يخفي كثير من المصابين بكورونا في الجزائر مرضهم، و الأخطر من ذلك أنهم يمارسون حياتهم اليومية بشكل عادي، دون التقيد بالعزل الصحي أو شروط الوقاية، فيتسببون في نقل العدوى لأشخاص آخرين، و حتى في الوفاة في بعض الحالات. الأطباء يحذرون من انتشار هذه السلوكيات التي تغذيها أبعاد اجتماعية و نفسية، و أضحت من بين العوامل الرئيسية في تزايد الإصابات يوميا، في حين يصنفها رجال الدين كإثم، مؤكدين بأن كل من يتسبب في موت شخص آخر عمدا، بإخفاء إصابته بالوباء، و استهتاره الذي يؤدي إلى نقل العدوى إلى غيره، فهو في حكم القاتل، يعاقب في الآخرة عن قتل الروح دون وجه حق، و يجب مقاضاته و معاقبته من قبل العدالة.  
هيبة عزيون

* إسماعيل زيغد أخصائي أمراض السكري
مرضى كورونا يتجولون في الشوارع و لا يتقيدون بالعزل الصحي
أكد المختص في أمراض السكري إسماعيل زيغد للنصر، أن من بين  أسباب ارتفاع الإصابات و الوفيات بكورونا، تعمد فئة واسعة من المصابين، إخفاء مرضهم و ممارسة حياتهم بشكل عادي، دون التقيد بآليات العزل .
و من خلال تجربته مع عدد كبير من مرضى كورونا بقسنطينة، لاحظ الطبيب أن هناك من لا يحترمون بتاتا مدة الحجر، و كذا الإجراءات الاحترازية من تعقيم الأيدي و ارتداء الكمامة، و هي عوامل خطيرة تزيد من سرعة انتشار الفيروس الذي ينتقل أساسا عن طريق العلاقات الإنسانية و التقارب الاجتماعي، مضيفا أن هناك حالات تسجل يوميا لأناس فارقوا الحياة بعد تعرضهم للعدوى من قبل مصابين تعمدوا إخفاء مرضهم.
الدكتور زيغد أكد أن الظاهرة أخذت في التفاقم و تبعث على الخوف، فالكثير من المصابين يتجولون بكل حرية، و يتنقلون من مكان إلى آخر، مما سيزيد من رقعة الوباء، مشيرا إلى أن بعض المرضى يفضلون التوجه إلى عيادات جوارية في أحياء أخرى، بعيدة عن أحيائهم السكنية، خوفا من نظرة المجتمع.
 و هذه التصرفات خطيرة جدا، لأنها قد تساهم في نقل الفيروس من منطقة سكنية موبوءة إلى منطقة أخرى لم تسجل بها أية حالة، حسب الطبيب، ناهيك عن الخطر المحدق بالأطباء و شبه الطبيين، فهم يعرضون أنفسهم للإصابة بالفيروس، لأن المصابين يخفون إصابتهم بأعراض كورونا أو إصابة أحد أفراد عائلاتهم.
 و الأخطر، حسب المتحدث، نفي بعض عائلات المتوفيين بكورونا، أن الفيروس تسبب في موت أقاربهم، خوفا مما أطلق عليه «العقاب الاجتماعي»، فتجدهم يقيمون المراسيم الجنائزية و يفتحون مجالس العزاء،  ما يتسبب في انتقال العدوى بين شريحة كبيرة من المعزين، و هناك حالات كثيرة سجلت مؤخرا تسببت في تزايد أعداد الإصابات و الوفيات، كما قال.

* الأخصائي النفساني ماليك دريد
بعض المرضى يخافون نظرة المجتمع و آخرون يتلذذون بنقل العدوى
يرى الأخصائي النفساني بمستشفى سطيف ماليك دريد، أن للظاهرة مدلولها النفسي و الاجتماعي، فالبعض يخفون مرضهم، بسبب نظرة المجتمع للمرض المعدي بشكل عام، حيث أنهم يتخوفون من ردة فعل العائلة و الجيران، فقد يتهمونهم بالتقصير في التدابير الوقائية وعدم الوعي.
كما يتخوف المصاب من تأثير ذلك على علاقاته الاجتماعية، و تعرضه للتنمر هو وعائلته،  كما أن بعض المصابين يتخوفون من تأثير الإصابة على حياتهم المهنية، خاصة الأشخاص غير المؤمنين اجتماعيا، فتجدهم يغامرون بأنفسهم وبغيرهم، و أكد المتحدث أن إخفاء الإصابة عموما، يعود إلى مخاوف المصاب من تأثير المرض على علاقاته الاجتماعية بالدرجة الأولى. و أضاف أن  تعمد إخفاء المرض لا يقتصر على فيروس كورونا فقط، فهو ظاهرة قديمة ارتبطت بالكثير من الأمراض،  كالسل و السيدا، خوفا من الوصم الإجتماعي، مشيرا إلى أن عددا من المرضى يتعمدون نشر العدوى، بسبب عدم تقبلهم للمرض، و إحساسهم بلذة و راحة نفسية إذا تمكنوا من ذلك، وهم، حسبه، مرضى نفسيا يمكن تصنيفهم من الشخصيات السادية المرضية.
 كما أن بعض المرضى لا يتقبلون فكرة مرضهم إطلاقا،  رغم النتائج الإيجابية للتحاليل و ينكرون المرض، بحجة غياب الأعراض وتمتعهم بصحة جيدة، وهؤلاء يفتقرون عادة لثقافة صحية و لا يدركون طبيعة الفيروس وكيفية تأثيره على الأشخاص، وهنا يبرز  دور الأخصائي النفساني في مساعدة الشخص على تقبل نتيجة التحاليل، ثم تقديم إرشادات صحية له، بالتنسيق مع بقية أعضاء الطاقم الصحي.

* نوال حنيدر مختصة في أمراض و جراحة الأنف و الأذن و الحنجرة
مرضى يقصدون العيادات الخاصة لإخفاء مرضهم
أكدت المختصة في أمراض و جراحة الأذن و الأنف و الحنجرة الدكتورة نوال حنيدر للنصر،  أن الكثير من المصابين بكورورنا أصبحوا يتحاشون الذهاب إلى مصالح كوفيد 19 في المستشفيات،و يلجأون إلى العيادات الخاصة، دون الإفصاح عن مرضهم، ما يشكل خطرا كبيرا على المرضى في قاعة الانتظار، و حتى على الطبيب.
و أضافت الأخصائية أن الأطباء الخواص سجلوا حالات عديدة لمصابين يتعمدون عدم الكشف عن إصاباتهم، و  ضحاياهم كثيرين، و من بينهم الأطباء الذين ينتقل إليهم الفيروس عند القيام بالفحوصات.
و يشكل هذا النوع من المرضى خطرا كبيرا في العيادات، خصوصا في قاعات الانتظار، و  أمام تفاقم هذه الظاهرة ، اضطر أصحاب العيادات الخاصة إلى تشديد إجراءات الوقاية، من تنظيف و تقليص عدد الفحوصات اليومية ، مع توفير الكمامات و السوائل المعقمة للمرضى، و الألبسة الواقية للطاقم الطبي و شبه الطبي.
و من جهة أخرى قالت المختصة، إن هناك فئة من المرضى لا تحترم فترة الحجر الصحي في المنزل، و مع بداية زوال الأعراض، تخرج للشارع و تحتك بالناس، دون إطلاعهم على حقيقة المرض المعدي ، و دون التقيد بمسافة الأمان و وضع الكمامة بشكل سليم، فقد انتشرت كثيرا ظاهرة ارتداء الكمامة فوق الفم، أو تركها أسفل الذقن، و بالتالي فان خطر انتقال العدوى يتضاعف.
و أمام هذا الوضع الخطير، تدعو الطبيبة المواطنين إلى الالتزام بالعزل المنزلي، و إذا ظهرت عليهم أعراض الإصابة بفيروس كورونا،  يستحسن أن يتوجهوا إلى مصالح كوفيد 19 بالمستشفيات .

* الإمام عبد المالك كرزيكة
من يخفي إصابته بالوباء و ينقل العدوى لغيره فهو آثم و قاتل شرعا
أكد الإمام بمسجد الشنتلي في قسنطينة عبد المالك كرزيكة، للنصر، أن النصوص الدينية  واضحة بشأن الإنسان الذي ينقل عدوى الوباء لغيره متعمدا ، حيث أنه يلجأ لإخفاء إصابته و التنقل بحرية بين الناس، دون احترام الإجراءات الوقائية، ما يتسبب في انتشار الوباء بين فئة واسعة من المواطنين،  و قد يؤدي إلى موت بعضهم.
أضاف الإمام أن النصوص القرآنية  التي تتعرض لانتشار الأوبئة و الأمراض القاتلة، ، تنطبق عما يعيشه العالم اليوم مع وباء كورونا، حيث  قال الرسول عليه الصلاة و السلام  « فر من المجذوم فرارك من الأسد» ، و قال كذلك « لا ضرر و لا ضرار»   أي أنه لا يجوز تماما للمسلم أن يكون سببا في مرض أخيه المسلم بقصد أي متعمدا،  لأن النتيجة ستكون وخيمة جدا، قد تنتهي بالوفاة.
لهذا تم منع الذهاب إلى الجنائز و الأفراح و تبادل الزيارات،  حتى و إن كان في ذلك نوع من قطع العلاقات بين الناس خلال هذه الفترة، لأن الوضعية الوبائية فرضت هذه الإجراءات، و هنا أشار الإمام إلى أن النصيحة الطبية  يتم تقديمها على الفتوى الدينية، لقوله تعالى «فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ» ، و هو ما ينطبق على  فريضة الصيام التي تسقط غالبا لعدة أسباب، منها العذر الطبي الذي يرجحه المختصون أو الأطباء،  و يزكيه رجال الدين، حفاظا على سلامة الإنسان.
   أما إذا تسبب ناقل العدوى في موت شخص آخر ، فهو في منظور الدين الإسلامي قاتل، لأنه على دراية بحجم الخطر لقوله تعالى  «من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا»  ، إذ يمكنه أن يلحق الأذى الجسدي و المعنوي بالكثير من الأفراد و أسرهم، و هناك حتى من يكون السبب في  وفاة  عائلات بأكملها، و يتم أطفالها، كما أن الأشخاص المستهترين بأنفسهم ممن لا يلتزمون بشروط الوقاية و التعقيم  و يكسرون  آليات الحجر،  في حالة إصابتهم بالمرض، هم آثمون  شرعا  في حق أنفسهم  لقوله تعالى  «وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ» و لقوله تعالى « وَ لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا «، و حساب هؤلاء يوم القيامة يكون عسيرا جدا، لأنهم ألحقوا الأذى بالنفس التي تدخل ضمن الكليات الخمس في الدين ،  و هي الأمانة، فنفس الإنسان و جسده أمانة من الله، علينا الحفاظ عليها و صونها .

 

 

الرجوع إلى الأعلى