زلـــزال يضرب أوروبــــا و يهددهـــا بالتفكــك

كاميرون يستقيل والأسواق المالية تهتز
صوت 51.08 من البريطانيين لخيار الخروج من الاتحاد الأوروبي مقابل 49.01 اختاروا البقاء فيه، وذلك في استفتاء تاريخي جرى الخميس الماضي، واعتبرت نتائجه زلزالا حقيقيا ضرب أوروبا على وجه الخصوص، وبدأت أولى انعكاساته السلبية تظهر في الأفق، حيث طالبت أحزاب اليمين في العديد من الدول الأوروبية بالاقتداء بالتجربة البريطانية والانسحاب من الاتحاد، ما يهدد بشكل واضح مستقبل هذا الأخير بالانفجار، بينما دعا زعماء دول أوروبية لاجتماعات طارئة للنظر في المسألة.
وقد شهد الاستفتاء مشاركة قياسية للناخبين بلغت نسبتها 72.02 بالمائة، وهي نسبة مرتفعة لم تسجل في بريطانيا منذ عقود، و أظهرت النتائج الأولية التي أعلن عنها صبيحة أمس الجمعة انقساما بين البريطانيين بخصوص البقاء في الاتحاد الأوربي أو المغادرة، ففي الوقت الذي صوت فيه سكان لندن واسكتلندا و إيرلندا الشمالية لصالح البقاء في الاتحاد، اختار سكان الشمال وويلز المغادرة.
 وهكذا وبعد 43 عاما من العضوية في الاتحاد الأوروبي يقرر البريطانيون بكل سيادة مغادرة هذا الإطار الذي جمع دولا أوروبية غربية في بداية الأمر ثم توسع ليشمل اليوم 28 دولة  بما فيها دول من أوربا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي  والقطب الاشتراكي سابقا، و قد خلقت نتائج الاستفتاء انقساما في الإحساس بين البريطانيين، بين فرح بالخروج من الاتحاد، و مصدوم متخوف من انعكاسات ذلك مستقبلا على الاقتصاد البريطاني وعلى البلاد عموما.
إلى ذلك دعا زعيم حزب الاستقلال البريطاني ( يوكيب) نايجل فاراج أمس إلى تشكيل حكومة خروج، أو حكومة “بريكسيت” بعدما اختار البريطانيون مغادرة الاتحاد الأوربي.
وفي أول رد فعل له على نتائج الاستفتاء أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في كلمة له أمام مقر  الحكومة في لندن أنه سيقدم استقالته  ويترك منصبه بحلول شهر أكتوبر من العام الجاري لرئيس وزراء جديد ليقود مرحلة الخروج من الاتحاد الأوروبي.
 وكان كاميرون من كبار المدافعين عن البقاء داخل الاتحاد، وقد قاد حملة كبيرة منذ مدة لصالح البقاء، ودعا مواطنيه الى التصويت لصالح هذا الخيار، وحذر من مغبة الخروج ومدى تأثير ذلك على الاقتصاد والأمن البريطانيين.
كما اعتبر مؤيدو البقاء نتائج الاستفتاء بمثابة الكارثة الحقيقية على البلاد، بينما اعتبر ناجيل فاراج زعيم حزب الاستقلال النتائج بمثابة “يوم استقلال لبريطانيا” وعبر عن فرحته بذلك.
الجنيه الاسترليني يتراجع إلى أدنى مستوياته منذ 30 سنة
ومن أولى تداعيات نتائج الاستفتاء  للخروج من الاتحاد الأوروبي تراجع قيمة العملة البريطانية- الجنيه الاسترليني – إلى أدنى مستوى له منذ سنة 1985، حيث سجل انخفاضا قدر بنسبة 09 بالمائة، ليصل إلى1.3459 دولارا فيما هبط بنسبة 14 بالمائة أمام الين الياباني، وقبل ظهور النتائج بقليل كان الجنيه قد ارتفع ليصل إلى 1.50 دولارا بسبب مراهنة المتعاملين على خيار البقاء داخل الاتحاد، لكنه هوى مباشرة بعد الإعلان عن النتائج.
وقال وزير الخزانة في حكومة الظل جون ماكدونل أنه ينبغي على البنك المركزي الإنجليزي التدخل لدعم الجنيه الاسترليني الذي فقد 3 في المائة من قيمته أمام الدولار الامريكي، ونحو 7 في المائة أمام اليورو بعد دقائق من إعلان النتائج.
كما تشير المعلومات المتداولة أمس إلى انخفاض سعر الأسهم بنسبة 08 بالمائة بعد افتتاح مؤشر «فوتسي» أمس الجمعة، وفي طوكيو انخفض مؤشر نيكي 225 بأكثر من 6 في المائة، وارتفع سعر صرف الين الياباني بنسبة 5 في المئة، حيث تزاحم المستثمرون على العملة اليابانية التي رأوها ملاذا آمنا،  كما قفزت بورصة وول ستريت في نهاية التداول ، حيث أغلق مؤشرا داو جونز وإس آند بي 500 على ارتفاع بنسبة 1.3 في المائة.
كما سجلت بورصات لندن وباريس وفرانكفورت عند افتتاحها أمس الجمعة تراجعا متأثرة بنتائج الاستفتاء البريطاني  وفوز معسكر الخروج بشكل اربك  كثيرا الأسواق العالمية والمتعاملين الاقتصاديين، ففي لندن خسرت البورصة أكثر من 07 بالمائة عند الافتتاح، كما تراجعت قيم بعض المصارف الكبرى مثل «روايال بنك أوف سكوتلاند» و  باركليز وغيرها بأكثر من 30 بالمائة، وفي فرانكفورت خسر مؤشر «داك» لاسهم الشركات الكبرى 9.60 بالمائة.
طوارئ في أوروبا واجتماعات عاجلة
 في الجانب السياسي، خلفت نتائج الاستفتاء البريطاني صدمة كبيرة في العديد من الدول الأوربية التي سارعت حكوماتها إلى الدعوة لعقد اجتماعات طارئة لدراسة الوضع، بينما على العكس، فقد رحبت أحزاب اليمين بتلك النتائج ودعت الى الاقتداء بالتجربة البريطانية وتنظيم استفتاءات مشابهة لمغادرة الاتحاد.
 وعلى هذا النحو اعتبر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، أمس أن تصويت البريطانيين من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي «يضع أوروبا في مواجهة اختبار خطير إذ لم يعد بوسعها الاستمرار كما من قبل»، وبات عليها أن «تركز على الأساسي»، مبديا أسفه لهذا «الاختيار المؤلم».
 أما وزير خارجيته جان مارك آيرو، فقال في تغريدة له على موقع «تويتر» أمس أن فرنسا تشعر بالأسف لتصويت البريطانيين على خروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي، داعياً أوروبا إلى «التحرك» من أجل «استعادة ثقة الشعوب» مضيفا في أول رد فعل فرنسي على الاستفتاء البريطاني إن «أوروبا مستمرة لكن عليها التحرك واستعادة ثقة الشعوب إنه أمر ملح»، وقال أنه «حزين من أجل المملكة المتحدة».
واعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس في أول رد فعل لها على نتائج الاستفتاء، عن أسفها لهذه النتيجة، وحذرت  من ردود الفعل السريعة من قبل دول الاتحاد الأوربي التي قد تؤدي إلى تفكيك القارة،  واعتبرت النتائج «ضربة موجعة»، وقالت أنها دعت الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء الإيطالي ورئيس المجلس الأوربي إلى عقد اجتماع عاجل في برلين الاثنين المقبل.
  وقال وزير خارجيتها فرانك فالتر شتاينماير بدوره أن تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد يمثل «يوماً حزينا» لأوروبا، ونقلت وزارة الخارجية الألمانية عن الوزير قوله «إن الأنباء الواردة من بريطانيا صادمة ويبدو انه يوم حزين لأوروبا وبريطانيا وعلى الزعماء الأوربيين أن يعملوا من أجل الحفاظ على تماسك أوربا».
  ودعا رئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشيل، إلى اجتماع في جويلية بين قادة الاتحاد الأوروبي لإعادة تأكيد التزامهم حيال الاتحاد، بينما اعتبرت رئيسة وزراء النرويج أن التكتل يجب أن يقر أن كثيراً من المواطنين في بريطانيا والاتحاد غير راضين عن الاتجاه الذي تسلكه القارة، كما أعلن وزير الخارجية الإيطالي، باولو جنتيلوني، أن تأييد البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي لا بد وأن يدفع أوروبا سريعاً لإجراء تغييرات لتعزيز مستقبل التكتل، مضيفا «  من واجبنا ان نكون صريحين مع المواطنين الأوربيين والأسواق، إنها لحظة عصيبة للغاية على الاتحاد الأوروبي».
 أما رئيس الوزراء المجري فقد قال أن نتائج الاستفتاء تظهر أنه على بروكسيل السماع لصوت الشعوب وتقديم حلول ملائمة  للقضايا المهمة مثل الهجرة، بينما رأى رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راخوي أنه يتعين إصلاح الاتحاد الأوروبي بعد تأييد البريطانيين لخروج بلدهم منه، على أن ينصب التركيز على النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل والاندماج بشكل أكبر، في حين وصف نظيره السويدي، ستيفان لوفين، نتيجة الاستفتاء بأنها «نداء للاستيقاظ».
 واستبعد المستشار النمساوي كريستيان كيرن، أثر الدومينو البريطاني على البلدان الأوروبية، وقال أن بلاده لن تقدم على مثل هذه الخطوة، أما منظمة حلف شمال الأطلسي فقد أكدت أن بريطانيا ستبقى حليفا قويا رغم خروجها من الاتحاد الأوربي.
بالمقابل،  عبرت أحزاب يمينية عن أملها في أن تحذو الدول الأوربية الأخرى حذو بريطانيا، ودعا حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا أمس الى تنظيم استفتاء حول وضعية ووجود فرنسا في الاتحاد الأوروبي بعدما صوتت بريطانيا لصالح الخروج، وهو نفس الموقف الذي عبر عنه الزعيم الهولندي المعارض للهجرة، خيرت فيلدرز، الذي دعا إلى استفتاء على عضوية هولندا في الاتحاد الأوروبي بعد أن صوتت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد ، وقال فيلدرز في بيان: «نريد أن نتولى مسؤولية إدارة شؤون بلدنا وأموالنا وحدودنا وسياستنا
للهجرة».                                 م- عدنان

الرجوع إلى الأعلى