دعا، أمس الأحد، خبراء في القانون، إلى استحداث هياكل عقابية جديدة تساهم أكثر في إدماج المحبوسين، وكذا إخضاعهم لجلسات نفسية بغية تسهيل عملية إدماجهم في المجتمع بعد انقضاء مهلة الحكم.
وخلال ملتقى وطني نُظم بتقنية التحاضر عن بعد بجامعة منتوري قسنطينة 1، تحت عنوان «السياسة العقابية الحديثة بين وظيفة التأهيل وضرورة تحقيق العدالة الجنائية»، تطرقت طالبة الدكتورة في القانون معكوف منى من جامعة منتوري إلى جملة من التوصيات من أجل ضمان إعادة إدماج المحبوسين في المجتمع بعد انتهاء مدة الحكم.
وتتمثل التوصيات في إنشاء مؤسسات عقابية بعيدة عن المدن هدفها إنجاح الورشات الخارجية، وكذا دعم دراسات علم الإجرام والعقاب وعلم النفس الجنائي بما يساعد في فهم عقلية المجرم والظروف المحيطة التي أوصلته لارتكاب الجريمة حتى تتم مساعدته وتقديم العلاج المناسب له، فضلا عن إخضاعه لجلسات مستمرة مع مختصين نفسانيين من أجل تعزيز ثقة المحبوس بنفسه، زيادة إلى حاجة المؤسسات العقابية للتزود بالأجهزة الطبية الحديثة التي تضمن علاجا جيدا للسجين.
وأضافت معكوف، أن الجزائر تسعى خلال السنوات الأخيرة إلى تغيير الفكر العقابي، بإنشاء مؤسسات عقابية ذات تنظيم عقلاني، تهدف لإصلاح المحكوم عليه وإعادة دمجه في المجتمع، وذلك من خلال مؤسسات البيئة المغلقة والتي تعنى بالوقاية وإعادة التربية والتأهيل، وأخرى تعرف بالبيئة المفتوحة وهي منصوص عليها في المادة  109 من قانون تنظيم السجون الجزائري، إذ تعتبر مراكز ذات طابع فلاحي أو زراعي أو صناعي أو حرفي، وتتميز بإيواء المحبوسين الذين قضوا ثلث الحكم بعقوبة سالبة للحرية.
ويتضح، وفق ما ذكرته المتحدثة، أن المشرع الجزائري يسعى لتنظيم السجون عن طريق تعزيز برامج إعادة التربية كمحاولة من أجل إصلاح المعنيين وتهذيبهم وإعادة إدماجهم في المجتمع، مؤكدة أن جهود المؤسسات العقابية قد أثمرت من خلال الارتفاع المسجل في المستوى الفكري لدى السجناء، ويظهر ذلك جليا في عدد الحاصلين على الشهادات التعليمية والتكوينية.
بالمقابل، ذكر الدكتور في القانون مقران عبد الرزاق، خلال مداخلته الموسومة بـ «دور السياسة العقابية الحديثة في تأهيل المحكوم عليه»، أن ظاهرة الإجرام في المجتمع الجزائري تتسع بشكل أكبر رغم تطبيق سياسة جنائية عقابية تؤهل المحكوم عليه، حيث لوحظ حسب المتحدث، أن غالبية المجرمين المستفيدين من برامج الإدماج عادوا مجددا للإجرام بمجرد انقضاء فترة حكمهم، مشيرا إلى ضرورة تكثيف برامج التأهيل التي يخضع لها المحبوسون وإثراؤها دينيا تربويا ثقافيا وعلميا، مع ضرورة حثهم على التجاوب معها بشكل جيد.
وتقول دكتورة القانون بجامعة مولود معمري بتيزي وزو، تينهنان ولد أحمد، أن أسس السياسة العقابية التي تعتمدها الدولة، تتغير ملامحها تماشيا مع الظروف الاجتماعية المنتشرة، ما يجعل الوصول إلى نسبة صفر جريمة في المجتمع أمرا شبه مستحيل باعتبار الأخيرة ظاهرة اجتماعية مرتبطة بالوجود الإنساني، وبالتالي فتطوير السياسة الجنائية هي مسألة جد حساسة يكمن الهدف من تطبيقها في تحقيق الردع العام والخاص وكذا حماية المجتمع من مختلف مظاهر الإجرام الخطيرة.
من جهتها، أكدت رئيسة الملتقى بن كرور ليلى وهي دكتورة في القانون الجنائي بجامعة منتوري قسنطينة1، أن مساعدة المحبوسين وإعادة إدراجهم في الوسط الاجتماعي، يستدعي تكاتف كافة الجهود، من أجل تغيير الذهنيات ونظرة المجتمع الدونية اتجاههم وتطوير الفكر، مؤكدة على الدور الكبير الذي يلعبه الإعلام والمجتمع المدني في رسم السياسة العقابية الحديثة، لما لهما من صلاحيات تمكنهما من المساهمة الفعالة في هذه القضية.
وأوضحت بن كرور، أنه لا يوجد قانون واضح ينص على أن المحكوم عليه يمكن تشغيله أو توظيفه بعد انقضاء فترة عقوبته، فالآليات التي أدرجها المشرع في المادة الأولى من قانون 05-04، تسعى فقط لضمان أنسنة المعاملة العقابية، والمقصود منها اختيار أسلوب جديد يقوم على التأهيل والتهذيب والتربية والتعليم ومحو الأمية، وكذا التأكيد على فكرة الدفاع الاجتماعي وهي خلق فكر تشاركي من أجل مواجهة الظواهر الإجرامية.
رميساء جبيل

الرجوع إلى الأعلى