الأفـــامى يقر بمحدوديـــة  الصدمـــة النفطية على نمو الاقتصـــاد الجزائـــري
 أوصى صندوق النقد الدولي بمواصلة سياسة ضبط الميزانية العامة على المدى المتوسط لاستعادة استمرارية ماليتها العامة وضمان العدالة بين الأجيال ودعم الاستقرار الخارجي. وقال في تقرير أصدره الخميس، تناول الوضع الاقتصادي في الجزائر بأن الأوضاع الاقتصادية تحتاج إلى ضبط الإنفاق الجاري، وإجراء مزيد من الإصلاح في نظام الدعم مع توفير الحماية للفقراء وتعبئة المزيد من الإيرادات خارج المحروقات، وزيادة كفاءة الاستثمار، وتعزيز إطار الموازنة. ومع التراجع السريع في الموارد المالية المتاحة.
ويرى الصندوق، بأن الجزائر ستكون مجبرة على زيادة الاقتراض لتمويل العجز مستقبلا. والى جانب زيادة إصدار سندات الدين المحلية، وأوصى بدراسة إمكانية الاستدانة من الخارج، وقال التقرير « ينبغي أن تنظر السلطات الجزائرية في إمكانية الاقتراض من الخارج» واقترح خوصصة بعض الشركات العمومية، من خلال فتح المجال أمام مشاركة القطاع الخاص في رؤوس أموال بعض المؤسسات الاقتصادية العامة على أساس من الشفافية.
كما شدد الصندوق على ضرورة تنفيذ مجموعة واسعة من الإصلاحات الهيكلية للمساعدة في دعم النشاط الاقتصادي أثناء عملية الضبط المالي وتنويع الاقتصاد. ومن أهم الإصلاحات تحسين مناخ الأعمال، وفتح الاقتصاد أمام مزيد من التجارة الدولية والاستثمار الأجنبي وتحسين فرص الحصول على الائتمان وتطوير الأسواق الرأسمالية، ورفع مستوى الحوكمة والتنافس والشفافية. ويتعين أيضا زيادة المرونة في أسواق العمل مع تحسين مستوى توافق المهارات التي يفرزها النظام التعليمي مع احتياجات القطاع الخاص.
القيود على الواردات ليست بديلا عن الإصلاحات
وقلل الصندوق من الآثار الايجابية لبعض القرارات التي اتخذتها الحكومة، ومنها فرض تراخيص على الواردات وقال الصندوق، أن القيود على الواردات قد توفر انفراجة مؤقتة إلا أنها ستتسبب في حدوث «تشوهات»، وقال الصندوق بأن هذه القيود «لا يمكن أن تكون بديلا للإصلاحات الرامية إلى تعزيز الصادرات». وأوصى التقرير بتنفيذ تلك الإصلاحات بصورة عاجلة نظرا لأن الإصلاحات الهيكلية تستغرق وقتا حتى تؤتي ثمارها فينبغي البدء بتنفيذها دون إبطاء.
ولاحظ خبراء صندوق النقد الدولي أن سعر الصرف الفعلي الحقيقي للدينار الجزائري أعلى من قيمته الفعلية على الرغم من بعض الانخفاض المسجل في 2015، مضيفا أن المزيد من الإصلاحات الهيكلية في هذا الجانب وزيادة مرونة سعر الصرف سيساعد على جعل قيمة الدينار متوافقة مع القيمة التوازنية مما يساهم على إعادة التوازن للاقتصاد. وسيعرف سعر الصرف الفعلي الحقيقي المزيد من التراجع خلال 2016 و2017 مسجلا ناقص 1.6 بالمائة ثم ناقص 3.2بالمائة على التوالي بحسب صندوق النقد الدولي.
وفي نظر «الافامي» فان ضبط أوضاع المالية العامة وإجراء الإصلاحات الهيكلية إلى جانب زيادة مرونة سعر الصرف لجعل سعر الصرف الفعلي الحقيقي متوافقا مع قيمته التوازنية، كلها عوامل تساهم في إعادة توازن الاقتصاد. وشدد الصندوق على أن يلعب بنك الجزائر المركزي دورا هاما في التكيف مع نقص السيولة وتفعيل أدوات إعادة التمويل مما ينبغي ضبط السياسة النقدية بشكل يضمن الوقاية من عودة الضغوط التضخمية. وبخصوص البنوك أشار التقرير إلى أنها تتمتع بمستويات عالية من الرسملة والربحية ولكنها قد تتعرض لاختلال مالي بسبب الارتباط القوي مع قطاع المحروقات.
 أثر الصدمة على النمو محدود
وقال خبراء الصندوق، بأن الاقتصاد الجزائري عرف تدهورا منذ انعقاد المناقشات في إطار مشاورات المادة الرابعة لعام 2014، وأكدوا بأن هبوط أسعار النفط، يجعل من إعادة صياغة نموذج النمو في الجزائر مطلبا أكثر إلحاحا. ولا يزال أثر صدمة أسعار النفط محدودا على النمو حتى الآن، لكن أرصدة المالية العامة والحساب الخارجي تراجعت إلى حد كبير.
وأوضح تقرير «الافامي» بأن الأرقام الخاصة بعام 2015 ، تبرز ارتفاعا في إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 3.9 بالمائة وارتفاع التضخم إلى 4.8 بالمائة. كما زاد عجز المالية العامة إلى الضعف ليصل إلى 16 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي بسبب الانخفاض في إيرادات المحروقات، كما حدث اتساع حاد في عجز الحساب الجاري نتيجة لهبوط الصادرات بنسبة تقارب النصف. وقال التقرير بأن الاحتياطيات لا تزال كبيرة، رغم انخفاضها بمقدار 35 مليار دولار لتبلغ 143 مليار دولار، مقارنة بمستوى الذروة الذي بلغ 192 مليار دولار في 2013 . ولا يزال مستوى الدين الخارجي منخفضا للغاية.
وفي نظر خبراء «الافامي، فإن الاقتصاد الجزائري يواجه صدمة خارجية شديدة يرجح استمرارها لفترة طويلة، مما يستدعي التحرك بقوة على مستوى السياسات مستندا في ذلك إلى ضبط أوضاع المالية العامة وإجراء الإصلاحات الهيكلية. فقد كشف هبوط أسعار النفط عن مواطن ضعف طويلة الأمد في اقتصاد تقوده الدولة ويعتمد اعتمادا مفرطا على قطاع المحروقات.
وأوضح التقرير بأن أثر صدمة أسعار النفط لا يزال تأثيره محدودا على النمو حتى الآن لكن بالمقابل فان أرصدة المالية العامة والحساب الخارجي تراجعت إلى حد كبير. مؤكدا بان الجزائر وبفضل الهوامش الاحتياطية التي تراكمت في السابق، أمامها فرصة لضمان سلاسة عملية التكيف مع الصدمة وإعادة صياغة نموذج النمو. وبحسب التقرير فان استعادة التوازن الاقتصادي الكلي، ستتطلب الاستثمار في ضبط أوضاع المالية العامة على المدى المتوسط يصاحبه تنفيذ عدد كبير من الإصلاحات الهيكلية بهدف تنويع الاقتصاد، على أن تقوم سياسات سعر الصرف والسياسات النقدية والمالية بدور داعم في هذا الخصوص. وشدد «الافامي» على ضرورة التواصل مع كل الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين، لبناء توافق في الآراء حول الإصلاحات اللازمة لضمان تنفيذها في الوقت المناسب.                   

 أنيس نواري

الرجوع إلى الأعلى