بدأت السياقة و سنها لا يتجاوز 17 سنة، لم تتعلم أبجدياتها في سيارة نفعية، كما هو شائع، بل اكتسبتها على متن شاحنة عمها، التي داعبت قدماها لأول مرة دواساتها و لامست يداها مقودها مبكرا، دون أن تشعر بالخوف، و ظلت تتمرن على يد عمها، إلى أن أصبحت تقود الشاحنة بمفردها، و سنها لا تتعدى 18 ربيعا، عندئذ تحصلت على رخصة السياقة، التي تعتبرها المفتاح الذي أزاح الأغلال عن يديها، بعد أن حرمها والدها من قيادة سيارته، لعدم حيازتها على الرخصة، التي حققت بفضلها حلم سياقة السيارة و التنقل بين الولايات، و سنها لم يتعد 19 سنة، ثم تمكنت السيدة إلهام بكوش، المعروفة ب»أم يعقوب» من قطع كل ولايات الوطن، و اكتسبت ثقة و احترام و تقدير زبائنها، الذين يفضلونها عن غيرها، للتنقل و التنزه و السفر عبر مختلف ولايات الوطن، إلى غاية البلد الشقيق تونس.

    أسماء بوقرن

بالرغم من أن فكرة سياقة امرأة لسيارة أجرة، لا تزال نوعا ما دخيلة أو بالأحرى غير مقبولة بشكل كاف بمجتمعنا المحافظ، إلا أن السيدة إلهام، لم تجد مانعا في اقتحام ميدان النقل على متن سيارة أجرة الذي تعشقه عشقها للسياقة، و تعتبره عملا شريفا يصون كرامة المرأة و يكسبها رزقا حلالا، كما ترى بأنها فتحت بابا أمام سيدات أخريات خشين فتحه و اشتغلن في الظل ك»كلوندستان»، خوفا من تعليقات الناس.
و أضافت السائقة الشابة، أنها بذلك كسرت هيمنة الرجال على مجال النقل، و أزاحت أفكارا خاطئة عن الأذهان، مؤكدة في حديثها للنصر، بأنها لا تشعر بالحرج عندما تتوقف بالمحطة الخاصة بسيارات الأجرة بالمدينة الجديدة علي منجلي بقسنطينة – الخط الذي تعمل به ـ و تنقل الركاب نحو الخروب، و لا يقتصر عملها على هذا الخط فقط، كما قالت لنا، و إنما يمتد إلى مختلف المناطق الموجودة داخل و خارج تراب الولاية، استجابة لطلبات زبائنها.  
فتحت الباب أمام سيدات خشين سياقة سيارات أجرة
عن سر اقتحام إلهام ذات 38 سنة، المعروفة باسم «أم يعقوب»، لهذا المجال بالذات، أوضحت للنصر، بأنها و منذ نعومة أظافرها، كانت تعشق السياقة، و تعلمتها لأول مرة على متن شاحنة عمها، الذي لقنها أبجديات القيادة، فأصبحت تقود شاحنته بسهولة سنة 2002، كما كانت تستغل فرصة عودة والدها إلى المنزل، لتأخذ مفاتيح مركبته خلسة  لتقودها، غير أنه تفطن لذلك في ما بعد، و أصبح يخفي عنها المفاتيح، خوفا على سلامتها.
كل ذلك جعلها تتمسك أكثر بحلمها، فبمجرد بلوغها سن 18 ، سجلت نفسها في مدرسة لتعلم السياقة للحصول على الرخصة، و تمكنت من ذلك في وقت وجيز، لأنها تتقن كل قواعدها و أسرارها، و بدأت تفكر في حل لتتمكن من توفير مبلغ مالي يكفي لشراء سيارة.
و بعد زواجها و  وضعها لمولودتها الأولى سنة 2006، قررت بيع مصوغاتها لتأمين قيمة السيارة، التي تعتبرها وسيلة ضرورية لضمان التنقل المريح لها و لأبنائها، و لم تكن تفكر آنذاك باستغلالها لتوفير دخل مادي.
زوجي و عائلتي شجعاني على العمل
قالت المتحدثة و هي الآن أم لأربعة أبناء، بأنها بدأت بعد أقل من سنة من اقتناء المركبة، تتنقل رفقة ابنيها خارج الولاية، و وجهتها الأولى كانت ولاية باتنة، حيث اصطحبتهما إلى  مدينة الألعاب، فكانت بداية تنقلاتها إلى خارج تراب الولاية، و اكتشاف مسارات تقود إلى مختلف ولايات الوطن، و أشارت إلى أنها لم تكن تتردد في نقل من تجده في طريقها إلى وجهتها، خاصة عند تنقلها إلى قاعة الرياضة لممارسة السباحة و رياضة الأيروبيك، و من هنا ولدت لديها فكرة العمل في مجال النقل، خاصة و أنها تستمتع بذلك.  
عن انطلاقها في العمل كسائقة سيارة أجرة محترفة، قالت أنها بدأت بشكل رسمي منذ سنتين، مشيرة إلى أنها تحصلت منذ أكثر من خمس سنوات على شهادة تأهيل سياقة سيارة أجرة، غير أنها لم تتمكن آنذاك من الحصول على ترخيص بالنشاط،  لأن ملف منح رخص استغلال سيارات الأجرة كان مغلقا على مستوى مديرية النقل بولاية قسنطينة.
قالت أم يغقوب أنها لم تشأ البقاء مكتوفة اليدين لحاجتها للعمل، و بدأت بعرض خدماتها على قريباتها و صديقاتها و جاراتها، فلاقت كل الترحيب و الدعم، خاصة عند تنقلهن لأماكن خاصة بالنساء، كقاعات الحلاقة و الرياضة و الحمام و غيرها، حيث يشعرن بالارتياح و المتعة معها.
كما يقصدها رجال، لنقل زوجاتهم لزيارة عائلاتهن، داخل و خارج الولاية و حتى بالجنوب الجزائري، و لا يجدون داعيا لمرافقتهن،  مادامت هي السائقة.
و يزيد الإقبال على خدماتها صيفا، خاصة للذهاب للبحر، مشيرة إلى أنها زارت مختلف ولايات الوطن، و لا تجد صعوبة في التنقل لأي ولاية، سواء بالشرق أو الغرب في الشمال أو الجنوب، مضيفة أنها تروج لنشاطها  و تتواصل مع زبائنها من خلال خطيها الهاتفيين، و كذا صفحتها على موقع التواصل فايسبوك، التي تحظى بإقبال كبير من الزبائن.
الطالبات المقيمات يشكلن نسبة كبيرة من زبائني الأوفياء
أكدت أم يعقوب أن زوجها و عائلتها لم يعارضا عملها في مجال نقل الأشخاص، بل حظيت بالتشجيع منهما، غير أنها صادفت عراقيل في بداية نشاطها، من قبل زملائها في المهنة،  لأنها لم يتقبلوا  وجودها في القطاع، لكن بمرور الوقت تعودوا عليها.
و أضافت أنها تحظى اليوم باحترام و تقدير زملائها و كذا الزبائن الرجال الذين لا يمانعون في التنقل على متن سيارتها، غير أنها قررت أن يقتصر نقلها للركاب خارج الولاية على النساء و العائلات و الطالبات الجامعيات اللائي يشكلن نسبة كبيرة من زبائنها الأوفياء، كما أكدت للنصر، فيما ترفض نقل الرجال بمفردهم.
كما أنها ترفض العمل ليلا ، إلا عند الضرورة القصوى، أو في سهرات رمضان، الشهر الذي تعتبره استثنائيا.
و أوضحت المتحدثة بأنها لم تكن تجد أي صعوبة في نقل زبائنها إلى البلد الشقيق تونس، و زارته عدة مرات، خاصة خلال فصل الصيف، مضيفة أنها تسعى لتوسيع نشاطها، و لما لا فتح مكتب خاص بسيارات الأجرة تطلق عليه اسم «أم يعقوب»، لتسهيل  تنقلات النساء، خاصة اللائي يعانين من ظروف خاصة و قيود أسرية.                 
أ ب

الرجوع إلى الأعلى