محمّد بورويسة واِستعادة «جوانفيل» بالبليدة في روضة كلباء بالإمارات
قامَ الفنان والفوتوغرافي الجزائري المقيم في فرنسا محمّـد بورويسة في عمله «بليدة-جوانفيل» الّذي عُرض في روضة كلباء، ضمن فعاليات بينالي الشارقة 14، بإنشاء مقاربة بين العمارة والتفكير العقلي، عبر مؤسَّستين: مصحّ للأمراض العقلية يتمثّل في مستشفى «جوانفيل» بالبليدة وروضة مهجورة بمدينة كلباء الإماراتية، حيث اِستعاد الهيكل المعماري لجوانفيل بكلّ ما يحملُ من إيحاءات نفسية حول طبيعة المكان، ودمجَ الهيكل الهندسي لغُرف وقاعات المصحة بحجرات وساحة الروضة المهجورة، مُتتبعاً مسارات العلاج من خلال تيمة رسم النباتات والأشجار والأزهار، أين يبرزُ الاِنطباع الذاتي الّذي يجمع بين المؤسستين في طريقة التفكير عبر تحفيز الذاكرة والعواطف، وتتبع نموذج العناية بالنباتات كوسيلة لعلاج المرضى عقلياً وإسقاط ذلك على الرسومات التي تنتشر في روضات الأطفال وتكون جلها حول الطبيعة والخضرة ونباتات المنطقة.
خالد بن صالح
اِستعادةُ جوانفيل لا تتعلق بهذا الجانب فحسب، إنّما هي اِستعادة أيضاً لفرانز فانون الطبيب النفسانيّ والفيلسوف الاِجتماعي، الّذي عملَ رئيساً لقسم الطبّ النفسي في مستشفى البليدة جوانفيل قبل اِلتحاقه بالثورة الجزائرية، واكتشف آنذاك أنّ القمع الاِستعماريّ كان أحد أهمّ أسباب إصابة بعض الجزائريّين بالجنون، وأنّ وضعهم يتفاقم ويتعقد بسبب اِستخدام الأساليب التقليدية في التعامل مع المرضى، مثل العلاج بالصدمات الكهربائية. مِـمّا دفعه رفقة الأطباء والممرّضين الذين اِشتغل معهم إلى تطوير أساليب جديدة في العلاج.
العمل التركيبي الّذي جسده بورويسة بتكليفٍ خاص من بينالي الشارقة، يتمثّل في سلسلةٍ من ورش العمل لإحياء روضة أطفال مهجورة في كلباء. ويستند على مفاهيم تتعلق بالحـضور الجسدي للمُتلقي ليعيد اِكتشاف المكان ونفسية المجتمع، باِستحضار الفنان لتاريخ المؤسستين، من خلال بناء هيكلٍ خشبيِّ ثلاثي الأبعاد يتطابق ومُـخطط مستشفى فرانز فانون للطب النفسي في مدينة البليدة، وفرضه على الهيكل الحالي لروضة كلباء رغم التباعد الزمني والجغرافي للمكانين. لكن بورويسة يُقارب بين المستشفى النفسي ومدرسة الأطفال المهجورة اِستناداً على مفهوم الفيلسوف ميشيل فوكو لـ»الهيتروتوبيا»، وهو مصطلح يستخدم لوصف المساحات التي تكون متوازية إلى حدٍ ما، ولكنّها من بيئات «مُـخـتلفة»، وترتبطُ بمفاهيم اليوتوبيا، إمّا عن طريق تحويل الفضاء المثالي إلى أنموذج حي أو الاِحتواء غير المرغوب فيه لجعل هذا الطموح مستحيلاً. وهنا تستعيد النباتات الـمُتناثرة على اِمتداد الروضة ذاكرة بوعلام محمّـد، الّذي كان مريضاً في مستشفى فانون واعتمد البستنة كشكلٍ من أشكال العلاج. اِبتدع بورويسة أيضاً ورش عمل لطُلّاب من كلباء، وقام بدعوتهم إلى رسم صور غرافيتي للنباتات المحلية على جدران روضة الأطفال، وبذلك نقل ما يفكّر به وربط المؤسستين المختلفتين في التأهيل والتعليم.
بطاقة فنية
محـمّد بوريويسة، مواليد البليدة بالجزائر، عام 1978، يعمل ويعيش حالياً في باريس، عُرضت أعمال بورويسة في العديد من المعارض الفردية منها: ركّاب حضريون، متحف الفن الحديث لمدينة باريس (2018)؛ غضب التنين، استوديو 13/16، مركز جورج بومبيدو، باريس (2018)؛ ركّاب حضريون، فيلادلفيا، الولايات المتحدة (2017)، وصخب، متحف ستيديليك، أمستردام (2016). ظهرت أعماله في العديد من المعارض الجماعية منها: بينالي ليفربول (2018)، آرل، فرنسا (2017)؛ بيرلي هانغاربيكوكا، ميلان (2017)؛ وبينالي الشارقة 13 الفصل الثاني، مركز بيروت للفنون (2017)، وغيرها. تشكل أعماله جزءاً من مقتنيات متحف ستيديليك، أمستردام؛ متحف فيلادلفيا للفنون، الولايات المتحدة؛ مركز جورج بومبيدو، باريس؛ المتحف الوطني لتاريخ الهجرة، باريس؛ صندوق الفن الدولي، المملكة المتحدة، والبيت الأوروبي للتصوير الفوتوغرافي، باريس.
حصل بورويسة على جائزة مؤسسة بريكس فونداسيونبلاتشير، آبت، فرنسا (2010)؛ المركز القومي للفنون التشيكيلة، باريس (2008)، الملتقى الدولي للتصوير الفوتوغرافي، آرل (2007). بعد حصوله على شهادات من جامعة السوربون، باريس (2005)، والمدرسة الوطنية العُليا للفنون الزخرفية في باريس (2008)، تدرب بورويسة في استوديو الفنون الوطني بفرنسا (2008-2010).

الرجوع إلى الأعلى