انعكس تصاعد موجة الإصابة بمتحورات فيروس كورونا، على زيادة الاعتماد على الطرق التقليدية للعلاج والوقاية، خصوصا ما تعلق بالأعشاب ذات الاستخدامات العلاجية، التي ازدهرت تجارتها في الأسابيع القليلة الأخيرة، ولم تعد تقتصر على محلات العطارة فقط، بل زاد عدد طاولات الباعة الفوضويين الذين يعرضون الشيخ و الكاليتوس والنعناع و ورق الغار في أكياس بلاستيكية، على أرصفة الطرقات وعند مداخل الأسواق.
لينة دلــول
متحوّرات كورونا تبعث صيدلية الجدات
ولا يكاد يخلو شارع تجاري أو سوق واحد بوسط مدينة قسنطينة، من طاولات باعة الأعشاب وهم في الغالب شيوخ، يعرضون فوق قطعة خشب تغطيها خرقة من قماش « الخيش»، تشكيلة متنوعة من الأعشاب التي يشاع بأنها طبية ولها فوائد علاجية، وتعتبر مكونا رئيسية في الصيدلية التقليدية الطبيعية أو صيدلية الجدات، وقد لاحظنا خلال جولة ميدانية، بأن عدد  هؤلاء الباعة قد زاد بشكل كبير، خصوصا عند مدخل سوق الإخوة بطو، بشارع مسعود بوجريو « سان جون»، أين يتوزع عدد منهم على رصيف الشارع الرئيسي يضعون قبالتهم أكياسا بلاستيكية كبيرة، بها  كمية معتبرة من عشبة الأوكاليبتوس أو الكاليتوس كما يعرف بالعامية، وقد كان أحدهم ينادي مروجا لبضاعته بالقول بأنه يقدم للناس الحل السحري لتقوية جهاز المناعة ومحاربة كورونا، والغريب أن الإقبال على شراء العشبة كان ملحوظا.
 تقربنا من بعض المواطنين وسألناهم عن حقيقة استخدامهم للعشبة، فأخبرونا، بأن الكاليتوس مفيد جدا لمحاربة الفيروسات وأنه بمثابة علاج طبيعي مثبت بالتجربة، حتى أن سيدة علقت قائلة، يكفينا الغموض الذي يحيط بالفيروس و متحوراته، وما نتناوله من أدوية وما أخذه من لقاحات، الأعشاب الطبية بديل مناسب جدا فإن لم تشفيك لن تضرك كما عبرت، مضيفة بأن الوصفات العشبية والزيتية لها أهميتها ومكانتها في المجتمع الجزائري.
 شيخ آخر تحدثنا إليه قال، بأنه قضى كل حياته معتمدا على الأعشاب الطبية للعلاج وأن الصيدلية الطبيعية لم تخذله يوما.
وعلقت خمسينية على الموضع قائلة، بأن مشاكل القطاع الصحي والوضع الوبائي السيئ في ظل الارتفاع المخيف لأعداد الإصابة بمتحور أوميكرون، يجعل الأمهات يبحثن عن بديل احتياطي يمكن تخزينه كالأعشاب التي تقينا الحاجة لانتظار من يسعفنا على حد تعبيرها.
  بطالون بعباءة عطارين
الملاحظ أيضا أن عشوائية تجارة الأعشاب، لم تعد تقتصر على الشيوخ والكحول، فقد قابلنا شبابا يبيعون أعشابا من قبيل الشيح و ووق الغار و النعناع، والغريب أنهم كانوا يستعرضون فوائدها على الصحة بأعلى صوت، ويشرحون كيف يمكن لمنقوع العشبة الفلانية أن  يخفف أعراض الزكام، وكيف تشكل عملية تبخير عشبة أخرى، درع حماية لكل العائلة من كورونا وحجتهم في ذلك أنها أعشاب قديمة الاستخدام مثبتة النتائج.
 وما شدنا أكثر هو لجوء الكثيرين، إلى وصفات الطب الشعبي لتعزيز المناعة بعد مرور ثلاث سنوات كاملة من عمر الجائحة، واعتقادهم بأن عشبة بسيطة قد تشكل طوق نجاة من الإصابة بالفيروس، وقد أكد لنا بعض العطارين وباعة الأعشاب بمحلات العطارة بوسط المدينة، بأن تجارتهم انتعشت كثيرا في الثلاثة أشهر الماضية، لأن الناس ملوا من الأدوية و غلائها وقرروا اللجوء إلى الطب البديل أو « الطب النبوي « كما عبروا.
 خلال حديثنا إلى بعضهم، سألناهم إن كانوا  قد تلقوا تكوينا في مجال العلاج البديل، أو إن  درسوا عن الموضوع أو كانت لتخصصاتهم علاقة بالصيدلة أو علم الأحياء أو غير ذلك، فاتضح لنا بأن غالبيتهم بطالون لا يملكون أية خلفية علمية عن الأعشاب أو غيرها، لكنهم يرددون ما يتداوله العامة عن فوائدها و يعيدون وصف ما يكثر الطلب عليه، للزبائن الذين يبحثون عن النصح.
 منقوع الأعشاب موضة جديدة
محدثونا ورغم افتقارهم للخلفية المعرفية، إلا أنهم لا يتوانون في التأكيد على فعالية الأعشاب، وذلك بدليل الإقبال المتزايد عليها حسبهم، إلى جانب كثرة الطلب على منقوع الأعشاب المقطرة، والذي تحول مؤخرا إلى إكسير سحري لعلاج الأنفلونزا كما أخبرنا  بائع أعشاب بشارع عبان رمضان، موضحا، بأن تقطير الأعشاب الطبية صار موضة رائجة منذ ظهور الجائحة وأن هناك إقبالا كبيرا على مستخلصات الشيح و الزعتر و الخزامة و البابونج، التي تساعد على تعزيز المناعة ضد الفيروسات، والتي تعتبر أسهل من ناحية الاستخدام إذ يكفي أن يأخذ الإنسان ملعقة أو رشفة منها ليشعر بتحسن، دون الحاجة إلى نقع العشبة أو تبخيرها.
مـواقع التواصل روجت للخلـطات الطبيعـية
و الواضح بأن لمواقع التواصل دورا كبيرا في الترويج  للبدائل العلاجية الطبيعية،  بما في ذلك وصفات الخلطات المصنوعة من الأعشاب، حيث يتداول المستخدمون فيما بينهم، فيديوهات تعرض طرقا حديثة وتقنيات جدد لتحضير مشروب الزعتر والقرنفل، كما ينصحون بعضهم بتجريب وصفة مسحوق القرنفل مع الليمون والعسل، و استعمال دخان أوراق الكاليتوس لتطهير المنزل والقضاء على الفيروس، وكلها منشورات تحقق تفاعلا كبيرا من حيت الإعجاب والمشاهدة، كما أن التعليقات حول هذه الوصفات كثيرا ما تكون إيجابية.
وحسب تأكيدات صاحب محل لبيع الأدوية البديلة بوسط المدينة، فإن دكانه يستقبل يوميا عشرات الزبائن من مختلف الأعمار والشرائح، منهم من جاء بعدما نصحه الطبيب بعشبة معينة على أنها مناسبة كمكل غذائي، ومنهم من يبحثون عن الزنجبيل و الميرامية و الكاليتوس و القرنفل و الزعتر، بعدما استدلوا على فوائدها من خلال مواقع التواصل.
الإفراط في استهلاك الأعشاب يعود سلبا على صحة الفرد
وبهذا الخصوص أكدت أخصائية التغذية، عمران منال بأن الأعشاب الطبيعية المعروفة، لها دور مهم في تقوية المناعة لكن الإفراط في تناولها إلى جانب الأدوية، يمكن أن يسبب أضرارا جانبية، فقد لا تتناسب مكونات العشبة مع تركيبة الدواء، وقد تكون لهذه العلاجات التكميلية قيمة إضافية، كما يمكن أن تقلل أو أن تضعف فعالية الدواء الذي يصفه الطبيب.
وتحذر الأخصائية، من تناول الأعشاب دون استشارة الطبيب، لأنها قد لا تكون في معظمها آمنة ومفيدة، كما يجب حسبها، التأكد من صلاحيتها والانتباه إلى الأدوية المستخدمة لمنع احتمالية حدوث تفاعل غير محمود العواقب.
 يذكر من جهة ثانية، بأن مختصين وباحثين في علم السموم، كانوا قد حذروا خلال ملتقى عملي وطني، حول موضوع الأعشاب الطبية احتضنته قسنطينة، قبل سنوات، من  الجهل بخطورة العلاجات البديلة   خصوصا وأن سنة 2014 ، عرفت وحدها تسجيل أزيد من 10آلاف حالة تسمم ناجمة عن الأعشاب والخلطات.
ل.د

الرجوع إلى الأعلى