ياسين سليماني

لا يعرف الكثيرون في الجزائر ولا في الساحة العربية «هيلين سيكسو» على الرغم من أنها اسم مهم في  الأدب والمسرح والرواية كما أستاذة في البلاغة ولدت في وهران وتربت فيها والدها هو الدكتور جورج سيكسو ولد في وهران وتوفي في العاصمة الجزائرية عام 1942. وهي معروفة بالتزامها في الدفاع عن قضايا النسوية إذ يصفها البعض بفيلسوفة نسوية. وقد كتب عنها بعض النقاد أنها شاركت في كل حروب التحرير: حرب الجزائر، البلد الذي ولدت فيه، والحرب ضد تقاليد جامعية بالية، والحرب ضد السلطة الذكورية على النساء.

وقد يكون البعض يعرفها أكثر من خلال كتابها «أشرعة» أو Voiles  الذي كتبته بالاشتراك مع «جاك دريدا» ونشر عام 1998 عن منشورات غاليلي بفرنسا إلاّ أنها في الحقيقة اشتهرت بمقالتها «ضحكة الميدوزا» أو ‘’Le Rire de la Méduse والتي «جعلتها واحدة من المفكرين الأوائل في النظرية النسوية ما بعد البنيوية، وإليها يُنسب تأسيس أول مركز للدراسات النسوية وذلك بباريس» وهي تعلن بشكل واضح: لن يملك أحدنا سوى أن يُصدم بما يجده بعد مهمة استكشافية لا جدوى منها. نعم، إن عدد الكاتبات قليل جداً في شكل يدعو إلى السخرية، على رغم التزايد الملحوظ في ظهور الكاتبات منذ القرن الـ19 إلى اليوم. لأن هذا التزايد لا قيمة له، بل هو مضلل في حقيقة الأمر، إلا إذا استثنينا منه الغالبية العظمى من الكاتبات اللواتي يقلّدن كتابات الرجل، ويحجبن المرأة أو يصورنها بالصورة القديمة نفسها في الكلاسيكيات «حساسة، حالمة، وتعتمد على حدسها لا على المنطق»

وقد حصلت على مجموعة من درجات الدكتوراه الفخرية من جامعات شهيرة في أوروبا والولايات المتحدة وكندا . تأثرت في كتاباتها إلى جانب جاك دريدا بكل من فرويد وجاك لاكان وموريس بلانشو.
علاقتها شديدة الخصوصية بجاك دريدا، ذلك أنهما كانا فرنسيين ولدا في الجزائر من أصول يهودية، وقد ناقشت هذا في كتابها: «بورتريه جاك دريدا: قديس يهودي صغير». وهو يقول عنها: «تتم ترجمة نصوص هيلين في جميع أنحاء العالم، لكنها لا تزال غير قابلة للترجمة. نحن كاتبان فرنسيان يزرعان علاقة غريبة، أو علاقة مألوفة بشكل غريب مع اللغة الفرنسية، فنحن أكثر رسوخًا في اللغة الفرنسية من أولئك الذين لديهم جذور أسلاف في هذه الثقافة وهذه الأرض» كما جاء في كتابها الحواري معه. أما هي فتقول عنه: « في كتابات دريدا يُغالبُ الشعرُ الفلسفةَ».
ما يهمنا هنا هو عالم المسرح الذي دخلته سيكسو، فهي مؤلفة مسرحية ظهرت كتاباتها بشكل أساسي ضمن «مسرح الشمس» الذي أبدعته أريان منوشكين حيث تشاركت المرأتان في تقديم عدة عروض مسرحية الأولى كمؤلفة والأخرى كمخرجة. وكتاباتها تحظى باهتمام كبير في فرنسا وغيرها مثل : «روان: الليلة الثلاثون من ماي»، «التاريخ الذي لن نعرفه أبدا».
نالت مسرحيات سيكسو مجموعة من أرفع الجوائز في فرنسا. ففي 1994 نالت مسرحيتها: la ville parjure  جائزة النقاد لأحسن عرض 1994: من إخراج أريان منوشكين ثم نالت عام 2000 الجائزة نفسها مع المخرجة نفسها عن مسرحية «الطبول على السد».وفي عام 2009 نالت جائزة أفضل إبداع مسرحي لنص باللغة الفرنسية عن المسرحية التي سنتحدث عنها بعد قليل. كما نالت في سنة 2014 جائزة مارغريت دوراس وجائزة اللغة الفرنسية ثم بعدها بسنتين نالت جائزة مارغريت يورسنار التي نالتها عن مجموعة أعمالها.

 
يمكننا أن نتحدث عن بعض مسرحياتها كبطاقة تعريفية أو مدخل إلى العالم المسرحي لهذه الكاتبة، خاصة مسرحيتها الناجحة Les Naufragés du Fol Espoir أو «محطمو كذبة الأمل» التي أخرجته أريان منوشكين، فهذه مسرحية مبنية على مستويين اثنين من الحكي، يدور المستوى الأول من القصة في عام 1914 حيث نجد فريق من السينما الاشتراكية يتقدمهم جون لاباليت مع أخته غابرييل ومساعدهما توماسو يشرعون بإنجاز فيلم صامت تجري أحداثه بين سنتي 1889 و1895. وقصة الفيلم هي القصة الثانية في المسرحية،  قصة ركاب السفينة الذين غادروا كارديف ولكنهم واجهوا خطر الغرق وهم في الطريق. تواجه هذه المجموعة غير المتجانسة والمكونة من المهاجرين والاشتراكيين الطوباويين والمدانين والأعيان الفرصة لإقامة عقد اجتماعي لبناء مجتمع جديد ، يعتقد البعض منهم أنه يمكن أن يكون بوتقة تنصهر فيها جميع أحلامهم ومثلهم العليا.
تصوير هذا الفيلم الذي يهدف إلى أن يكون حكاية سياسية بهدف تثقيف الجماهير يبدأ يوم قصف سراييفو في 28 جوان 1914 وينتهي في اليوم التالي لاغتيال الزعيم الاشتراكي جان جوراس في 1أوت  1914 أياما قليلة جدا قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى. إن تراكب هذين التاريخين والقصتين وكذلك المسرح والسينما والألم والأمل الذي يمتد طوال هذه المواجهة بين الحدثين يجعل هذا العرض  كما يقول البعض «يوتوبيا مركزة». وهو العرض الذي قال عنه المؤلف الموسيقي صاحب المرافقة الموسيقية أنه دعا أو استدعى فيه روح جميع أجداده العظماء:
ينتهي العرض بجملة مركزة وذات دلالة، قد تكون اختصارا لكل أفكار العمل، يحيث يقول جميع الممثلين: «في هذه الأيام المظلمة لدينا مهمة: إحضار السفن التي تتجول في الظلام نحو الوهج العنيد للمنارة»، نال هذا العرض عام 2010  ثلاثة جوائز رفيعة في فرنسا: جائزة موليير للمسرح العام، وجائزة موليير لتصميم الملابس نالتها ناتالي توماس وماري هيلين بوفيت وآني تران وجائزة اتحاد النقاد لأفضل إبداع مسرحي في اللغة الفرنسية. وفي عام 2011 تمّ تحويل المسرحية إلى عمل سينمائي.
تشتغل هيلين سيكسو على الكتابة المسرحية كمن تحيك زربية شديدة الجمال بألوان متنوعة تحرص جديّا على عدم اختلاط لون بلون آخر، وبحرص ثاقب ألا تختلط كرات الصوف ببعضها. في هذا العرض، وفي أعمالها الأخرى تظهر قراءاتها الجيدة للتاريخ وانتباهها للتفاصيل الإنسانية والمعرفة بالروح البشرية، دراستها للظاهرة الإنسانية والاجتماعية بالغة التعقيد وتمكنها من إدارة جميع جزئيات العمل الفني بتناسق وتناغم شديد الدقة مع لغة شديدة الثراء والتنوع ومعرفة متميزة بمستوياتها لا يمكن أن يكون إلاّ سمة لكاتبة بارزة قد يكون من حظها أن نالت كل هذه النجاحات في غير بلادها كما قد يكون من سوء حظنا أن الكثير منا يعيش في الزمن نفسه الذي تعيش فيه سيكسو دون أن يتقاطع مع عالمها.

ي.س

الرجوع إلى الأعلى