جمعت أول أمس الطبعة الجديدة من «القعدة» التي دأبت على تنظيمها جمعية الإشعاع الفكري بكركرة، و احتضنها فندق بوقارون بالقل، شملت أدباء وشعراء و أكاديميين من منطقة إقليم القل غرب بولاية سكيكدة، و كان محور اللقاء عرض رواية « أرض ترفض التسطيح» للدكتور لمين ساسان، المقيم ببلجيكا.
 الكاتب قدم عملا روائيا بأسلوب جديد، يحمل الكثير من الرمزية و الرواية الذهنية المشحونة بطاقة فلسفية، مع توظيف نوع من الخيال العلمي، بإدخال مصطلحات تقنية في التناص، تعكس التخصص الأكاديمي للروائي ساسان الذي لا يزال يبحث عن نفسه، و عن مكان تحت سماء الرواية،
و تعكس الرواية سيرة ذاتية انطلاقتها من منطقة إقليم القل و مركزها مدينتا بروكسل و شارلورا ، أين يقيم الروائي ، و نهايتها تساؤلات حضارية حول طريقة مالك بن نبي ..
 و قدم الدكتور ساسان  قراءات في التضاريس الجبلية الصعبة لإقليم القل الكبير، التي تحاكي مقومات الجمود و مجابهة التطور و عرقلة التغيير على مستوى الجزائر كحيز جغرافي و ثقافي، من خلال استحضار الأنثروبولوجيا و التراث و التاريخ و الرياضيات، بمقارنة مرجعية مع الحضارة العقلانية الغربية، انطلاقا من النموذج البلجيكي.. و هو بذلك يقدم عملا يعبر عن الاغتراب و التمزق الذي يعيشه المثقف المغترب ذو التفكير الديكارتي بحكم تخصصه الأصلي في الإلكتروـ تقنية و معايشته للواقع الممتد بين ضفتي المتوسط بنظرة نقدية مركزها المطحنة الحجرية التقليدية كأداة و منتج حضاري يعبر عن ديمومة الحياة و تعقدها عبر مراحل دورة الحياة و الحضارة من الطفولة إلى الشيخوخة ، و من قرية «قياطين»  بالقل إلى «بروكسل» ببلجيكا.
الطبعة الجديدة من «القعدة» عرفت حضورا مميزا، مع  تقديم أعمال إبداعية تراوحت بين القراءة التاريخية للأستاذ أحمد لكحل من خلال كتابه تحت الطبع « الاحتلال الفرنسي لإقليم القل»  والقراءة الشعرية للشاعر مسعود حديبي، صاحب عدة إصدارات شعرية، منها «النوايا»  التي قرأ قصائد منها، تناول فيها بالنقد أحد الشعراء، وعلق  الشاعر مسعود حديبي بأنه  مهما تقدم في الكتابة ،لم يصل بعد إلى مصاف الشعراء الكبار، رغم أنه من الرعيل الأول للكتاب و الشعراء الجزائريين في سنوات السبعينيات، وتحول في الفترة الأخيرة إلى كتابة شعر الهايكو وله مطبوع تحت عنوان» البحر يفوض أمرا للرياح» وقال أن تحوله إلى كتابة شعر الهايكو الذي لا يزال غير مرغوب فيه، حسبه،  عبارة عن استراحة محارب فقط.
أما الشاعر عبد الوهاب نحنوح فجال بقراءات شعرية مميزة ، إضافة إلى حضور الشعر الشعبي من خلال قراءات عبد الوهاب بوناب.  
إلى جانب حضور  القراءة النقدية للتناص في ترجمة رواية «نجمة» لكاتب ياسين من توقيع الدكتورة بن علي محمد سميرة من جامعة سكيكدة، إلى جانب التطرق لموضوع البؤس الحضاري من قبل الدكتور بكوش عبد الله من جامعة سكيكدة ، من خلال مشروع كتابه الذي يحمل عنوان  قراءات نقدية للتراث «عبر دراسة أفكار كل من مالك بني والجابري.   
و  استهل النقاش بعد ذلك الدكتور الهادي بوالقلقول من جامعة عنابة ابن قرية عين أغبال  بالقل  بمساهمة نقدية، و التي بين فيها تقاسم المثقفين و الأكاديميين لهوس وهم العطالة الحضارية؛ بين قيم أخلاقية منبثقة من الموروث الحضاري الممتد نحو الشرق و القيم الجمالية المتأتية من الغرب و الواقع المرير الذي لم يأخذ لا بذلك و لا بتلك، مما انعكس على فئة كبيرة من المجتمع قدر لها العيش في انفصام بين ما تؤمن و تحلم به و بين مرارة الواقع المعيش، و هو الأمر الذي خلق اغترابا يتقاسمه المقيم هنا و المقيم هناك في بلاد المهجر .
كما أشار الدكتور بوالقلقول  إلى واجب المبدعين و المثقفين و الإعلاميين من أبناء المنطقة في تصحيح بعض المفاهيم و المصطلحات التي يتم تداولها على الشيوع و منها مصطلح  «المصيف القلي» كترجمة حرفية للعبارة الفرنسية le massif de Collo و التي تعني «مرتفعات أو أعالي القل» و هو إجحاف، حسبه  و اختزال و تقصير تعبيري في حق إقليم كان يمتد من الحدائق إلى واد زهور، و من البحر إلى قمم سيدي ادريس(و هي حدود دائرة القل في العهد الاستعماري و حتى البداية السبعينيات من القرن الماضي la sous-préfecture de Collo )، إقليم يرفض الاختزال في «فصل الصيف» ، بل هو «إقليم الفصول الأربعة»، به أكبر منطقة للتساقط في الجزائر و أعلى نقطة بحرية،  ربيعه أجمل من ربيع المناطق الاستوائية، وتضاريسه ، كما أبناؤه رفضوا بالأمس و يرفضون اليوم و غدا التقزيم و التسطيح و الانبطاح.
كما برز من خلال تدخلات الحضور، الصراع القائم  حول الهوية واللغة من خلال الأعمال المكتوبة بالفرنسة والعربية، فيما خلص الجميع  على ضرورة التوثيق  وتوسيع دائرة المشاركة في التظاهرة.
 بوزيد مخبي

الرجوع إلى الأعلى