عرف مسجد الاستقلال بحي الكدية عاتي بقسنطينة خلال الأربع سنوات الأخيرة أشغال تهيئة واسعة، فاقت تكلفتها ملياري سنتيم، ليتم رد الاعتبار لهذه البناية المشيدة إبان الاستعمار الفرنسي، و التي عانت لسنوات من وضع كارثي، خاصة بسبب تسربات المياه من السقف و  مشاكل الشبكة الكهربائية التي أدت   لنشوب حرائق، غير أنه و بفضل المحسنين و الإمام المسؤول على تسيير شؤونه، خضع المسجد لأشغال صيانة، ليصبح منارة للإشعاع الديني.
الإمام و المسؤول الأول عن تسيير شؤون المسجد ياسين بن مخلوف سوالمي، تحدث خلال جولة النصر داخل المسجد برفقته، عن الوضعية الكارثية التي عانى منها هذا المعلم الديني لسنوات عديدة، حيث  تخبط في عديد المشاكل في مقدمتها مشكل الكتامة، فترتب عنه تسربات للمياه داخل المسجد، كما مس الأسلاك الكهربائية، ما تسبب في عديد المرات في نشوب حرائق، خاصة و أن الشبكة الكهربائية كانت مهترئة و بها عديد الأعطاب، فوضع المسؤول إستراتيجية مدروسة لرد الاعتبار لهذه المنارة الدينية، ساهم في تجسيدها على أرض الواقع محسنين من داخل الولاية و خارجها، إلى جانب دعم السلطات المحلية .
الإمام الذي تولى شؤون تسيير المسجد منذ سنة 2016  ، تحدث عن التغييرات الجذرية التي أدخلت على  المسجد الذي كان في الأصل كنيسة، بدءا بطلاء جدرانه و إزالة الكراسي التي كانت يستغلها المصلون المرضى في أداء الصلاة، ثم يتركونها أمام الأعمدة الإسمنتية ،  ما تسبب في تضررها نتيجة الاحتكاك بها، ليتم إعادة طلاء الجدران و الأعمدة و تثبيت كراس في إحدى زوايا المسجد لتجنب إلحاق الضرر بالأعمدة، كما تمت تهيئة المائضة التي عرفت هي الأخرى أشغال واسعة ليتم تغيير وجهها بالكامل بإضفاء ديكور مميز عليها.
كما تم تجديد الشبكة الكهربائية بشكل كامل ، إلى جانب استحداث طابق ثاني ، لتصبح طاقة استيعاب المسجد حوالي 1500 مصل، إلى جانب تخصيص مصلى للنساء، و إضفاء لمسة إسلامية على الجدران و الديكور الداخلي للمسجد، حيث تم تزيين جدرانه بأقواس منقوشة مزينة بالفسيفساء والمنمنمات، تبرز جمالية الهندسة الإسلامية، بالإضافة إلى محراب أبدعت أنامل فنان تشكيلي متطوع في تزيينه بتصميم عثماني غاية في الروعة، فيما لا تزال قبب المسجد شامخة على علو يفوق 26 مترا ، لتساهم في طمس آثار و رموز المسيحية التي كانت جلية عندما كان كنيسة ،  كما تجرى حاليا أشغال على مستوى سطح البناية تتعلق بوضع الكتامة، باعتماد تقنية ألمانية حديثة تمنع تسرب المياه إلى الداخل.
مؤسسة دينية لا تهمل الدور الإجتماعي

مسؤول و إمام المسجد تحدث في سياق آخر، عن الجانب الخيري، حيث يعتبر المسجد نقطة معروفة و ناشطة في هذا المجال ، فإلى جانب الأنشطة الثقافية التي تقام هناك و كذا الجداريات التي تقدم معلومات دينية قيمة ، فإنه يحرص على القيام بالدور الاجتماعي المنوط به، و ذلك بتخصيص دخل شهري للمعوزين ، يرسل دوريا إلى حسابهم البريدي ، بالإضافة إلى مساعدات أخرى ،  بعد إبرام اتفاقية مع  فرع  تابع لمجمع سميد «الرياض قسنطينة سابقا»، يقع بوسط المدينة، إلى جانب مساهمة المحسنين، حيث تقدم لهم  في شكل وصولات تحتوي على مبالغ مالية، و بإمكان الشخص المعوز استلام الوصل، و اقتناء ما يحتاجه من مواد غذائية، بقيمة المبلغ المسجل  في الوصل.
 من «القلب المقدس»  إلى الاستقلال
مسجد الاستقلال حاليا و كاتدرائية «القلب المقدس» سابقا، من المعالم الأثرية التي تعاني من شح المعلومات و الأرشيف الذي يؤرخ لتفاصيل تشييدها و كيفية تحويلها إلى مسجد، فقادتنا رحلة البحث إلى مصلحة الأوقاف على مستوى مديرية الشؤون الدينية لولاية قسنطينة، فتمكننا هناك من الإطلاع على وثائق رسمية تضم معلومات حول المسجد، و ذلك بمساعدة المهندسة لامية خليفة ، و تتمثل الوثائق أساسا في عقد هبة ، بالإضافة إلى مخطط مسح الأراضي يحدد الموقع و المساحة المبنية في شكل صليب.
 العقد الذي اطلعت النصر عليه، يحتوي على معلومات خاصة حول المالك الأصلي للوعاء العقاري الذي شيدت فوقه الكنيسة سنة 1940، و هو «ريالون « الذي تنازل عنه للجمعية المسيحية في 22 ديسمبر 1927 لإقامة كنيسة،   و ظلت الكنيسة تستقطب المسيحيين إبان الاستعمار الفرنسي، إلى أن قررت الجمعية المسيحية المكلفة بتسيير شؤون الكنائس، استنادا للأسقف «جون سوكتو»، نائب رئيس الجمعية و المكلف بتسيير كنائس مدينة قسنطينة، التنازل عن كنيسة «القلب المقدس» لوزارة الشؤون الدينية يوم 10 فيفري 1982، شريطة أن تستغلها  كمكان للعبادة، كما أوضح لنا الإمام المسؤول عن الصرح ياسين بن مخلوف سوالمي، فتم تحويل الكنيسة إلى مسجد يوم 19 مارس من ذات السنة، بعد إدخال عديد التغييرات على المبنى و طمس آثار الرموز المسيحية كالصلبان التي تعتلي القبب و جدرانه الداخلية، ليحل محلها على مستوى القبة الكبيرة، رمز الدين الإسلامي الهلال، كما زين المبنى من الداخل بديكور إسلامي مميز.
جدير بالذكر أن المساحة الإجمالية التي كانت تابعة للكنيسة تبلغ 1230.64 مترا مربعا، فيما تقدر المساحة المبنية 870 مترا مربعا، و هي المساحة التي استغلت كمسجد،  فيما تم تحويل الجزء الإداري للكنيسة إلى مكتب محاسبة و بنك.
الملاحظ أن البناية تحدها شمالا دار المالية و جنوبا المركز الفرنسي و الكنيسة، في توليفة تعبر عن مدى تعايش الأديان في رقعة جغرافية صغيرة.
أسماء بوقرن 

الرجوع إلى الأعلى