دعا أمس، أساتذة من عدة تخصصات بجامعة عبد الحميد مهري بقسنطينة إلى تناول تاريخ الثورة ودراسة الذاكرة الوطنية من زوايا علمية مختلفة بالاعتماد على التكنولوجيات الحديثة، في حين نظم معرض ومسابقات في التطوير التكنولوجي للطلبة حول نفس الموضوع.
ونظمت جامعة عبد الحميد المهري يوما دراسيا حول التكنولوجيات الحديثة في خدمة الذاكرة الوطنية، حيث أفادت الدكتورة آمال بوكرو من كلية علم النفس وعلوم التربية في تصريح لنا، أن دراستها انطلقت من البحث في اضطرابات ما بعد الصدمة المترتبة عن جرائم الاستعمار الفرنسي خلال حرب التحرير، موضحة أن دراسات مماثلة أجريت على الأفراد المدنيين والمحاربين الذين شاركوا في عدة حروب عرفها العالم، على غرار حرب فيتنام والحرب العالمية الثانية، وأضافت أنها لم تجد أي دراسات مماثلة حول المجاهدين والجزائريين المدنيين، رغم ما تعرضوا له من جرائم استعمارية، على غرار التعذيب والاغتصاب والتقتيل.
وأشارت الدكتورة بوكرو في مداخلتها إلى مجموعة من الأعراض النفسية التي ظهرت على من عايشوا عنف الاستعمار الفرنسي خلال فترة حرب التحرير ورافقتهم متلازمة إجهاد ما بعد الصدمة، حيث قالت إنها قامت بعمل استنباطي يسير على ضوء الدراسات المماثلة التي أجريت على حروب أخرى، في حين أكدت على وجود ضحايا مباشرين وغير مباشرين، كما أوضحت أن استرجاع الأحداث والكوابيس واقتحام الفكر بأفكار ذات صلة بحدث الصدمة هي الأعراض الأساسية الظاهرة، في حين يمكن أن يعاني ضحايا العنف الاستعماري من أعراض أخرى خفية، على غرار الاكتئاب.
من جهة أخرى، قدمت الدكتورة ساندرا صايبي، المختصة في مجال المقاولاتية، مداخلة حول تاريخ المقاول الجزائري منذ الفترة العثمانية إلى اليوم، حيث اعتبرت في تصريحها لنا أن تأثيرات السياسات المتبناة عبر مختلف الحقب التاريخية هي السبب الأساسي لضعف روح المبادرة التي يتميز بها المقاول الجزائري حاليا، حيث تنعكس في “الشح” في عدد المؤسسات الجديدة التي تنشأ، رغم البرامج الحكومية الواعدة التي تضعها الدولة في هذا الإطار، منبهة أنه ينبغي الاشتغال على نفسية الفرد حتى يستطيع تحقيق الاستفادة المثلى منها.
 وشرحت الدكتورة أن صفة المقاول المزارع هي ما كان يغلب على المقاولاتية خلال فترة الدولة العثمانية، في حين أهمِلت ملكية الفرد للأراضي لأنها كانت تابعة للدولة إلى غاية فترة متأخرة؛ أقصي فيها الفرد الجزائري واقتصرت الملكية على أفراد العائلات الكبرى والبايلك.
وأضافت نفس المصدر أن فترة الاستعمار الفرنسي قد أقصت الفرد الجزائري أيضا، حيث جلب مستثمرون من منطقة الألزاس ومن إسبانيا وإيطاليا، ليصبحوا بعد ذلك أهم المقاولين الذين استأثروا بالمشاريع، في حين شهدت فترة ما بعد الاستقلال نظرة سلبية تجاه المقاول، بسبب السياسة الاشتراكية التي كانت تستهدف تحقيق الرخاء للمجتمع الجزائري الذي عاش فترة همّ وحزن نتيجة إقصائه من المستعمرين، لكنها أوضحت أن فترة الثمانينات عرفت انفتاحا اقتصاديا وعدة مبادرات لتشجيع المقاول والمستثمر، لتتبعها العديد من البرامج إلى اليوم.  
عرض مخطوطات أصلية عمرها 5 قرون
ونظمت الجامعة مسابقات في التطوير الرقمي لفائدة الطلبة، حيث أكد الدكتور عبد الكريم بورامول، مسؤول المسابقات المنظمة في التظاهرة، أن موضوعها الأساسي يكون حول الثورة الجزائرية، فيما تتمثل الأولى في تطوير تطبيق ويب؛ ينبغي أن يكون باللغة العربية وينطوي على أربعة محاور هي المحطات التاريخية المهمة في تاريخ الثورة والشخصيات التي أثرت في الثورة، وألبوم صور، ثم أسئلة لتقييم مدى تحكم المستعمل في المعلومات. وأشار نفس المصدر إلى أن الإعلان عن التطبيقات الفائزة سيكون يوم غد، حيث نبه أنها ستوضع تحت تصرف مديرية التربية لفائدة التلاميذ، في حين أن المسابقة الثانية تتمثل في إعادة إحياء صور قديمة باستعمال التكنولوجيات الحديثة، أي مختلف الوسائل التكنولوجية لمعالجة الصور. أما المسابقة الثالثة فتتمثل في إلقاء أحسن نص شعري ثوري باستعمال الوسائل التكنولوجية من خلال التعديلات الصوتية وغيرها، حيث وضع أستديو في المعرض. وقد اشتملت التظاهرة على معرض، شارك فيه معهد علم المكتبات والتوثيق حيث تم عرض مجموعة مخطوطات أصلية لكتب في الفقه تملكها عائلة بلفقون القسنطينية فضلا عن وثيقة أصلية لعقد هبة ممنوحة من الحاكم العثماني ومحررة على جلد غزال، كما يعود عمر أحد الكتب إلى ما يقارب الخمسمئة سنة، بينما أكدت لنا طالبة الدكتوراه التي جلبتها أن مالكيها يعتزمون تقديمها كهبة للجامع الأعظم، مضيفة أنها أجرت دراسة على أحدها، كما عرضت مخطوط كتاب مزين بماء الذهب.  وأوضحت الأستاذة سعاد بن شعيرة، أن الهدف من المبادرة يكمن في التعريف بالذاكرة الوطنية من خلال الأرشيف من وجهة نظر التخصص، كما أنها تأتي ضمن مقياس تبليغ الأرشيف.
سامي.ح

الرجوع إلى الأعلى