المخرجون المغتربون نجحوا فيما فشلت فيه السينما المحلية

وصف الناقد السينمائي أحمد بجاوي مستوى النقد الفني للأفلام الجزائرية بالرديء الى حد معين، مرجعا السبب في ذلك الى ضعف قطاع السينما عموما و غياب صناعة حقيقية قادرة على إنتاج أعمال كبيرة، كما تطرق في حوار خص به النصر، على هامش مشاركته في افتتاح  نادي السينما لبلدية الخروب مؤخرا، إلى واقع سينما المغتربين نوعيتها و دورها، و تحدث عن جديد أعماله و مساهماته المكتبية.

النصر: الهجوم على الأعمال السينمائية الجزائرية و التجريح تحول إلى سمة غالبة في مجال النقد الفني لماذا؟
ـ أحمد بجاوي: هو تحصيل حاصل كما يقال الرداءة تنتج الرداءة و السينما الجزائرية حاليا تعيش مرحلة تقهقر، فهي لم تعد قادرة على صناعة فن يرقى إلى مستوى يرتقي معه النقد ، و السبب هو غياب سياسة سينمائية واضحة نحن متأخرون من ناحية الإنتاج و التوزيع و الترويج للأعمال، ما جعلنا نتراجع في وقت كان يفترض أن نكون روادا للسينما في المنطقة خصوصا و أننا نملك موروثا هاما يعود لسنوات ما بعد الاستقلال.حاليا النقد سطحي غير مبني  على حجج فنية و تقنية، يميل أكثر إلى الهجوم بدافع العاطفة و الانسياق خلف الذوق العام، و السبب هو  نوعية الأفلام التي لا تقدم سيناريوهات في المستوى المطلوب، وكذا مستوى الأعمال عموما، إخراجيا و فنيا، و لذلك فإن تطور مستوى النقد الفني في الجزائر مرهون ببناء صناعة حقيقية.
ـ لماذا يهاجم المخرجون المغتربون و تتهم أعمالهم بالسطحية و تقديم صورة خاطئة عن المجتمع؟
ـ هم لا يهاجمون من قبل الجميع بل من طرف أعداء الإبداع، شخصيات منغلقة منعزلة الآراء متعصبة لجهويتها، لكن عموما أنا من الأشخاص الذين يشجعون المبادرات أيا كان أصحابها و هؤلاء المخرجين يقومون بعمل يستحق الثناء لأنهم في النهاية يساهمون في إنتاج فن هويته جزائية، و حتى و إن كانوا مغتربين فهم من أبناء هذا الوطن و ليسوا بغرباء عن ثقافته و عاداته  السينما لا تعترف بالانتماء لأنها تتحدث لغة العالم، هم بالعكس يقدمون إضافة نوعية  يناقشون قضايا اجتماعية واقعية و السينما هي مرآة عاكسة لواقع معاش بكل تناقضاته و لا يمكن إدراجها في خانة الفن إذا لم تكن متحررة.
من جهة ثانية يعد من الإجحاف فعلا أن نغلق الأبواب في وجه أبناء الجزائر المغتربين لأن تعبيرهم الصريح عن انتمائهم لهذا الوطن و ميلهم إلى خدمة فنه كثيرا ما يضعهم أمام ضغوطات كبيرة في الخارج، فضلا عن ذلك فان بعض الأعمال التي أنجزها مخرجون سينمائيون مغتربون حتى و إن كانت قصيرة أو وثائقية حققت النجاج و كسبت الرهان في مهرجانات و مناسبات دولية عكس أعمال أخرى أنجزها مخرجون محليون بميزانيات ضخمة لكنها فشلت في إعادة الجمهور إلى القاعات.
 ـ هل صحيح أن السينما الجزائرية لا تجيد السباحة عكس تيار الثورة؟
ـ هذا مما قصدته بأن السينما لا تكون فنا إذا لم تتحدث لغة المجتمع، صحيح أن السينما الجزائرية حققت النجاح و بلغت العالمية من خلال أفلام الذاكرة ، كالأفيون و العصا و معركة الجزائر و أفلام أخرى عددها 13 فيلما ثوريا، لكنها أيضا استطاعت أن تصنع أفلاما اجتماعية درامية ناجحة بعد الاستقلال، بل بالعكس ما أنتجته السينما في هذا المجال ساهم في خلق جمهور ذواق عشق الفن السابع و تشبع بثقافته في مرحلة معينة، المشكل يكمن في ضعف الحوار ضعف السيناريو و غياب الترويج اللازم للأعمال على اختلافها.
ـ الأعمال الثورية أو أفلام الذاكرة هل كسبت الرهان، و لماذا  تثير الجدل في كل مرة؟
ـ نعم كسبت الرهان لأن السينما الثورية أوصلت قضية الجزائر المستقلة إلى الرأي العام العالمي، و مجدت الثورة و فضحت الاستعمار و هزمته في معركة الدعاية و الصورة، كما أنها استطاعت أن تربط علاقة احترام و تقديس بين الجزائري و ثورته من  أجل التحرر، و لا تزال الى غاية اليوم قادرة على كسب إعجاب و احترام المشاهد الجزائري لأفلامها.
أما عن الجدل الذي تثيره صناعة هذه الأفلام الآن، فهو راجع لجملة من الأسباب أولها ضعف المراجع ضعف السيناريوهات و الحوار، و بالأخص غياب الثقافة السينمائية لدى البعض، فالأفلام السينمائية ليست وثائقيات لا تقبل الخطأ أو الزيادة و النقصان، وهو ما لا يفهمه البعض أفلام الذاكرة لا تمجد الأشخاص بقدر ما تبرز الجانب الإنساني و الثوري فيهم، وهذا لا يعني بأنها لا تتحمل الإضافات النابعة من وحي الخيال و تصورات مستقلة لبعض الأحداث و بعض الشخصيات.  
ـ لماذا تعارض في كل مرة مطلب استرجاع أرشيفنا السينمائي من الخارج؟
ـ أنا لا أعارض استرجاعه، بل أقول دائما أننا قبل أن نطالب به لا بد من أن نوفر الإمكانيات اللازمة للحافظ عليه و تثمينه ، فنحن لا نملك متاحف متخصصة و لا مخابر تتوفر على غرف تخزين مهيأة و لا نملك استوديوهات تتكفل بعملية الترويج لهذا الموروث الهام و التعريف به و تسويقه.
 ـ إشكالية السينما في الجزائر هل هي الإنتاج أم الجمهور؟
ـ السينما الجزائرية ضحية ظروف اجتماعية و أمنية جعلت الجزائري يفقد اهتمامه بها و يقزم دورها، فالجمهور لا يزال يعيش القطيعة مع السينما بالرغم من انتهاء العشرية السوداء، و عودة الحياة إلى قاعات العرض المتوفرة، مع ذلك فقد كون هذا الجمهور علاقة أخرى مع التلفاز و ما عاد يملك ثقافة سينمائية.
من ناحية ثانية إعادة الجمهور إلى القاعات مرهون بتوفيرها، ما هو موجود حاليا من صالات عرض في الجزائر غير كاف، ترقية الثقافة السينمائية و ترسيخها، يتطلب جهودا أكبر، إنفاقا اقل و استثمارا أكبر في إنشاء قاعات السينما و استوديوهات و مخابر الإنتاج و التوزيع.
ـ هل تعمل حاليا على مشروع كتاب جديد بعد « السينما و الثورة»؟
ـ أجل يمكن القول بأنني متفرغ حاليا للكتابة بشكل كامل، فقد أدركت من خلال احتكاكي بطلبة الدكتوراه بالجامعة بأننا نعاني حقا من شح في المراجع، ومن مسؤوليتي كمثقف أن أسهم في إثراء المكتبة السينمائية الجزائرية، لدي مشروعان الأول عبارة عن قاموس يجمع أهم الأعمال السينمائية العالمية التي تحدثت أو تطرقت للثورة التحريرية الجزائرية، عملت خلاله على جمع ألف بطاقة لأفلام تناول حرب التحرير.أما الكتاب الثاني فيحمل عنوان السينما و الأدب العربي، يفترض أن يتم إصداره قبل افريل القادم، ليقدم خلال ندوة خاصة في إطار فعاليات عاصمة الثقافة العربية قسنطينة، العمل كتب افتتاحيته وزير الثقافة، و جمع مقالات لصحفيين و مراسلين عرب تناولوا السينما الجزائرية بالنقاش أو النقد عبر صفحات جرائدهم.
حاورته: نور الهدى طابي

الرجوع إلى الأعلى