بعد عامين من توقيع الإتفاقية بين وزارة البيئة والمنظمة غير الحكومية “ آر 20 “ التي  يترأسها الحاكم السابق لكاليفورنيا الأمريكية آرنولد شوارتزينغر الذي زار وهران في جوان 2013 للتعرف على الولاية التي اختيرت كولاية نموذجية إفريقيا لتجريب برنامج “ آر  20” المتوسطي من أجل الوصول لتحسين الوضع البيئي في الجزائر وتحقيق هدف صفر نفايات منزلية في وهران و لبلوغ الإقتصاد الأخضر. وقفت النصر على ما تم تجسيده ميدانيا في محيط لا يزال يعاني فيه المواطن من إنتشار القمامة عبر أحياء الباهية رغم كل الجهود المبذولة.

الفرز الانتقائي للنفايات.. ثقافة  تحتاج لإمكانيات

ترتكز إستراتيجية منظمة “ آر20 “ على العمل التحسيسي والتوعوي والتوجيهي ، كي يتمكن المواطن من المساهمة والتكفل الشخصي بتسيير القمامة المنزلية التي توصله للمشاركة في تسيير النفايات عموما . ومن هذا المنطلق أنجز القطب المتوسطي لمنظمة “ آر20 “ بوهران دراسة معمقة أدت منذ أفريل المنصرم إلى بداية تجسيد فكرة الفرز الإنتقائي للقمامة المنزلية والتي اختير لها حيان نموذجيان بوهران وفق مقاييس معينة.
 بعد حوالي 3 أشهر من دخول التجربة حيز التطبيق تبين حسب ما وقفنا عليه ميدانيا بحي عدل وحي العقيد لطفي ، أن العملية بدأت تؤتي نتائج إيجابية كون المواطن تعود على هذا الفرز الإنتقائي . هذا أيضا ما  تبينه الكميات التي تصل مركز الردم التقني بحاسي بونيف . وإستنادا إلى مسؤولة المشروع على مستوى مكتب “ آر 20” بوهران ، فإن نجاح العملية كان بفضل إندماج السكان فيها بواسطة لجان الحي والجمعيات الناشطة ، وهو الأساس في توسيع هذه المبادرة لأحياء أخرى مستقبلا.
جرت عملية التحسيس والتوعية في وسط سكان الحيين المذكوريين بكل الطرق حتى بتوجه المشرفين عليها لطرق أبواب المنازل لتقريب الفكرة أكثر. إلى جانب عملية تكوين للشباب المنشطين الذين يساهمون حاليا في الحرص على توعية البقية بضرورة الفرز الإنتقائي . في الوقت نفسه تم توفير مناصب شغل لعديد الشباب بالتنسيق مع مديرية التشغيل من أجل مراقبة وتسيير الفرز الإنتقائي على مستوى الحيين . العملية كما أكدت المتحدثة ستمكن في المستقبل القريب من تشغيل حوالي 50 شابا لمواصلة الحرص على تجسيد الإستراتيجية نحو الإقتصاد الأخضر، والتي بادرت بخصوصها المنظمة من خلال مكتبها بوهران بشراء 135 حاوية خاصة لرمي النفايات الجافة القابلة للرسكلة وساعدت سكان الحيين على فصل هذه القمامة الجافة عن بقايا الخضر والفواكه وغيرها . وهو المشكل الذي لازال يؤرق السكان في بقية أحياء وهران التي بلغت فيها درجة التعفنات مستوى لا يطاق.
يواجه القائمون على إنجاح عملية الفرز الإنتقائي مشكلة إنتشار  الباحثين في القمامة ،عن أشياء يمكن إستغلالها والمعروفين في وهران بإسم “ الشرامطية “ ، الذين كانوا متركزين في المفرغة العمومية بالكرمة خلال السنوات الماضية . لكن بعد نقل النفايات لمركز الردم التقني انتشر هؤلاء في الشوارع ، لينبشوا في حاويات القمامة بحثا عما يمكن إعادة بيعه وإستغلاله. اليوم أصبح “ الشرامطية “ يقصدون الحيين المعنيين بالفرز الإنتقائي أين يجدون القمامة جاهزة وهذا ما يؤثر على مردودية ونجاعة العملية.
المشروع الثاني الذي يشهد آخر الروتوشات لإنطلاقه رسميا ، وتطبيقه إبتداء من أكتوبر المقبل على أكثر تقدير، فهو مكمل للمشروع الأول للفرز الإنتقائي للنفايات . وتكمن فعاليته في توفير أسمدة فلاحية طبيعية . حسب المشرف على هذا المشروع المهندس مختار الدين جواد فإن 60 بالمائة من القمامة المنزلية يمكن إخضاعها لمراحل تصنيعية لإنتاج الأسمدة الطبيعية . لكن مثلما أضاف فالبداية سترتكز على النفايات الخضراء من بقايا الخضر والفواكه التي ترمى في سوق الجملة . وأكد مديره في تصريح سابق للصحافة أن ما يفوق 10 أطنان من الخضر والفواكه ترمى يوميا في السوق لأسباب مختلفة أهمها قلة غرف التبريد. من أجل تنفيذ هذا المشروع تم جلب حاوية كبيرة على شكل مصنع مصغر ، يتم فيها تصنيع وتحويل النفايات الخضراء لأسمدة في مدة قد تصل إلى 15 يوما وبحجم 5 أطنان. ومن أجل حسن تسييرها سيتم تكوين مهندسين من مركز الردم لمواكبة التكنولوجيات التي تعمل بها الحاوية المصنع.

600 ألف طن من بقايا الورق تضيع سنويا لإنعدام الرسكلة

من جهتها أفادت شلال دليلة و هي طبيبة وعضو في لجنة البيئة بالمجلس الشعبي الولائي والمديرة الحالية لمراكز الردم التقني بوهران ، أن أهم ما يعرقل العيش في بيئة ملائمة ونظيفة بوهران هو مشكل تسيير النفايات التي تشكل القمامة الحضرية 60 بالمائة منها ، والتي رغم التحسن الذي حدث مؤخرا ولكن لازال الوضع يتطلب الكثير من العمل. يتم حاليا الإستعداد لتدارك كل النقائص المسجلة في مراكز الردم التقني والتي تسببت أحيانا في مشاكل للمواطنين القاطنين بالقرب منها وكذا في عراقيل لتسييرها . لذلك سيتم مع بداية الدخول الإجتماعي القادم إستقدام جهاز حرق النفايات وتجهيزات أخرى لمعالجة المياه الناجمة عن عملية الردم ، والتي هي خطر على البيئة إلى جانب جهاز لإمتصاص الغازات . هذه التقنيات الحديثة مثلما أكدت السيدة شلال لا يمكنها أن تكون ناجعة وفعالة دون تكوين متخصص للقائمين عليها . في ذات الصدد أضافت أنها أبرمت إتفاقية مع مديرية التكوين المهني لتكوين الموارد البشرية   العاملة في مراكز الردم في المهن البيئية ، والتي يمكنها أن تضم كل الفئات المعنية بعمليات النظافة من عامل النظافة لغاية المهندس . وربما كما أشارت المديرة ، إدماج حتى “ الشرامطية “ في العملية . مركزة في هذا الإطار على أن  الحفاظ على “ البيئة هي ثورة فكرية وعملية تتطلب مجهودات الجميع “.
وأكدت الدكتورة شلال أن إستراتجيتها التي سطرتها منذ حوالي شهرين من توليها منصب مديرة لمراكز الردم التقني، ستركز بالدرجة الأولى على الرسكلة التي تسمح بتطوير فكرة الإقتصاد الأخضر، لأن أموالا طائلة تذهب يوميا في « الزبالة « غير المستغلة . ومن بين مشاريعها التي ستنطلق في تجسيدها مباشرة بعد عودة التلاميذ لمقاعد الدراسة ، هي إسترجاع كل الكراريس والكتب والأوراق التي لا يحتاجها التلاميذ على مدار السنة من أجل إعادة تحويلها . وتم حسب المتحدثة الإتفاق مع مديرية التربية في هذا الشأن ، إلى جانب التعامل المباشر مع المتعاملين الإقتصاديين . وذكرت السيدة شلال أن هناك دراسة جامعية تشير بأن الجزائر يمكنها إستغلال 600 ألف طن سنويا من الورق الضائع حاليا ، إذ  لا يستغل منه  سوى 15 ألف طنا.
علما أن مركز الردم التقني بحاسي بونيف لوحده يعالج ما يقارب 1400 طن من النفايات يوميا قادمة من 13 بلدية ، وهذا ما أثر على طاقة الإستيعاب التي تقلصت وتستدعي إعادة النظر فيها.
هوارية.ب

الرجوع إلى الأعلى