* الإدارة تستنجــد بـالأطبـــاء العاميــن لمواجهــة العجــز

يعيش المستشفى الجامعي بقسنطينة وضعية “حرجة”  بعد مقاطعة الأطباء المقيمين للمناوبات طيلة فترات اليوم، إذ تكاد تنعدم الرعاية الطبية للمرضى بالعديد من المصالح، كما تفاقمت الوضعية بعد قيام  أطباء رئيسيين ومساعدين بتقديم عطل مرضية «هروبا» من الضغط الكبير، فيما تم تسخير 30 ممارسا عاما لتقديم الحد الأدنى من الخدمات.
بالمستشفى الجامعي لا حديث بمختلف المصالح إلا عن إضراب الأطباء المقيمين، فالوضع هناك أصبح لا يطاق وبدت مختلف الأقسام خالية من أصحاب المآزر البيضاء، وحتى المرضى مثلما صرح لنا طبيب بدرجة بروفيسور أصبحوا لا يقصدون المستشفى وتراجع عددهم منذ أشهر، حيث أظهر لنا الطبيب جدول إحصائيات للشهر الجاري، وقال بأنها أقل بكثير عن سابقه فالأمر بحسبه أصبح واقعا وألفه المريض وكل من يقصد المستشفى الجامعي.    
لم يكن دخولنا صعبا إلى مصلحة أمراض  النساء والتوليد، حيث تجولنا بحرية ولم يسألنا أحد عن وجهتنا، و ما لفت انتباهنا هو الفوضى السائدة في المكان، فالعشرات من النسوة كن جالسات أمام قاعة الفحص بالطابق الأرضي، في انتظار قدوم الطبيبة المداومة أو القابلات، غير أن انتظارهن دام طويلا بحسب تصريح زوج إحدى الحوامل الذي قال بأنه ينتظر دور زوجته منذ أزيد من ساعتين.
ووصفت لنا ممرضة وضعية المصلحة بالسيئة جدا، حيث أكدت لنا بأن طبيبة مختصة واحدة تشرف على 4 مصالح، وتتكفل بمراقبة أزيد من 80 مريضة،  بعد أن رفض جل المقيمين المداومة، مشيرة إلى أنها ومنذ دخولها إلى المصلحة لم تراقب أو تعاين سوى المريضات  اللائي يعانين وضعيات صعبة التي تتطلب تدخلات جراحية بقسم العمليات، ونحن نتجول بالمكان وجدنا زوج حامل مقيمة بمصلحة الحمل ذي الخطورة العالية، وهو يناشد قابلة بأن تكتب له رسالة لينقلها إلى عيادة خاصة، غير أنها اعتذرت وقالت له بأن الأمر من صلاحية الأخصائية وفي حال مجازفته بتحويلها، فإنها معرضة لخطر الإجهاض في الطريق، لنغادر المصلحة ونترك ذلك الشاب في انتظار الطبيبة التي كانت منشغلة بعملية جراحية.
لم يختلف الوضع كثيرا ببقية المصالح فالمشاهد نفسها والمعاناة تنبع من مصدر واحد، ويكفي أن تلج باب أي مصلحة لتكتشف الأوضاع المزرية،  فبمصلحة أمراض القلب لم نجد سوى طبيبين مختصين واحدة مساعدة وآخر بدرجة بروفيسور ، يقدمان أدنى الخدمات لعدد معتبر من المرضى فضلا عن التكفل بالماكثين في الأقسام، أما ليلا فيشرف على المصلحة طبيب واحد فقط، فيما وجدنا مصلحة أمراض الأعصاب خالية باستثناء طبيب واحد فقط.
وبقسم الأمراض المعدية، استعانت إدارة المستشفى بطبيبين عامين واشتكى المرضى من سوء الخدمات المقدمة لهم، أما بقسم الجراحة ابن سينا فقد أكد لنا أحد الأطباء بأن العمليات تجرى للحالات الخطيرة جدا، وتم تأجيل العديد منها كما لم نجد أيا من الأطباء المقيمين، وهو نفس الوضع بمصلحة أمراض الأنف والحنجرة.
واختلفت وضعية قسم أمراض الغدد والسكري، فقد وجدنا عددا من الطبيبات المقيمات، حيث صرحن بأنهن متضامنات مع زملائهن، لكن الضمير المهني منعهن من إهمال المرضى، حيث أكدن بأنهن يقدمن الحد الأدنى، كما أنهن لم يلغين أي موعد للفحص، خلافا لبعض زملائهن في القسم، فيما كان قسم العظام «ب» خاليا من أي طبيب مقيم باستثناء مختص واحد، أما مصلحة أمراض الجهاز الهضمي فقد تكفل بعض المقيمين بالمداومة لكنهم أكدوا بأنهم قد يمتنعون عن العمل في أي وقت في حال استمرار ما وصفوه بالاحتقان الحاصل.

وأبرز أحد الأطباء بدرجة بروفيسور، بأن العديد من زملائه أودعوا عطلا مرضية لدى الإدارة، بعد أن تأزم الوضع، حيث ذكر بأن المرضى يعانون حتى بوجود المقيمين فما بالك في غيابهم، إذ أن النظام الطبي بالمستشفيات الجامعية عبر الوطن يرتكز أساسا عليهم، مشيرا إلى أن الوضع سيتأزم أكثر خلال الأيام المقبلة ولن يصمد من تبقى من الأطباء، وهو ما أكده لنا مصدر من الإدارة أيضا.
مدير المستشفى كمال بن يسعد ذكر في اتصال بالنصر، بأن  المجلس العلمي اتخذ إجراءات مستعجلة، حيث تقرر تسخير كل طبيب من درجة بروفيسور في كل مداومة سواء ليلية أو نهارية رفقة  عدد من الأطباء المساعدين، فيما خصص الوالي ومدير الصحة 30 طبيبا عاما من المؤسسات الصحية العمومية وكذا الجوارية، للتكفل بالمناوبات، في حين يتم التكفل بالمرضى المقيمين في الأقسام من طرف الأخصائيين.
وأضاف، بأن وزير الصحة قد أرسل تعليمة صارمة، تتعلق بتعليق قوائم الأطباء المقيمين المداومين في كل مصلحة، باعتبار أنهم أطباء عاملون يتلقون أجورا كما تم  تبليغهم بصفة شخصية بتاريخ المناوبة، وفي حال حدوث أي حادث أو تسجيل حالة إهمال أو شكوى  فإن كل متخلف عن المناوبة سيحال على العدالة مباشرة  ، مشيرا إلى أن الجميع بالمؤسسة قد اتحد حاليا لمعالجة الاختلالات المسجلة وتجنب ما وصفه بالكارثة، لاسيما وأن المؤسسة تستقبل مرضى العديد من الولايات المجاروة.
وأشار المتحدث، إلى أن العديد من الأطباء أودعوا عطلا مرضية، بسبب الضغط الكبير، حيث ذكر بأنه وعلى سبيل المثال فإن مصلحة جراحة الأعصاب تتوفر على 6 أخصائيين فقط ولا يمكنهم تغطية المناوبة طيلة شهر بمفردهم، وهو الأمر الذي استنزف قدراتهم، مؤكدا بأن حوالي 100 طبيب مقيم قد تراجعوا عن الإضراب وقدموا طلبات كتابية بذلك، وبعضهم يداومون حاليا في مصالح الاستعجالات الطبية الجراحية والإنعاش وأمراض السكري والجهاز الهضمي، في حين  تم دفع أجور كل من تراجع عن الحركة الاحتجاجية، وأكد  بأنه تم تبليغ مسؤولي الأمن وكذا وكيل الجمهورية عما يحدث بالمستشفى وتم إبلاغنا باتخاذ جميع الاجراءات القانونية اللازمة لتحويلهم للعدالة.
لقمان/ق

الرجوع إلى الأعلى