غيرت الجائحة الكثير من العادات الاستهلاكية و أنماط التسوق عبر العالم، و أجبرت الكثير من الأسر الجزائرية على إعادة ضبط أولوياتها الاستهلاكية، بعدما فرضت الجائحة نمطا معيشيا جديدا، في ظل شح الموارد المالية و المواد الاستهلاكية بسبب الغلق، و بالتالي تقلص الطلب على الكماليات و تراجعت مظاهر التسوق الجنوني ، و استبدلت الكثير من المنتجات الصناعية بأخرى مصنوعة منزليا بمواد طبيعية ، ما ساعد على إتباع نظام غذائي سليم و التوفير رغم أن الميزانيات محدودة.
وهيبـــــة عزيـــــون
هذا النظام تحول إلى نمط معيشي بالنسبة للبعض ، ساهم في تغيير سلوكياتهم الاستهلاكية  التي ترتكز أساسا على التنظيم و التخطيط و عدم الإسراف و الادخار ، بالمقابل هناك من وجد صعوبات كبيرة في تسيير أموره المادية أثناء الحجر ، و مباشرة بعد قرار الفتح ، عاد إلى مظاهر البذخ و التسوق غير الرشيد، و يرى مختصون  أن حوالي 25 بالمئة من المواطنين الجزائريين سيواصلون النمط المعيشي الذي فرضته الجائحة، فيما سترجع بقوة أساليب العيش القديم و مظاهر الإسراف و التبذير.
قالت السيدة أسماء عليوش، موظفة ، أنها لجأت بمعية زوجها إلى جدولة حاجياتهم الأسرية، حسب الأهمية،  أسابيع بعد قرار الحجر، خاصة و أن زوجها اضطر إلى توقيف نشاطه التجاري ، كما تراجع راتبها بسبب الاقتطاعات.
و في حديثها للنصر، قالت أسماء أنها تخلت عن الكثير من الكماليات هي و أفراد عائلتها طيلة تسعة أشهر ، في مقدمتها اللباس، بحكم  عدم الخروج من المنزل ، إضافة إلى العطور و الماكياج و بعض الكماليات الغذائية و نفقات النقل، و ذلك ترشيدا للنفقات لتتماشى مع الميزانية المتوفرة ، و قامت  هي و زوجها بتقسيم مدخراتهما المالية في أظرفة، لتغطية مصاريف ستة أشهر كأقصى تقدير .
أما سمير بن ساعد موظف، فقال للنصر، أن الجائحة أثرها إيجابي على حياته العائلية و استطاع و زوجته توفير المال، بعدما لجأ إلى إتباع نمط استهلاكي مضبوط ، بعد التخلص من الكثير من الكماليات ، حيث قام بزرع بعض الخضر في حديقة بيته، كالبطاطا و الطماطم و الخس ، و استبدل المشروبات الغازية بالمشروبات الطبيعية التي يصنعها من فواكه الحديقة، كما اتبع نظاما غذائيا صحيا خاليا من السكر، فتراجعت كمية السكر الأبيض المستهلك إلى 1.5 كيلو غرام من مارس إلى غاية نهاية السنة ، كما قام بتربية الدجاج لأكل بيضه.
أما السيدة خولة /ب، و هي أيضا موظفة، فقالت للنصر، أن جائحة كورونا أجبرتها على تغيير نمطها المعيشي القادم ، خاصة بعد توقفها و زوجها عن العمل طيلة أشهر ، فكانا يعتمدان على مدخراتهما المالية، فتخلت عن الكماليات الغذائية من أجبان و شوكولاطة و مشروبات غازية و حلويات، و قلصت كميات اللحوم، و استبدلتها بالخضار، و توقفت نهائيا عن شراء الخبز و أصبحت تحضر المطلوع و العصائر الطبيعية و الحلوى المنزلية بنفسها.
كما قلصت بشكل كبير نفقات الأولاد بحكم بقائهم في المنزل ، و قلصت عدد المرات التي تتوجه فيها إلى السوق لكي تتجنب شراء أشياء لا تحتاج إليها. و قالت  السيدة ع/ح/ سارة ،  أنها وفرت الكثير من الميزانية المخصصة للاستهلاك طيلة أشهر الحجر، و تراجعت نفقات شراء الحلويات و المشروبات الغازية و غيرها، إذ استبدلتها بوصفات منزلية صحية و غير مكلفة.
ترشيد النفقات بعد كورونا مهمة صعبة للبعض
تبنت بعض الأسر النمط المعيشي الجديد الذي فرض نفسه بفعل الجائحة، و الذي يرتكز أساسا على تحديد سلم الأولويات و ترشيد النفقات و الادخار ، فيما عجزت أسر أخرى على إتباع هذه الطريقة، حتى  أيام الحجر و تراجع مداخيلهم  ، و فشلوا في تسيير ميزانياتهم المحدودة ، و مباشرة بعد قرار رفع الحجر، و عودة الكثير من الخدمات و الأنشطة التجارية، عادوا إلى سابق عهدهم من تسوق عشوائي و إنفاق غير مدروس.
قالت أسماء عليوش موظفة ، أنها منظمة كثيرا في حياتها، خاصة في ما يتعلق بالجانب المادي ، لكن أزمة كورونا  أجبرتها على إعادة تنظيم سلم أولوياتها، فأصبحت أكثر انضباطا في مصاريف بيتها، كما تولي أهمية أكبر للمدخرات أو ما سمته « الخزينة السوداء» لمواجهة أي طارئ في المستقبل ، بعدما كانت في السابق تنفق كامل راتبها الشهري، دون التفكير في إدخار جزء منه.
  أما سمير بن ساعد، موظف، فقال أنه نجح أخيرا في تبني نمط استهلاكي صحي رفقة أفراد عائلته ، و ذلك بفضل الجائحة، فأصبح يعتمد أكثر على الأكل الطبيعي ، ما ساهم في تقليص نفقاته المنزلية و ادخارها أو إستغلالها في تهيئة البيت و اقتناء الأثاث.
بالمقابل قالت السيدة مريم / ط، ممرضة ، أنها عانت من فوضى عارمة طوال أيام الحجر ، و فشلت و زوجها في تسيير أمور بيتها، بعدما توقفت عن العمل و تراجعت مداخيلهما الشهرية ، كما أكدت صعوبة استمرارها على نفس النموذج المعيشي.
  أما ياسمين بن فضة ، موظفة،  فقالت أنها و أفراد عائلتها حافظوا على نفس النمط المعيشي طوال أشهر الحجر  ، بل  زادت نفقاتهم بحكم بقائهم جميعا في المنزل،  بعدما كانوا يقضون نهارهم في العمل ، فأصبح إعداد وجبة الغذاء أمرا ضروريا،  و هذا يعني مصاريف إضافية ، زيادة على ذلك مواد التنظيف و المعقمات و الكمامات التي تخصص لها ميزانية معتبرة .
أما السيدة خولة/ب موظفة، فوصفت فترة الحجر بالعصيبة، فقد كانت تقضي طوال اليوم في المطبخ لإعداد الأكل و العصائر و المطلوع، في ظل غياب البدائل التي تباع في المحلات، و ساعدها في تقليص المصاريف، لكنها مباشرة بعد قرار رفع الحجر تخلت عن هذه العادات ، و بحكم  أنها موظفة، تقبل على شراء الأطعمة الجاهزة و الخبز و الحلويات، بغض النظر عن التكاليف.

أحمد طرطار خبير اقتصادي
الفرد الجزائري سيعود بقوة للاستهلاك غير العقلاني
لم يستبعد الخبير الاقتصادي أحمد طرطار عودة مظاهر الاستهلاك غير الرشيد ، في أوساط المجتمع الجزائري، حال زوال الوباء ، مشيرا في حديثه للنصر، إلى بعض صور التسوق غير العقلاني التي عادت بقوة ، مباشرة بعد قرارات رفع الحجر، و مشاهد الازدحام في المحلات و المراكز التجارية .
و اعتبر  الخبير الاقتصادي  أن  المجتمع الجزائري وليد ظرفه ، و قد حتمت عليه الجائحة إتباع نمط معيشي معين مبني على ترشيد النفقات، ووضع سلم لتحديد الأولويات، مع تقويم  سلوكاته الاستهلاكية بسبب شح الموارد المالية و المادية ، و هو ما حدث في  مختلف دول العالم، فقد فقد أزيد من 30 بالمئة من سكان العالم وظائفهم بسبب الجائحة ، إضافة إلى  غلق الحدود و تراجع إنتاج المصانع، ما أدى إلى نقص الموارد ، كلها عوامل أجبرت الإنسان على إتباع نمط استهلاكي يتماشى و مدخراته المادية و مداخيله المحدودة أو المنعدمة أحيانا.
مع بداية انفراج الأزمة الصحية، عادت مؤخرا مظاهر الإنفاق المبالغ فيه في المجتمع الجزائري، و مرده، حسب الخبير،    طبع الفرد الجزائري المحب للتسوق المفرط و الافتخار به ،  ما يولد لديه  سلوكا استهلاكيا غير سوي، بينما يعتبر أن الكثير من الدول الأخرى ستعرف نموذجا  استهلاكيا جديدا ، بعد الدروس التي تعلمتها من الجائحة، خاصة في أوروبا و بعض الدول العربية على غرار تونس ، و هذه المؤشرات قد بدأت تبرز في الأفق ، أما في الجزائر فيرى أن الغالبية الساحقة ستعود  إلى عاداتها الإستهلاكية القديمة.

فادي تميم المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية  لحماية و إرشاد المستهلك
 25 بالمئة فقط من الجزائريين سيتبعون نمط الاستهلاك المستدام
يرى المنسق الوطني للمنظمة الجزائرية لحماية و إرشاد المستهلك و محيطه، فادي تميم،  أن من 20 إلى 25 بالمئة فقط من الجزائريين، سيستخلصون العبرة من الجائحة، و يستثمرون نتائجها،  في إتباع نمط معيشي سليم مستقبلا ، مبني أساسا على معادلة الاستهلاك المستدام التي ترتكز على ترشيد الإنفاق و تحديد الأولويات و الادخار.
كما يستبعد  حدوث  تغيير جذري في السلوكيات الاستهلاكية حاليا  ، فالفرد الجزائري معروف  بطباعه الاستهلاكية الصعبة ، الرافض و المقاوم لأي تغيير،  لكن الجائحة كانت بمثابة العامل المفجر ، و هناك  مؤشرات و بوادر بعيدة لصناعة مستهلك جزائري منظم  على مدى 5 إلى 10 سنوات، بالتركيز على النشء  الصاعد.
أما بخصوص  ما حدث خلال فترة الحجر، من ترشيد في الاستهلاك نتيجة    التدني المحسوس في القدرة الشرائية للعائلات، و نقص الموارد ، فوصفها المتحدث بالظاهرة الصحية ، و اعتبرها فرصة للقضاء على مظاهر الاستهلاك السلبي التي تميز المجتمع الجزائري، كما أظهرت أهمية الادخار لمواجهة أي طارئ في المستقبل،   لذا يجب الاستثمار في نتائجها الإيجابية و تكاثف جهود الجميع من وزارات و هيئات، و حتى مواطنين ، لنشر ثقافة استهلاكية جديدة، عجزت حملات التوعية و التحسيس عن غرسها طوال سنوات .
و رغم قسوة الدرس الذي استنتجه العالم من تجربة كورونا ، غير أنها أنتجت وعيا استهلاكيا من نوع خاص، أو ما يعرف بالاستهلاك المستدام  لكل ما هو موجود ، والتفكير في المستقبل و الأجيال القادمة .

الرجوع إلى الأعلى