية سيدي البكري عمرها  04 قرون
من المعالم الأثرية الدينية التي تتواجد بالقصر القديم بتمنطيط، مكتبة زاوية سيدي البكري التي تضم حسب أحد المشرفين عليها 3500 مخطوط، صمد منها  2000 مخطوط و البقية وزعت على أسرة الشيخ البكري، و العديد من هذه المخطوطات تعود إلى القرن الثالث الهجري، منها نسخة من صحيح البخاري، والعديد من الكتب والمجلدات الأخرى القيمة، كما أن بعض هذه المخطوطات تحمل ختم صاحبها و توثق تاريخها بحبر محلي، حيث تحمل سنة تدوينها وكذا اليوم والساعة، وبعض تلك  التواريخ تعود إلى القرن الرابع الهجري.
و يذكر في هذا السياق المشرف على المكتبة، بأن الشيخ سيدي البكري بن عبد الكريم، أسس مدرسة قرآنية بالمنطقة تحولت إلى منارة للعلم و تحفيظ القرآن الكريم وتخرج منها مئات الطلبة والعلماء، لهذا تشتهر منطقة تمنطيط بأنها مدينة العلم والعلماء والقضاء، نظرا للدور الكبير الذي أدته المدرسة القرآنية للشيخ البكري في التعليم والتعلم.
قصر تماسخت معلم سياحي هام شبه مهجور
يعد قصر تماسخت هو الآخر، أحد المعالم السياحية الهامة بولاية أدرار، و يتميز بطابع عمراني مميز، ويضم عدة آثار إسلامية تعود إلى عدة قرون خلت، لكنه يعاني أيضا من الإهمال و اندثرت العديد من معالمه و شوهت صورته، وفي هذا السياق يذكر لنا مرشد سياحي متطوع وعضو جمعية الأمل لترقية السياحة وحماية الآثار، بأن منطقة تماسخت كانت تسمى "الخامسة"، كونها كانت تضم 05 قصور، لكن بسبب فيضانات الوديان اندثرت 04 قصور و بقي قصر واحد، وهو قصر القصبة أو المنبع الذي تتدفق منه المياه.
وذكر المتحدث بأن أصل تسمية تماسخت، تعود إلى الحاكم الذي كان يحكم المنطقة والمعروف بالشهامة والشجاعة، مضيفا بأن أصل الكلمة أمازيغي، وتعني المدخل الوحيد للقصر، كما يتواجد بهذا القصر ضريح الولي الصالح سيدي أحمد بن صالح الذي تنظم له "وعدة" بتاريخ 4 فيفري من كل سنة، مشيرا إلى أن انتشار الدعوة المحمدية بالمناطق الجنوبية، كان عن طريق القوافل التجارية أو عن طريق الأولياء الصالحين.
و لا تزال عدة معالم قائمة وتحكي قصص هذا القصر، و منها البئر الذي يتوسط القصر وعمقه 75مترا، حيث كان يزود السكان بمياه الشرب، إلى جانب محل للحلاقة، دار الشيخ، مكان البراح، أبراج المراقبة، والسوق، بالإضافة إلى المقبرة التي لا يزال يدفن فيها  الأموات إلى يومنا هذا.
 وتحكي معالم المسجد فصولا طويلة للتاريخ الإسلامي بالمنطقة، حيث أشار المتحدث إلى أن هذا المسجد بني مع الفتوحات الإسلامية ويضم 05 أقواس ترمز إلى قواعد الإسلام الخمس، ونظرا لغياب الوسائل التكنولوجية كمكبر الصوت أو الإنارة في تلك الحقبة الغابرة، اعتمد مشيدو المسجد على طرق بدائية لإسماع صوت الآذان للسكان، وتوفير الإنارة الطبيعية ، حيث توجد بإحدى زوايا المسجد ثقوب لسماع الآذان خارج القصر، كما تتواجد خلف المنبر نوافذ صغيرة للإنارة.
و قد اكتشف سكان القصر مغارة تعد من بين أسراره التي اختلفوا في تفسير تواجدها داخل القصر، حيث قال البعض بأنها طبيعية من صنع الخالق، و فسر آخرون تواجدها بتدفق المياه نتيجة الأمطار الغزيرة، أما التفسير الثالث فمفاده أنها حفرت بيد الإنسان كما حفرت الآبار، والرأي الأرجح، حسب المرشد فضيل محمد، هو أنها من صنع الخالق،  كما ذكر  نفس المتحدث بأن المغارة باردة صيفا و دافئة شتاء، والدخول إليها يتم عن طريق نفق مظلم.
و أضاف أن السكان كانوا يلجئون إلى هذه المغارة في الحروب والمعارك للمبيت فيها، و تميل جدرانها للون الأسود، بسبب استخدامها من طرف السكان للطهي، و  تطوع المرشد السياحي بتثبيت مصباح داخل النفق المظلم المؤدي إليها،  حتى يتسنى للسياح زيارتها. و شدد المتحدث بأن القصر مهدد بالانهيار، نظرا لعدم العناية به وعدم خضوعه لعمليات ترميم، كما أنه لم يصنف ضمن التراث الثقافي للمنطقة.
 من أجل استقطاب السياح و توفير مرافق الاستقبال، لجأ أحد المستثمرين الخواص إلى بناء مركب سياحي بمحاذاة القصر، لكن الملاحظ أنه بني بطريقة غير متناسقة مع الطابع العمراني لهذا القصر، وهذا ما أدى إلى تشويه صورة العمران بالمنطقة.
وأضاف مرافقنا فضيل محمد بأنه أودع ملفا استثماريا لدى السلطات المحلية،  من أجل الترخيص له بانجاز مرفق سياحي آخر بمدخل القصر، يتماشى و نمطه العمراني الخاص، لكن هذا المشروع لا يزال يراوح مكانه بسبب عراقيل إدارية، و يناشد المتحدث السلطات العليا عبر النصر، بالاهتمام بقصر تماسخت و ترميمه والترويج للسياحة بأدرار ، خاصة السياحة الدينية الداخلية أو الخارجية من إفريقيا و الدول الإسلامية.   
ن ع



الرجوع إلى الأعلى