تعرف فضاءات تسويق المنتجات الحرفية لمدينة غرداية، تراجعا في الحركية التجارية خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي استدعى إطلاق مبادرات تقودها جمعيات و تعاونيات محلية بالتعاون مع محلات متخصصة، لمساعدة الحرفيات على تثمين هذا المنتوج وتسويقه لاسيما  ما تعلق بالزربية الغرداوية، وهي مبادرات تهدف كذلك إلى وضع حد للسماسرة الذين يعيدون بيع المنتج بأثمان مضاعفة بعد شرائه بأقـل تكلفة.

عبد الحكيم أسابع

ومن بين الفاعلين المحليين الذين أخذوا على عاتقهم مهمة مساعدة النساء والأسر المزابية على تسويق منتجاتهم من زرابي وملابس وأغطية، نجد صالح تريشين من قصر بني يزقن بغرداية، وهو صاحب محل  "تيشبرتنلتش داتاشا" أو (عباءة الهناء )، قابلناه مؤخرا خلال مشاركته في المعرض المقام على هامش الاحتفالات الرسمية بعيد رأس السنة الأمازيغية "يناير" بتمنراست، فأكد لنا، بأنه تكفل رفقة ناشطين آخرين بمساعدة الكثير من حرفيات بني يزقن بغرداية، على تسويق منتجاتهن سواء الزربية المزابية أو المنتوجات الحرفية الأخرى، وذلك كشكل من أشكال التكافل الاجتماعي، لأن الزربية تشكل مصدر رزق للكثير من الأسر، مضيفا بأنهم، أخذوا على عاتقهم مسؤولية شراء المنتجات الحرفية والمساهمة في تعليم صناعة السجاد وتوريثها للأجيال اللاحقة من خلال تخصيص مناسج صغيرة للفتيات، وشراء ما تنسجنه بأسعار رمزية لتشجيعهن.
وقال محدثنا : " لقد ساهمنا في خلق فرص لتسويق هذا المنتوج النسوي بعد أن كان السماسرة يستغلون بعض الحرفيات، فيشترون منهن ما ينتجنه بأثمان زهيدة قد لا تغطي حتى تكاليف المادة الأولية، ثم يبيعونه بأسعار مضاعفة، لذلك ارتأينا أن نتكفل بتثمين هذه السلع، وشرائها لضمان دخل محترم لعشرات الأسر، منهن حرفيات و صاحبات أياد ماهرة".
وتعد الصناعة التقليدية وبالأخص نسج الزرابي، ركيزة الاقتصاد المحلي كما أوضح التاجر، حيث تشكل مصدر دخل رئيسي للعديد من النساء وتحظي باهتمام كبير من طرف العائلات الريفية، رغم كل ما تواجهه من خطر الانتثار بسبب ضعف التسويق.
ويرى تريشين، بأن حل هذه المشكلة يتطلب تضافر جهود الفاعلين الاقتصاديين والمسؤولين على الصعيدين الوطني والمحلي، من أجل ترقية هذا المنتوج الهام وتسويقه على شاكلة أفضل، خصوصا وأنه مفخرة للمنطقة ورمز من رموز الهوية المزابية.
 مهنة يدوية نسوية
اشتهرت ولاية غرداية، بالصناعة التقليدية منذ القدم خاصة المنسوجات التقليدية بأنواعها وبالخصوص الزربية، التي تعد من أهم الصناعات المحلية، حيث لم تفقد هذه الحرفة قيمتها على مر السنين، وفرضت نفسها على المستوى الوطني والدولي نظرا للتقنية والمهارة العاليتين في مد النسيج واختيار ألوانه.
وتعد صناعة الزربية التقليدية اليدوية حرفة نسوية "بامتياز" في وادي ميزاب، على غرار مناطق أخرى من الوطن، فبالإضافة إلى ما تحمله من أبعاد اقتصادية وثقافية، تعد نشاطا عاكسا لمدى إبداع المخيال الاجتماعي لسكان المنطقة، كما أنه من الموروثات الحضارية التي تتناقلها النساء.
و تكتب تلك الزخارف والرموز التي تزين زربية غرداية، ومختلف المنسوجات اليدوية الأخرى، من ملابس وأغطية ثقيلة والخفيفة، رسالة تقرأ من جيل إلى آخر، حيث تعبر عن حياة الناس و عن تقاليد أغلب بيوت وادي مزاب، فكل القصور السبعة، تتوفر  حسب محدثنا،  على منسج عمودي أو أكثر لإنتاج مختلف القطع التراثية، على غرار الزربية التي تعد الحاضر الأكبر في العديد من المناسبات  و تعتبر قطعة أساسية في جهاز العروس.
و تكمن قيمة الزربية المزابية في جودتها العالية وجمال أشكالها وألوانها وكثافة نسيجها، حيث تتم حياكتها يدويا و بأحجام مختلفة، وقد نال وادي مزاب شهرة كبيرة فيما يتعلق بهذا المنتج ذائع الصيت، بما في ذلك السجاد الصوفي الصافي ذي الظلال اللونية الطبيعية، والسجاد المصنوع من الألوان الصناعية الزاهية، والذي تزينه الأشكال و الرموز التراثية، وكلها زخارف تلعب دورا جماليا في النسيج، حيث تستعـمل كل قطعة لأغراض نفعـية معـينة  و في مناسبات محددة، و ترتبط عموما بعادات وتقاليد المنطقة، فإما أن تفرش على الأرض أو تعلق على الجدران ولكل زربية اسم خاص بها، كما أن لكل قصر في غرداية،  حسب صالح تريشين
زربية تميزه، وتعد بمثابة بصمة هوياتية و ثقافية، ترمز إلى عراقة هذه المنطقة و مدى ارتباطها بأصالتها، فهي و على الرغم من التطور التكنولوجي، تقاوم الاندثار وتحافظ على مكانتها بأشكالها و رموزها وألوانها المميزة، وتعد تحفة فنية وجزء من التراث الجزائري العريق، إذ كانت ولا زالت إلى يومنا مضربا للأمثال، بوصفها تحفة عريقة مثلت المنطقة والوطن، في الكثير من المهرجانات الدولية والمحلية حتى ذاع صيتها في كل مكان، بفضل تلك الخصائص التي اكتسبتها بفعل جودة صناعتها وألوانها الجذابة وزخرفتها التي تسحر الأعين، لاسيما وأنها تتصدر قائمة المنتجات الحرفية الأكثر قيمة ، مقارنة بصناعات أخرى على غرار الحلي والفخار والنجارة والجلود وما إليها.                      عبد ع.أ

الرجوع إلى الأعلى