المشاهد العربي مستهدف و شركات منظمة تروّج للعنف عبر الدراما
يرى عدد من السينمائيين و النقاد بأن موجة الترويج للعنف في الدراما العربية، ليست وليدة الصدفة و إنما تقف ورائها شركات تجارية متخصصة، هدفها الكسب، و ليس كما يعتقد البعض بأنها مجرّد نقل للواقع الذي باتت تطبعه الدموية و العنف بكل أشكاله.
الناقد السينمائي و رئيس تحرير موقع «إعلام دوت أورغ» المختص بشؤون الميديا بمصر محمد عبد الرحمان، اعتبر بأن العنف أصبح إشكالية لا حل لها، لأن هناك من يتهم السينما و يراها مروّجة للعنف، فيما يعتقد صناعها من سينمائيين و منتجين بأنهم ينصفون الواقع و يحاولون فقط توصيله للمشاهد عبر الشاشة، مضيفا بأن الأمر مرتبط بالمال و البحث عن تحقيق المزيد من الإيرادات و هو ما تحققه بسهولة أفلام العنف التي يزداد هواة مشاهدتها.
و يرى محمد عبد الرحمان بأن أفضل حل لمواجهتها هو إيجاد تيار مواز يجذب المشاهدين إلى الأفكار الجيّدة و المواضيع الهادفة، و القضايا الإيجابية، و أضاف قائلا بأن المتداول بين العامة أن ثمة شركات تدفع أموالا طائلة للترويج لمثل هذه الأفلام، باعتبار أن العالم الذي نعيش فيه تسيطر عليه شركات ضخمة يسيرها تجار السلاح و المخدرات و هو واقع لا يمكن إنكاره، إلى جانب تضاعف بعض  مظاهر العنف في الواقع و التي يعكسها تزايد انتشار «البلطجية» و «الفتوات» بما يوحي بانفلات  و غياب الأمن، و هو ما زاد من انتشار شركات الأمن الخاصة، المستفيد الأول من كل ما يتم الترويج له، لكن يبقى تأكيد حقيقة إن كانت فعلا  هذه الشركات تدفع للسينما للترويج للعنف صعبا لغياب الأدلة، و في كل الأحوال يبقى هذا النوع من الأفلام مربح لمنتجيه، و قد يكون السبب حسبه هو تراجع الجهات الحكومية كوزارات الثقافة عن تمويل إنتاج الأفلام، مما جعل الخواص يسيطرون على سوق الإنتاج في الفن السابع و الأخطر من ذلك فن الدراما التي تدخل كل البيوت.  
هناك أيد خفية تعمل بدقة وتنظيم محبك لترويج العنف
السينمائي سامر عمران يرى من جهته بأن الأمر منظم و هناك أيد خفية تعمل بدقة محكمة، و هو ما اعتبره من أسوأ الأشياء التي حدثت للدراما العربية، و التي قال بشأنها « مما لا يدعو للشك وجود شركات كبيرة و عقود مغرية تغري اللاهثين وراء المكاسب المادية و تستهدف الناس البسطاء من خلال سحر الصورة، سواء فيلم، دعاية و حتى الأخبار، فموجة الترويج للعنف بالتلفزيون غير طبيعية، مضيفا بأن نتائج ذلك باتت تظهر بشكل جلي في مجتمعاتنا العربية،
و شدّد على ضرورة تجنّد السينمائيين الحقيقيين لاستعادة زمام الآلة الإعلامية القوية.
الممثلة مادلين طبر هي الأخرى أسرت بأنها باتت لا تحتمل مشاهد العنف التي قالت بأنها أحيانا كثيرة لا تعي سبب إقحامها في دراما اجتماعية، رغم إمكانية تجنبها دون الإخلال بجوهر القصة، و ذكرت بأنها في الكثير من المرات تضطر إلى إغماض عينيها حتى لا ترى بعض المشاهد التي وصفتها بالوحشية، مؤكدة بأن دور السينما كان في بدايته يركز على إمتاع المشاهد و ليس ترويعه و ترعيبه و تلقينه وسائل ممارسة العنف، و تأسفت للمستوى الذي آلت إليه الدراما العربية في السنوات الأخيرة التي قالت بخصوصها أنها مجرّد تقليد أعمى للسينما الغربية التي لديها ما يوازيها من الأعمال المعتدلة التي تحترم مشاعر المشاهدين و تلبي أذواق الأشخاص الأسوياء.
الوجه الجديد للدراما العربية بشع و لا يناسب العائلة
المخرج التونسي نوفل صاحب الطابع انتقد الوجه الجديد للدراما العربية، قائلا بأن طريقة تناول و علاج قضايا العنف مهما فرضت نفسها لا يجب أن تكون بالصورة التي تظهر عليها في الكثير من الأعمال العربية التي تناسى منتجوها بأنها موّجهة للعائلات و يمكن أن يشاهدها الصغير و الكبير، مشيرا إلى عدم اهتمام صناع الأفلام بنفسية المشاهد و مدى تأثير ذلك عليه، لأن كل ما يهمهم اليوم هو الكسب المادي و ما يجنونه من إيرادات، عكس المنتجين السابقين الذين كان يتدارسون بدقة مغزى كل لقطة و ينتقونها بإمعان.
عبد الكريم قادري/ناقد سينمائي جزائري/ اعتبر أن العنف يتجلى على أكثر من هيئة وصورة، بشكل مادي و معنوي، معترفا برواج غير مسبوق للعنف في السينما العربية مرجعا السبب للدور الرقابي الذي بات في رأيه محصورا على المحتوى السياسي للأعمال، بعيدا عن التصنيف العالمي الذي تعتمده لجان تملك من المرجعية الفكرية ما يجعلها تختار صنفا معينا من الفئات التي يجب عليها مشاهدة المحتوى،  و بالتالي يتم تجاهل هذا الجانب وإهماله، فمشاهدة العديد من الأفلام التي تعكس صور العنف اللفظي أو الجسدي أو النفسي، التي تولد من مشاهد الدم والقتل أو في أي صورة كانت مع الأطفال، ينتج عنه تراكمات نفسية ستنعكس عليهم مستقبلا، لأن الأسر العربية أيضا لا تملك ثقافة معينة تؤهلها بأن تخلق جوا ما في البيت عن طريق التلفزيون أو داخل قاعات السينما التي لا يتم فيها كتابة ملاحظات أو تحذير من مشاهد معينة، و من هنا يولد العنف ويتجلى في نفسية الطفل، حتى الكبار أيضا أصبحوا ضحايا لهذه المشاهدات غير المسؤولة، و التي كثيرا ما  تكون مقحمة في الفيلم وغير مبررة دراميا، لذا كان لزاما على المؤسسات الرقابية عدم التساهل مطلقا مع مشاهد العنف، من خلال التصنيف الموضوعي والعلمي لأي محتوى فيلمي، لا المنع وخنق الحريات.
مريم/ب

الرجوع إلى الأعلى