الإنتاج الإباحي على الانترنيت يعيد بناء التصوّرات الاستعمارية القديمة
أصدرت مجموعة من الباحثين الأوروبيين كتابا جديدا يؤرخ لجرائم الاستعمار الجنسية في حق الشعوب المستعمرة، من خلال أكثر من ألف من الصور والرسومات واللوحات من القرن السابع عشر إلى اليوم، حيث يسعى أصحابه إلى بناء تصوّر عن التاريخ من منظور النّوع الاجتماعي، في حين يؤكدون بأن الإنتاج الإباحي والسياحة الجنسية استعادة للتصوّرات الاستعمارية القديمة.
وقام بإنجاز المُؤلف الجديد الموسوم بـ»الجنس، العِرق والمستعمرات»، كل من المؤرخ باسكال بلونشار ونيكولا بانسيل وجيل بوتش ودومينيك توماس وكريستال تارو، حيث سبروا أغوار ستة قرون من تاريخ الإمبراطوريات الاستعمارية، بدءًا من حملات الغزاة الاسبان الذين «استكشفوا» العالم الجديد ومرورا بالنظام العنصري تجاه الأفارقة الأمريكيين في الولايات المتحدة، لينتهي بمرحلة إنهاء الاستعمار. ويخوض هذا الكتاب، بحسب ما ورد في نبذته التعريفية، في تاريخ معقد ومدرج ضمن الطابوهات. ويعيش العالم إلى اليوم انعكاسات هذه التصورات الاستعمارية حول موضوع الجنس في المستعمرات، من خلال التحديات التي يفرضها عصر ما بعد الاستعمار، وفي قضايا الهجرة واختلاط الهويات، بحسب أصحاب المُؤَلّف.
ويكشف هذا الكتاب عن إنتاج غير معقول من الصور التي صنعت النظرة الإكزوتية للعالم الغربي عن الآخر، حيث سعى مؤلفوه إلى وضع مشهد بانورامي شامل عن هذا الماضي المجهول والمنسي، من خلال تتبع تاريخ الهيمنة على الأجساد خطوة بخطوة. ويقع الكتاب، الصادر عن دار الاكتشاف بفرنسا، في 544 صفحة، حيث وصفت جريدة «ليبيراسيون» في تقديمها له الصور الموجودة فيه بالوحشية، كما أورد نفس المقال بأن العبارات المدرجة فيه من قبيل «التنميط العرقي» تفقد وزنها أمام العنف الكبير للتصورات الاستعمارية التي تبرزها الصور التوضيحية، ويبدو فيها رجال بيض يعبثون بأثداء نساء داكنات البشرة وبأجسادهن بشكل إيروتيكي عنيف يسبب الدّوار للقارئ.
ويضم المؤلَّف صورا تؤرخ لجرائم الاغتصاب والتنكيل بأجساد جزائريات من طرف المستعمرين الفرنسيين أيضا، حيث يقول المؤرخ باسكال بلونشار الذي أشرف على العديد من الأعمال الوثائقية التاريخية من قبل في حوار مع جريدة «ليبيراسيون»، أنه «ينبغي الكشف عن البورنوغرافيا التي استعملتها القوى الاستعمارية من أجل خلق مكان آخر يكون كل شيء فيه مباحا، حتى يتمكن العالم من هدم مخيالٍ ما يزال حاضرا إلى غاية اليوم». وقد وصف نفس المصدر الاستعمار بالقول «هذه الصور دليل على أن الاستعمار لم يكن إلا رحلة سفاري جنسية»، ليضيف في رده على الأسئلة بأن الدعارة كانت في مركز العملية الاستعمارية، مشيرا إلى أن رمز المرأة استعمل دائما ككناية عن المستعمرات، ومؤكدا بأن «العُرْيَ» كان واحدة من وسائل الترويج للاستعمار.
الغربيون كانوا يرون بأن اغتصاب الأطفال مباح في المستعمرات

ونبه المؤرخ إلى أن الصور المتداولة منذ القرن الخامس عشر تقدم دائما جنة أرضية مأهولة ببشر بدائيين بأجساد عارية تنتمي إلى الطبيعة وهي تحت تصرف المستعمِرين الغربيين، الذين كانوا يسافرون إليها وهم يشعرون بأن القيم الأخلاقية تسقط بمجرد الوصول ليصبح كل شيء مباحا، على غرار الاغتصاب والتعسف الجنسي واغتصاب الأطفال. وأشار نفس المصدر إلى أن ثمانين بالمائة من الصور المدرجة ضمن الكتاب غير موجودة في أي من المتاحف، لأنها كانت مخفية أو منسية ومجهولة.
واعتبر بلونشار بأن المخيال الجنسي عن الآخر لم يتغير إلى اليوم، حيث قال إن المنظورات نحو الأمور تتغير وتتطور من جيل إلى جيل، مضيفا بأنه ورغم أن اختلاط الأجناس صار مرجعية في الإشهار، إلا أن العالم لم يتخلص من هذا الإرث، مشيرا إلى أن الإنتاج الإباحي عبر الانترنيت يسترجع ويعيد بناء تصورات الهيمنة التي كانت مسجلة في الحيز الاستعماري، كما أنها تصبح بنودا مرجعية في الثقافة البصرية في أفلام المانغا أو موسيقى الراب أو السينما أو الأدب الإيروتيكي. وأضاف المعني بأن الأنماط الاستعمارية موجودة أيضا في السياحة الجنسية في دول الجنوب، مشددا على أن الخيالات الاستعمارية لم تَمُت بعد، لكنها اتخذت، بحسبه، انعكاسات في أشكال جديدة داخل الثقافة المُعَوْلَمَة.
ويرى المؤرخ بأنه يجب طرح السؤال على الفنانين من أجل التخلص من النظرة الاستعمارية، حيث نبه بأن الفصل الأخير من الكتاب يمنحهم الكلمة لمعرفة طرق تفكيك هذه المنظورات القادمة من الماضي الاستعماري، معتبرا بأن هذا الكتاب حول الجنس في المستعمرات لا يمثل إلا البداية ليفهم العالم بأنه واحدٌ من القوالب المؤسِّسة للعالم المعاصر.          
 سامي حباطي

الرجوع إلى الأعلى