"حجرة الصبر".. مسار زوجة إرهابي تصارع من أجل التحرر
تزامنا والذكرى 21 لاغتيال أسد ركح وهران عبد القادر علولة، تم مؤخرا تقديم العرض العام للعمل الجديد للمسرحي مراد سنوسي بعنوان “حجرة الصبر”، الذي شهد إقبالا كبيرا من الجمهور الذي ظل مركزا مع مجريات المسرحية لأكثر من ساعة ونصف، لدرجة أنه لم يشعر بنهاية العرض.
و يبدو ،حسب بعض الأصداء،بأن الجمهور وجد في العرض واقعا عاشه الجزائريون و ربما لا يزال البعض منهم يتعايش مع آثاره لحد اليوم.
أحداث المسرحية تبدأ بوضع مؤلم لرجل ملقى على الفراش وموصول بكيس من المصل “سيروم” ، يمده بالنفس الذي أصبح الدليل الوحيد على أنه لا يزال حيا، وقربه زوجته تتحسر على حالها وعلى حاله أيضا.
لم يتكلم الزوج طيلة العرض، ولم يتحرك ولم ينفعل ، ظل يتنفس فقط، وراحت الزوجة تروي على لسانه قصته، تعاتبه تارة، وتستفزه تارة أخرى، تقرر تارة ، وتأخذ رأيه تارة أخرى ، حائرة هي وسط دوامة المناجاة.
لقد كان الزوج إرهابيا ولم تكن تدري أي شيء عنه، كان يخفي عنها كل شيء علمت بحقيقته عندما استدعتها مصالح الأمن. لقد واجهتها بما كان يخفيه زوجها الذي كان وراء تهديدات إرهابية طالت عمتها المرأة المتحررة.
عانت الزوجة مع زوجها الإرهابي الذي فرض عليها قيودا حرمتها من العيش بشكل عادي وسط المجتمع، ولكن معاناتها تضاعفت عندما عاد إليها مصابا برصاصات اخترقت جسمه وحولته لجسد هامد يتنفس فقط ، وكأن الله يعاقبه على كل ما اقترفه في حق الأبرياء.
 كانت الزوجة  تذكره عدة مرات بذلك وكأنها تشفي غليلها ، وتذكره بأن إمام الحي الجديد الموالي للإرهاب، لايزال يقتحم بيتها، متذرعا بأنه يزور المريض و يطلع على أحوال الأسرة، لكنه في الواقع  يتحرش بها ويختبرها في كل مرة، على أمل أن ترضخ له يوما ما، مثله مثل الإرهابيين الذين كانوا يدقون بابها في كل مرة لينالوا منها.
 حاولت البطلة عديلة بن ديمراد، أن توصل للجمهور صورة عن هؤلاء الإرهابيين الذين لا علاقة لهم بالدين ولا بالأخلاق، صورتهم من خلال كلامها بأنهم وحوش بشرية، تفترس حتى بني جنسها ،مثلما روته على لسان أحد الإرهابيين التائبين، بأنه كان يتعرض في كل مرة لاعتداء جنسي من طرف قائده.
تثور الزوجة وتضيق بها الدنيا من زوج يتنفس فقط، ووضع غير آمن تعيش فيه ، كل يوم صوت رصاص ومجازر وعمليات إرهابية، ورغم كل هذا تسعى بكل جهدها لإعادة الحياة لهذا الزوج وتقرر أيضا التعايش مع الواقع ،تريد الخروج للعمل تريد أن تتحدى الرصاص والإرهاب مثل عمتها ،تريد أن تغير مسار حياتها.
 ذات يوم تقول لزوجها بأن جسده الذي حرمها منه لسنوات طويلة سيصبح لها وستفعل به ما تريد، وبمجرد أن تقبله يسترجع هذا الجسد قوته وينهض، لكن ليقتلها لأنها في نظره أصبحت عاهرة وينتهي هكذا صبرها ومعاناتها بموتها ،فقط لأنها أرادت أن تتحرر من قيود الإرهاب.    
بعد نهاية العرض، قال المؤلف مراد سنوسي، أن نص هذا العمل المسرحي ،مقتبس من كتاب للمؤلف الأفغاني عتيق رحيمي عنوانه “حجرة الصبر”توج بجائزة “غونكور” في 2008، وحول إلى فيلم سينمائي في 2010.
 يتمحور حول ظاهرة الإرهاب التي أخذت بعدا عالميا اليوم، حسب سنوسي الذي أضاف أنه حاول الإبقاء على هذا البعد أثناء الاقتباس، رغم أن الجزائريين يشعرون بالوقائع أكثر من غيرهم. و أوضح بأنه أراد أن تكون النهاية بقتل الزوج لزوجته لأنها أرادت التحرر من القيود التي كبلها بها لسنوات، وهذا في تركيز منه على وضعية المرأة، خاصة عندما تكون زوجة لإرهابي.
عن إختيار الممثلة عديلة بن ديمراد، المعروفة في الوسط السينمائي، قال مراد سنوسي بأنه الوجه الفني الذي قابله مباشرة بعد انتهائه من كتابة النص، مضيفا بأنه رغم أنها معروفة في السينما أكثر ،إلا أنه هو شخصيا يعرفها في المسرح الذي تكونت فيه وأراد إعادتها للركح ،مشيرا في هذا الإطار: “ يجب ألا نفقد كل مواهب المسرح التي تتوجه إلى السينما”.
أما مخرجة المسرحية الفرنسية غيليمات غروبون ، فأعربت عن فرحتها بالجمهور الذي كان متابعا جيدا للعرض، وقالت أنها حرصت على أن تكون الإضاءة خافتة، منبعثة من بعض الفوانيس فقط،  لتعكس الوحدة والوحشة التي تعيشها المرأة، و تعقيدات مسارها بكل الأوجه الإنسانية وغير الإنسانية، وكذا الغوص في ذاك الألم العميق الذي تسبب فيه رجل إرهابي.
للتذكير، فإن هذا العرض المسرحي مبرمج في عدة مسارح ، عبر الوطن، حيث ستبدأ الجولة خلال هذا الأسبوع.  
 هوارية ب

الرجوع إلى الأعلى