هكــذا اجتـــازت الجــزائــر سنـــوات الـدم و الدمـــوع
تحل هذا السبت الذكرى الثالثة عشر لإقرار ميثاق السلم و المصالحة الوطنية الذي التف الشعب الجزائري حول مشروعه وتبناه في استفتاء شعبي بنسبة فاقت الـ97 بالمئة في الـ 29 سبتمبر من العام 2005، واضعا بذلك حدا لسنوات الإرهاب والدم، وفاتحا الأبواب أمام الذين ضلوا السبيل كي يعودوا إلى الحياة العادية.
فقبل 13 سنة المنقضية، لم يكن ممكناً للجزائريين السفر ليلاً بين المدن، ولم تكن الحركة تدب في الكثير من مناطق البلاد حين يحل الليل، حيث كان للموت أعين ورصاصات تقتل في كل اتجاه، وكانت الأزمة الأمنية قد أثخنت بلادنا، وبلغ عدد ضحاياها عشرات الآلاف، وأثقل كاهلها آثار وخيمة قصمت ظهرها اقتصاديا وخرقت نسيجها المجتمعي، لكن إقرار قانون المصالحة الوطنية، من طرف رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، والذي جاء تتويجا وتطويرا لقانون الوئام المدني، الصادر عام 1999، الذي فتح المجال للجزائر لفك طلاسم أغلب الملفات المتعلقة بالأزمة الأمنية.
فقد جاء قانون ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بتدابير وأحكام قانونية سمحت للإرهابيين الذين لم يستغلوا فرصة قانوني الرحمة والوئام المدني من الاستفادة من العفو مجددا، والنزول من الجبال والاندماج من جديد في الحياة الاجتماعية.
وبالعودة للتسلسل التاريخي لمسار هذا المشروع الهام، فقد تم تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بوصفه قانونا بداية من 28 فيفري 2006، ويتضمن الميثاق تدابير عدة أهمها العفو عن الذين سلموا أسلحتهم وتخلوا عن جريمة الإرهاب، باستثناء أولئك الذين تورطوا في المجازر وجرائم الاغتصاب و القتل الجماعي ووضع المتفجرات في الساحات والأماكن العمومية والمنشآت، و العفو أيضا عن الذين حكم عليهم غيابيا شريطة أن لا يعودوا إلى العمل الإرهابي.
 كما تضمن ذات القانون أيضا جملة من الإجراءات الخاصة بالتعويضات المالية لأسر الضحايا، ويخضع تقدير هذه الأمور للسلطة التنفيذية في البلاد، وبموجب التدابير التي جاء بها هذا الميثاق تمكن المئات ممن تخلفوا عن العودة إلى جادة الصواب من الاستفادة من تدابير التوبة وعادوا إلى أسرهم، كما تم إطلاق العديد من المساجين السياسيين، في إجراءات لقيت ترحيبا كبيرا من طرف شرائح واسعة من الشعب الجزائري.
 وقد شرعت الجهات المختصة في تنفيذ بنود ميثاق السلم والمصالحة الوطنية في الاتجاه الذي يخدم فعلا المصالحة بين الجزائريين من خلال إعطاء الحق لكل من له ذلك في الميثاق، مثل التعويض وإعادة الإدماج في مناصب العمل السابقة وغيرها، وهو ما أدى إلى تناقص الإرهاب في عموم البلاد إلى درجة كبيرة رغم بقاء بعض المجموعات الإرهابية في الجبال رافضة النزول.
 ويجمع أغلب الملاحظين بأن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، يشكل مرحلة مفصلية في تاريخ الجزائر المعاصرة، و حدا فاصلا بين عشرية الدماء والدموع التي ميزت سنوات التسعينيات، وبين المرحلة التي تلته والتي اتسمت بالعودة التدريجية إلى الحياة الطبيعية على كل المستويات، وقد ظهر ذلك على وجه الخصوص في استتباب الأمن شيئا فشيئا ومن عام لآخر، وعودة السلم والاستقرار، وعودة التنمية إلى قطاعات الدولة.
 وكان ميثاق السلم والمصالحة الوطنية أيضا علامة فارقة على هزيمة الإرهاب الهمجي الذي ضرب البلاد طيلة أكثر من عشرية كاملة، وقد هزم الإرهاب بفضل التحام الشعب الجزائري في كل مراحله، وبفضل تصويته الكبير الواضح لصالح ميثاق السلم والمصالحة، إذ بعد السلاح هزم الشعب الإرهاب عن طريق السلم أيضا.
وفتحت تزكية الميثاق صفحة جديدة في تاريخ الجزائر سمحت على وجه الخصوص باستعادة الأمن والسلم وتوجيه القوى والجهد نحو البناء والتشييد، واستدراك ما فات خلال مرحلة المأساة الوطنية التي تميزت أيضا بتخريب كبير وفظيع للاقتصاد الوطني والبنية التحتية الوطنية.
وعلى الرغم من مواصلة الدولة مكافحتها لبقايا الإرهابيين والقضاء عليهم في كل مرة إلا أن ذراعيها بقيت مفتوحة لمن يفكرون في التوبة والعودة إلى جادة الصواب، وعليه جاءت المصالحة الوطنية التي رسخها ميثاق السلم كمشروع وطني شامل ومتجدد، ولم تغلق الآفاق في وجه كل من يريد العودة إلى الصواب.
الحاصل أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية خدم على مدى 13 سنة مشروعا اجتماعيا شاملا يتمثل في المصالحة الوطنية بين الجزائريين بشكل تدريجي من خلال معالجة أوضاع فئات معينة الواحدة تلو الأخرى، ما مكن من أن تصبح  الجزائر في طليعة البلدان الأكثر أمنا ونموذجا في ترسيخ قيم التسامح والعيش معا.
 عبد الحكيم أسابع

الرجوع إلى الأعلى