تشتهر منطقة فركان بتبسة، بوفرة إنتاج الزيتون ، وتحتل شجرة الزيتون بهذه البلدية الصحراوية التي تبعد عن عاصمة الولاية بحوالي 180 كلم، مكانة مميزة في قلوب السكان تصل إلى حد تقديسها باعتبارها إرثا يرمز للارتباط بالأرض.
رافقنا بعض السكان المحليين، خلال بداية موسم الجني، وقد لاحظنا خلال الجولة، بأن هناك أشجارا معمرة أصبحت جزء من هوية المنطقة، فرغم قدمها و جفاف جذوعها إلا أنها لا تزال مثمرة ، وتتعدد أنواع الزيتون ببلدية فركان، و تختلف من حيث الجودة التي تنعكس كذلك نوعية الزيت المستخلص منه، حيث نجد نوع "الزرازي"، الذي يتميز بح بكبر حجم الحبة و نواتها، و هو نوع أخضر، تقوم النساء بحفظه وتخليله إلى جانب الفلفل الحار في العادة، و يطلق عليه سكان فركان اسم "الزيتون المصبّر"، أما النوع الأسود من ذات الصنف، فيخلل دون أن يخلط بالفلفل الحار ويعرف محليا بـ "الزيتون المرقّد"، و يكثر تناوله عادة بين شهر ديسمبر و أواخر شهر مارس، أي طيلة موسم البرد، أما باقي الأنواع الأخرى فتوجّه إلى المعاصر لإنتاج الزيت.
تنطلق عملية الجني صباحا في فركان، ويشارك فيها جميع سكان المنطقة تقريبا، إذ تجمع الغلة خلال الساعات الأولى من النهار، وتتم عملية الفرز مساء بعد العودة للمنازل، أين يعصر الزيتون بطريقة يدوية تقليدية ليستخلص منه ما يطلق عليه اسم "زيت النضوح" أو زيت "العصرة الأولى"، و هو نوع عالي الجودة، بل ويعد الأفضل على الإطلاق لما له من قيمة غذائية ناهيك عن تميزه بذلك اللون الأخضر النقي وبرائحة قوية و عبقة.
وحسب العارفين بخبايا المجال، فإن نسبة الإنتاج في القنطار الواحد تتراوح من 21 إلى 23 لترا خلال فترة " الليالي البيض "، الممتدة من ديسمبر إلى 15 جانفي، أما في الفترة التالية و المعروفة بـ "الليالي السود " فإن الإنتاج قد يختلف من 23 إلى 25 لترا في القنطار الواحد، وقد عرفت بلدية فركان، تراجعا في عدد أشجار الزيتون، التي تقدر حاليا بحوالي 6 آلاف و 7 آلاف شجرة، دوت احتساب مشاتل زيتون الجبل، و يعتبر هذا النوع كذلك من أجود ما تنتجه منطقة فركان من زيتون، حيث تقوم النسوة بعجنه ليلا ثم يوضع في الصباح في أوان كبيرة بها ماء ساخن، و يحرك إلى أن يطفو الزيت فوق الماء، فيجمع براحة اليد ويوضع في قوارير تغلق بإحكام، وهو ثان أحسن زيت يتم إنتاجه تقليــديا.
جودة وشفاء وغلاء
يعتبر زيت الزيتون "الفركاني" من أغلى أنواع الزيوت بتبسة، حيث يتجاوز سعر اللتر الواحد منه ألف دينار جزائري، و قد أرجع سكان فركان، أسباب هذا الغلاء إلى صعوبة جني المحصول، فلو تمعنا جيدا الطريقة التي يتم بها جني الزيتون إلى غاية عصره حسبهم، لوجدنا بأنها عملية مضنية و شاقة للغاية، تحتاج إلى جهد كبير وصبر طويل لذلك يخضع السعر للصعوبات والجهود المبذولة في العمل على تحضير المنتوج.        و من جهة أخرى، فإن العملية تحتكم لقاعدة العرض والطلب، ولأن العرض دائما ما يكون أقل من الطلب، فإن الأسعار تبقى مرتفعة، زد إلى ذلك استمرار الاعتماد على الطريقة التقليدية في العصر، و هو تحديدا ما يضاعف الطلب على هذا النوع دون غيره.
فأشجار الزيتون المنتشرة بفركان، فريدة وطنيا، ومعروفة بفوائد زيتها.
خلال جولتنا في المنطقة، علمنا من بعض أصحاب حقول الزيتون، بأنه ورغم استمرار عملية الجني و إنتاج كمية مقبولة من الزيتون في كل سنة، إلا أن الحقول والأشجار عموما تأثرت بشكل كبير بعامل الجفاف وشح الأمطار خصوصا هذا الموسم، إذ يتوقع أن يكون المحصول منخفضا في المنطقة، وقد عبروا عن خيبة أملهم إزاء ذلك، خصوصا و أن الكثير من أشجار الزيتون قد جفت بسبب موجة الحر والجفاف وكذا بعض الحرائق التي اندلعت صيفا، كما تطرقوا كذلك إلى تراجع الاهتمام بهذه الشعبة و ضعف مساعي حمايتها من الأمراض.
ع.نصيب

الرجوع إلى الأعلى