أكدت الأستاذة نجلاء سعداوي عضو مجلس النواب التونسي أن البرلمان حرص على وضع ضمانات قانونية وإجرائية أثناء سن قانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال الذي صادق عليه مؤخرا ليحول دون تغول الدولة على حساب حقوق الإنسان الفردية وحرياته العامة، وكشفت عضو لجنة التشريع العام بالبرلمان أن هذا القانون أخذ قسطا كبيرا من النقاش نظرا لحساسيته وخطورة الظرف الذي جاء وأفادت أنه وبرغم العقوبات الصارمة المنصوص عليها لمجابهة الظاهرة إلا أن ذلك لم يحل دون الحرص على الانسجام والاتفاقيات الدولية والاستفادة من بعض التجارب القطرية
 ومنها التجربة الجزائرية.
صادق مجلس النواب التونسي على قانون مكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، ما الخطوط العريضة لهذا القانون؟
إن الخطوط العريض لهذا القانون تتلخص في تعريف واضح للجريمة الإرهابية وجريمة غسل الأموال، وتشديد نوعا ما في العقوبات المسلطة على ارتكاب هذه الجرائم وتدعيم ضمان المحاكمة العادلة للمتهم، والحرص على احترام حريات وحقوق وحرمة الانسان.
سبق للبرلمان التونسي أن صادق سنة 2003 على قانون لمكافحة الإرهاب وظل ساري المفعول ما الجديد الذي يميز القانون الحالي عن سابق؟
الجديد الذي يميز القانون الحالي عن السابق أنه عمد إلى تعريف الجريمة الإرهابية وأحدث هيكلا قضائيا خاصا بالنظر في الجرائم الإرهابية، وزاد في تنظيم عمليات البحث الأولي بالنسبة للمتهم وتنظيم عملية الاختراق ومدته واجراءاته وتمتيع المخترق بالحماية اللازمة وحماية عائلته وتنظيم عملية اعتراض الاتصالات ومدته واجراءاته كي لا يكون فيه خرق للحريات الأساسية للأشخاص، وزاد في حماية قوات الأمن والجيش الوطني حين ممارستهم لمهامهم، وقنن عملية التعويض وضبطها بالنسبة لأهالي ضحايا العملية الإرهابية، قرر تكفل الدولة بالتعويض للأمنيين والعسكريين واهاليهم اثر حدوث عملية إرهابية، كما أنه جرم التكفير أو الدعوة إليه او التحريض على الكراهية أو التباغض بين الأجناس والأديان والمذاهب أو الدعوة اليها.

استفدنا من تجربة الجزائر في سن قانون مكافحة الإرهاب


يتخوف الكثير من الملاحظين من تغول الدولة على حساب المواطن وحقوق الإنسان في ظل هذا القانون والعودة مجددا إلى الاستبداد إلى أي حد وضع هذا القانون ضمانات قانونية وآليات إجرائية للحيلولة دون ذلك؟
لا وجود لأي تخوف من تغول الدولة أو العودة إلى الاستبداد لأن هناك من الضمانات القانونية والإجرائية ما يحول دون ذلك، ومنها على سبيل المثال ضمانات المحاكمة العادلة بالنسبة للمتهم كالمثول أمام جهة قضائية مختصة في مجال قانون الارهاب وذلك بأنه تم احداث قطب قضائي لمكافحة الارهاب يتعهد بالجرائم الارهابية المنصوص عليها بهذا القانون. يتكون هذا القطب من ممثلين للنيابة العمومية وقضاة تحقيق وقضاة بدوائر الاتهام وقضاة بالدوائر الجنائية والجناحية بالطورين الابتدائي والاستئنافي ويقع اختيارهم حسب تكوينهم وخبراتهم في القضايا المتعلقة بالجرائم الارهابية. ( الفصل 40 من القانون). وضمانات بالنسبة لعملية اعتراض الاتصالات فلا تكون إلا بقرار كتابي معلل من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق ولمدة محددة وهي 4 اشهر يمكن التمديد فيها لمرة واحدة ولنفس المدة بمقتضى قرار معلل أيضا.( فصل 54 من القانون) وعملية الاختراق تكون بمقتضى قرار كتابي ومعلل من وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق وتحت رقابته ولمدة 4 أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة ولنفس المدة بقرار معلل أيضا علما وانه يمكن الرجوع في القرار المنصوص عليه بالفصل. ( فصل 57 من القانون). وفي المراقبة السمعية البصرية وفي الحالات التي تقتضيها ضرورة البحث التي تمكن وكيل الجمهورية من أن يأذن بموجب قرار كتابي ومعلل لمأموري الضابطة العدلية المكلفين بمعاينة الجرائم الارهابية المنصوص عليها بالقانون  بوضع عدة تقنية بالأغراض الشخصية لذوي الشبهة أو بأماكن أو محلات أو عربات خاصة او عمومية بغاية التقاط وتثبيت ونقل وتسجيل كلامهم وصورهم بصفة سريعة وتحديد اماكنهم. لكن هذه العملية «المراقبة السمعية البصرية» لا يمكن أن تتجاوز الشهرين بداية من تاريخ القرار المذكور وتكون قابلة للتمديد لمرة واحدة ولنفس المدة بمقتضى قرار معلل. كما تجوز الاشارة الى انه يمكن في اي وقت الرجوع في القرار المنصوص عليه بهذا الفصل.( فصل 61 من القانون).

قانون مكافحة الإرهاب جرم التكفير أو الدعوة إليه أو التحريض على الكراهية أو التباغض بين الأجناس والأديان والمذاهب أو الدعوة إليها.


لقد صادقت تونس مند بداية التسعينيات على مجموعة من الاتفاقيات الدولية حول ظاهرة الإرهاب، إلى أي حد التزم البرلمان التونسي بمضمون هذه الاتفاقيات في تعريف الإرهاب وآليات مكافحته؟
تم الالتزام بالاتفاقيات الدولية وبالقوانين المقارنة أيضا بخصوص تعريف الارهاب بل وطورنا في ذلك فكان التعريف شاملا عبر الحالات والاثار للعملية الارهابية.( فصل 13 و 14 من القانون).
هل استفدتم من بعض قوانين الدول العربية ومنها الجزائر في سن هذا القانون؟
أكيد جدا أننا استفدنا من القوانين المقارنة منها خاصة القانون الجزائري والفرنسي والمغربي وذلك في العديد من المستويات في التعريف وطرق التحري والعقوبات وطرق التعويض لضحايا الحوادث الارهابية.
لاحظ المتتبعون لأشغال مناقشة هذا القانون كثرة الرجوع إلى ما سمي بلجنة التوافقات داخل الغرف المغلقة ألا يشكل هذا الإجراء تقييدا لحرية النائب في التعبير عن رأيه ويحول المداخلات إلى مناقشات شكلية مادام مواد القانون مفصول فيها مسبقا؟
لجنة التوافقات كانت أساسا بخصوص مطالب تعديل فصول المقدمة من قبل النواب. هذه اللجنة لا تشكل تقييدا لحرية النائب بل مزيد توضيح للرؤية بين جميع الكتل النيابية بخصوص التعديلات المقترحة ومزيد ايجاد حلول توافقية في الأخذ بتعديل ما أو سحبه وامكانية تقديم الوزير (وزير العدل) لمطلب تعديل شفاهي في الجلسة كي تتضح الصورة مسبقا ومناقشة هذا التعديل. واللجوء أو التكثيف من الرجوع إلى لجنة التوافقات (المتكونة من رؤساء الكتل واعضاء لجنة التشريع العام ووزير العدل ومستشاريه مع امكانية توسيعها لحضور بعض النواب رغبة منهم) كان نتيجة  لالتزامنا أخلاقيا أمام الشعب التونسي بالمصادقة على هذا القانون على أقصى تقدير يوم 25 جويلية 2015 والحمد لله أننا وفقنا في ذلك.

 

التنصيص على عقوبة الإعدام مجددا لا تعني نكوصا عن المطالبة بإلغائها أو الكيل بمكيالين


ألا تلاحظين أن للظرف الحالي تأثيرا في صياغة القانون وإلا كيف نفسر مطالبة البعض بتشديد العقوبة على بعض الأفعال التي لا تحمل صفة الجسامة، فهل نساوي بين من أعان الإرهاب بشربة ماء ومن أعانه بكلاشينكوف؟
في إطار عملنا في لجنة التشريع العام أخذنا التزاما بأن تكون دراسة هذا القانون بصفة حيادية بغض النظر عن الظرف الحالي الذي تمر به بلادنا لأن لدينا نظرة استشرافية فهذا القانون سيبقى للأجيال القادمة وليس قانونا ظرفيا. فحتى عملية التشديد بالنسبة للعقوبات كانت نتيجة لشناعة وخطورة وبشاعة الجريمة المرتكبة التي من شأنها أن تحدث بلبلة داخل المجتمع وفي صفوف الشعب التونسي، لكن هذا التشديد لا يمكن أن يصل إلى حد المساواة بين من أعان الارهاب بشربة ماء ومن أعانه بكلاشنكوف لأن العقوبات جاءت متراوحة بين الأدنى والأقصى وبالتالي ترك الاجتهاد للقاضي المختص في تسليط العقوبة المناسبة حسب خطورة الجريمة.
من المفارقات التي حملها هذا القانون العودة إلى التنصيص على عقوبة الإعدام على بعض جرائم الإرهاب بعد أن قطعت تونس أشواطا كبيرة نحو إلغائها لتكون رائدة عربيا، ألا يشكل هذا نكوصا من قبل دعاة الإلغاء ويكشف عن ازدواجية في الخطاب والكيل بمكيالين في الجرائم والأشخاص، وأن ما كان يردد يعد مجرد شعارات تحت تأثير غربي، لاسيما وأن أوربا في قوانينها المكافحة للإرهاب لم تعد لهذه العقوبة بعد أن ألغتها؟
صحيح أن عقوبة الإعدام هي عقوبة خطيرة، قطعت تونس في شأنها شوطا هاما في عدم تنفيذها وليس إلغائها فهذه العقوبة نجدها مسلطة على جرائم أخرى « شنيعة» منصوص عليها بالمجلة الجزائية. وقد طرح موضوع إلغاء هذه العقوبة بخصوص الجرائم الارهابية داخل لجنة التشريع العام لكن لم يتم التوصل الى أغلبية مريحة في هذا الصدد خاصة وأن هذا القانون هو قانون أساسي خاص بالجرائم الإرهابية فلا يستقيم إلغاؤها من هذا القانون وتواجدها في جرائم يمكن القول إنها أقل بشاعة منصوص عيها بالقانون الجزائي، لذلك كان الاتفاق مبدئيا على أن تتم المصادقة على هذا القانون بتواجد عقوبة الاعدام ثم القيام بمبادرة تشريعية لإلغاء هذه العقوبة من القانون التونسي إجمالا.

حاورها: عبد الرحمن خلفة

 

الرجوع إلى الأعلى