صدرت مجموعة شعرية جديدة للشاعرة والكاتبة نصيرة محمدي، حملت عنوان «نسيان أبيض»، وضمت 35 نصا شعريا، وتوزعت على مدار 88 صفحة. المجموعة التي صدرت عن منشورات ضفاف/ لبنان، ومنشورات الاختلاف/ الجزائر، جاءت بإهداءٍ صغير وبليغ في حنانه وشجنه رفعته الشاعرة إلى والدتها الراحلة. كُتبت النصوص بين عامي 2015 و2016، وبين الجزائر وباريس، ومن بين عناوين النصوص نجد: «شغف»، «وحده الحزن ملاذ»، «امرأة جارحة»، «نسيان أبيض»، «تركته على منحدرات آلجي»، «الدائرة الخامسة عشرة»، «هل تراني أيّها الموت»، وغيرها من العناوين التي انشغلت وانشغفت بالحبّ والجسد والحياة.
فاتحة الديوان، كانت قصيدة بعنوان «ذاكرة هشة»، وهي قصيدة مشتركة بين الشاعرة نصيرة محمدي والشاعرة السورية بسمة شيخو، كُتبت خلال إقامات الإبداع التي أقيمت على هامش فعاليات تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية 2015.
نصوص المجموعة حفلت بالعشق والأشواق المكدودة والغياب، والحنين، وانسكبت في نشيد الجسد، بنبرة خفوتة تارة ومتصاعدة تارة أخرى، تكلل لهفة لقاء قد يكتمل في بهجة عناق ناقص أو في غيمة خاطفة، وقد يتلاشى فيدمع قلب وتنجرح يد تورطت في لمسة واهمة. فــ»الرّوح لا تطلب من جسدها إلا المرافقة العذبة»، تقول الشاعرة في نصها المفتوح «وحده الحزن ملاذ». هذه الرّوح التوّاقة لمرافقة عذبة من الجسد، هي ذاتها الرّوح المعذبة بحالات الوجد والغياب والأرصفة الباردة في «آلجي» حينا وفي «باريس» أحيانا، والمعذبة أيضا بــ»الدهشات المسحوقة بأرجل الخيانة». هذه الخيانة التي تفصح عن اللاحب، تجعل الأشياء بلا معنى، بلا رفرفة وفاء في سماء القلب والحياة، «لا تنتظر أكثر، لم يعد للأشياء من معنى، وأنا في أعالي النسيان». لا معنى إذن للأشياء، المعنى/الملاذ، هو في أعالي النسيان. نسيان أبيض، مفتوح على ذاكرة تنبت فيها الأضداد والحياة وجراحات الوجود، ذاكرة تتسلق أعالي النسيان فتصابُ بداء التذكر. ذاكرة ينهال منها: الكون، الوجود، التاريخ الشخصي، والأحلام والأوهام الصغيرة التي تكبر على نشيد من جسد وروح. إنّه الجسد، «ميراث قرون من الآلام والانتصارات». ربّما يكفي القول أنّ نصوص نصيرة محمدي في مجموعتها الشعرية الجديدة «نسيان أبيض»، هي بالمجمل نصوص تنتصر لتاريخ الجسد والعشق، إنّه تاريخ الجسد والعشق حقا، الذي تحاول الشاعرة أن تنتصر له في كلّ نصوصها بدءً من ديوانها الأوّل «غجرية»، وصولا إلى ديوانها ما قبل الأخير «جسد الغياب» وحتى في ديوانها الأخير «نيسان أبيض».
ومن أجواء المجموعة نقرأ من نص «أضج بنساء كثيرات داخلي»:
«تسكنني توهجاتهن الشغوفة، حميمياتهن العطرة،
يطلقن الخرافات عاليا، يجسن سر الغواية
يستعدن معي الغياب والحضور
ويوغلن في استعارات خفية
أنا لست واحدة؛ جسدي كتاب
واسمي نشيد الأخريات
يمضي العاشق
عيناه ذابلتان
تئنان بصمت
وتلونان الشمس بشقائق النعمان
يمضي العاشق
ويرسل يده للأغصان
معانقة نهارا مشروخا
وترابا مبللا بالنرجس
الجميلون يقومون من مائهم
والموتى يهيمون في ملكهم ويشعون
العشاق أيضا يشعون في الهاوية
الرجال المحمّلون بالصقيع التفتوا إلى شمسي
كنت لا أعرف حياتهم تهوي في قلبي ولا أتفتت
قطفت الرمان، وعبرت بجسدي
أتلمس النائم يخرج إلى القمر
حافي الحلم، هامس الروح
أراه يصعد سلما أبيض
ويرتطم بسرير أسود
يتكسر جدار الظلمة من حوله
ينز دم من صوته
وتتساقط أزهار من سكونه
لست أرى سببا لجرح الرمان يا لوعتي
امنحني ليلة أخرى لأشع في نجوم مؤلمة
لأهب العطر الأسيان هذه الأنفاس
وأصمت في ضياء جارح.
للإشارة، أصدرت الشاعرة مجموعة مؤلفات منها: «غجرية»، «كأس سوداء»، «روح النهرين»، «جسد الغياب»، «سيرة كتابة»، «بجوارهم»/حوارات، وترجمة لأشعارها بالفرنسية:comme le noir se referme sur une étoile.، وحسب ما صرّحت به الشاعرة للنصر، فإنّه سيصدر لها هذه الأيام كتاب «إقامة حرة»، وهو عبارة عن مجموعة مقالات في الأدب والفن والحياة، كما سيصدر لها كتاب «صورة الرجل الشرقي في قصص غادة السمان». وهو عبارة عن دراسة تناولت فيها الشاعرة نماذج من صورة الرجل الشرقي في قصص غادة السمان.            نوّارة لحـــرش

الرجوع إلى الأعلى