أوضح الأستاذ بوزيد بومدين الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى، نهاية الأسبوع المنصرم، أن طرح رئيس الجمهورية من أجل إيجاد صيغة قانونية للتصدي لخطاب الكراهية، ليس المقصود به الكراهية كعاطفة عادية موجودة في مشاعر الإنسان مثلها مثل الحب، ولكن المقصود هو الكراهية التي تحولت لسلعة ونمط اجتماعي وسلوك جماعي، والكذب وفق المتحدث هو من تجليات هذه الكراهية واستذكر الأستاذ بوزيد في هذا الصدد مقولة «إذا أردنا الانتصار على الكذب، يجب توسيع مساحة الصدق، وإذا أردنا الانتصار على الكراهية، يجب توسيع مساحة الكرامة».
دعا الأستاذ بومدين بوزيد الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى، نهاية الأسبوع المنصرم في محاضرته يوم الخميس المنصرم خلال ملتقى نظمته الجمعية الجزائرية للباحثين في علوم الإعلام والاتصال بفندق الزهور في مستغانم بعنوان «الأخبار الكاذبة، سياقات الإنتاج والتلقي على منصات التواصل الاجتماعي»، لإعادة النظر في البرنامج الدراسي التربوي الذي قال إنه عجز أن يكون برنامجا توجيهيا أخلاقيا، لأن المجتمع الجزائري يعيش حاليا مشكلا في القيم والأخلاق تجسدت في الصراع حول الهوية بسبب الإخفاق المسجل في البرامج التربوية وكذا في الخطاب المسجدي الذي يستطيع أن يؤثر إيجابيا ويوجه المجتمع نحو نبذ الكذب والكراهية، مشيرا أنه يوجد 20 ألف مسجد عبر الوطن بإمكانه قهر الكذب بخطاب صادق وقوي، وبالتالي يمكن أن يعوض 20 ألف جريدة و20 ألف موقع إلكتروني وغيرها، وهذا بلعب دوره المتميز في إعادة بناء أخلاقيات المجتمع الجزائري وفق الأستاذ بوزيد، مشيرا إلى وجود أزمتين في بلادنا، أولاها الفراغات القانونية في الكثير من المجالات والثانية هي أنه بدل أن تكون النخب هي الموجهة للرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح العكس هو الصحيح أي وسائل التواصل هي التي توجه النخب وتوجه وسائل الإعلام التقليدية رغم خبرتها، فالمثقف أصبح يبحث عن عدد الاعجابات بمنشوراته ولا يبحث عن الحقيقة،  مبرزا في ذات السياق، أن المجتمع الجزائري مهدد بهزات في النسيج الاجتماعي بسبب الجيوش الإلكترونية غير محددة الملامح والتي تلحق الضرر بمجتمعنا، وهذا حسب المحاضر لا يمكن مواجهته قانونيا فقط بل يتطلب معالجة الفراغات على المستوى الأخلاقي والديني والقيم، فالكذب ليس حالة عاطفية عادية بل هي مخططات جيش يهدد كيان أمة، مركزا على أن الكذب هو مشكل أخلاقي  في الأمم ونسبته في الأخبار غالبا ما تحمل في طياتها صراعا حول الهوية أي العرق أو اللغة وحتى الدين، و تنامت هذه الصراعات في المجتمعات العربية بعد ما سمي بالربيع العربي، وأصبحت الجهات المنتجة له تصنع وعيا مقولبا وفق أغراضها المختلفة ومنها ذكر الأستاذ بوزيد ظاهرة «الحرقة» التي قال إنها جاءت نتيجة الكذب الذي يصنع وراء البحر على أساس أن الضفة الشمالية للمتوسط هي الجنة، منبها في الوقت نفسه إلى أنه من الخطأ الاعتقاد أن الشاب الجزائري يهاجر في قوارب الموت من أجل «الخبزة» بل هو يبحث عن نمط معيشي جديد في الحياة هو غائب اليوم في الأحياء والمدن في بلادنا وحتى من تم تجنيدهم في صفوف داعش خلال السنوات الماضية، تمت العملية عن طريق الكذب عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأضاف المحاضر أن الكذب اليوم في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بلغ حد الافتراء وإلحاق الضرر بالآخرين وأصبح يشكل خطورة، حيث لم يعد فقط عبارة أو جملة بل أصبح صورة وإخراجا فنيا بهويات وصورة مجهولة.
كما تناول المحاضرون في الملتقى مسألة الأخبار الكاذبة «fake news»، ومنها أن الاتصال بتعريفه الحديث «هو حالة عقلية للاختراق والاستغلال» أصبح قوة في العديد من الدول يضاهي القوة العسكرية، حسب الدكتور بن طرمول عبد العزيز الذي أفاد أنه في ظل هذا التطور التكنولوجي وعدم القدرة على التحكم في منشورات وسائل الاتصال الاجتماعي، أصبح ضعف الدول يقاس بضعفها في ضبط إستراتيجية اتصالية قوية تواجه بها الوضع وتستثمر في التكوين من أجل خلق وعي مواطني ووطني خاصة لدى الصحفيين حتى لا ينساقوا وراء الأخبار الكاذبة التي تنشرها منصات التواصل ويجعلونها مادتهم الإعلامية وهذا ما يهدد الاستقرار الوطني، بينما قال الدكتور فلاق شبرة صالح أن عملية الإخبار أصبحت متاحة للجميع عبر شبكات التواصل الاجتماعي ولكن خلقت عبثية أقوى وأدخلت الجميع في همجية وأمية جديدة، بعدما كان الجميع يظن أنهم تخلصوا من هيمنة وسائل الإعلام التقليدية و ضغوطات رجال الأعمال والمال على المخرجات الإخبارية، حيث أصبح المستخدمون عاطفيين أمام شاشاتهم أكثر منهم عقلانيين وتعطلت عندهم آليات العقل النقدي، وهذا بتوغل الأخبار الكاذبة للمربعات المظلمة في العقل وأصبحت تشكل الحقيقة، مشيرا أن دراسة فرنسية أكدت أن 6 من 10 من متصفحي شبكات التواصل الاجتماعي، ينشرون المحتوى دون الإطلاع عليه ولكن فقط من خلال عنوانه، وتطرق المحاضر لنماذج عن إجراءات بادرت بها عدة دول  منها الردعية العقابية ومنها  التوعوية لمنع تداول الأخبار الكاذبة والترويج لها إعلاميا، بينما في الجزائر مازالت المبادرات محتشمة يقوم بها مختصون مثل الدكتور بوعمامة العربي الذي يحاربها أكاديميا و ناشطون عبر منصات التواصل يحاربونها من خلال صفحات تصحح وتنفي الأخبار الكاذبة المتداولة، ووسط هذا المزيج، دعت الأستاذة رقاد حليمة لأخلقة العمل الإعلامي وتكوين الصحفيين من أجل منحهم القدرة على تفادي الأخبار الكاذبة والتحقق من منشورات منصات التواصل الاجتماعي، وأعقب المداخلات نقاش ثري مع الحاضرين خاصة الطلبة.
 بن ودان خيرة

الرجوع إلى الأعلى