تتحول حواف الكثير من الطرقات في بلديات قسنطينة إلى سوق للذرة المشوية، وتشكل طاولات بيعها ديكورا صيفيا بامتياز، فلا يكتمل الموسم إلى بمشهد شباب و حتى أطفال يبيعون أكوازها لمستعملي الطرقات الذين تشدهم رائحتها اللذيذة و يغريهم الدخان المنبعث من مواقيد الخشب والشوايات المنتشرة تباعا على طول الطريق، والتي تجعل من أكل الشوارع تجربة مميزة رغم مخاطره على الصحة.

متعـة بأقـل التكاليـف
وككل المحاصيل الصيفية، فإن الذرة تعد مصدر رزق للكثير من الشباب والمراهقين، وذلك لسهولة الاستثمار فيها، فهو نشاط لا يتطلب رأس مال كبير، بل ما يكفي فقط لشراء كمية كافية من الأكواز، أما الباقي فوسائل بسيطة أو بدائية حتى، هي بالعموم حجارة وبعض الأخشاب التي تشكل موقدا يشتعل على الجمر، إضافة إلى وعاء به قليل من الماء المملح، إذ يندر أن تحصل على كيس أو منديل ورقي من بائع ذرة في الشارع، حتى أن غالبية الزبائن يفضلون أكلها ساخنة في مكانها أو حملها إلى السيارة داخل أوراقها الخضراء الكبيرة، وهو ما يجعل متعة تناولها أكبر.
استوقفنا و نحن في طريقنا نحو بلدية عين السمارة  قادمين من وسط مدينة قسنطينة، العدد الكبير لباعة الذرة، الذين لاحظنا بأن بينهم أطفالا، ترجلنا من السيارة، وتقربنا من بعضهم للسؤال عن الأسعار خصوصا بعدما  لفتنا الإقبال الكبير على الطاولات الصغيرة، والتي لا تعدو في الغالب كونها صناديق مقلوبة وضعت عليها قطعة خشب مغطاة بقطعة من القماش أو البلاستيك، سألنا أول بائع على مستوى منطقة الكيلومتر الرابع، عن سعر كوز الذرة، فقال بأنه   بـ 70دج، أما الثاني والذي كان يبعد عنه بحوالي 12 مترا، فأخبرنا بأن الكوز بـ 50 دينارا، و قال ثالث، بأن السعر هو 60 دينارا، وهو تقريبا ضعف المبلغ الذي كان متداولا قبل أقل من سنتين، و السبب في هذا الارتفاع حسب محدثينا، راجع إلى نقص المنتوج هذه السنة.
مع ذلك فإن عدد المواطنين الذين ركنوا سياراتهم على حافة الطريق للحصول على الذرة المشوية كان كبيرا بعضهم عائلات و بعضهم أفراد، بينهم من حملوها إلى سياراتهم وانطلقوا و فضل آخرون أكلها في مكانها ساخنة تقطر منها المياه المملحة وغالبيتهم رجال.
 سألنا مواطنا عن رأيه فيما يأكله، وما إذا كانت الذرة طرية فعلا و ممتلئة كما اعتدنا عليها في الصغر، أم أن نوعيتها تغيرت، فقال، بأنها كلعبة الحظ، فقد  تحصل على حبة طرية و ممتلئة و ناضجة بشكل جميل وقد يحدث أن تشتري حبة تبدو شهية، لكنها تكون قاسية و جافة عند الأكل.
 مواطن آخر، كان يفق بالقرب منا وينتظر أن تجهز أكوازه الخمسة، علق على حديثنا بالقول، بأن الأمر يتوقف على  فترة نضج المحصول، فالذرة التي تجهز في بداية الموسم تكون جيدة بالعموم، مضيفا، بأنه يتعين على الزبون اختيار بائع واحد يكون منتجه جيدا، و أن يشتري ما يريده من عنده دائما، لأن ذلك سيضمن له الحصول على ذرة طازجة و يجنبه المفاجئات غير السارة.
بعض من تحدثنا إليهم، خلال جولتنا، قالوا، بأن متعة أكل الذرة المشوية في الشارع لا تضاهى، وأنها تقليد صيفي سنوي لتكسير الجوع في الفترة المسائية قبل وجبة العشاء.
 وقال الشاب حمزة، بأنه يشتريها لأنها مفيدة للصحة و تساعد على تحسين الهضم، و تنشيط الدورة الدموية وأن أليافها تحمي من الإصابة بالسرطان، أما عمار فأخبرنا، بأنه  يشتريها كلما كان مع العائلة تلبية لطلبهم وإلحاحهم، وقال يوسف، أن الذرة التي تباع على حواف الطرقات تكون لذيذة عكس تلك التي يشويها بنفسه في المنزل و لذلك يفضلها، خصوصا وأن سعرها مقبول حيث يفضل أكل حبة ذرة مفيدة على تناول قطعة من الحلوى.


وجبة خفيفة بطعم الذكريات
ويقبل شباب على بيع الذرة، كل مساء ابتداء من الساعة الرابعة و إلى غاية السابعة والنصف، حيث يضعون عدتهم على امتداد الطريق أو عند مدخل سوق معين و يستعرضون أكواز الذرة الممتلئة والذهبية بشكل جميل يغازل نظر الزبون و بطنه على حد سواء، ويركزون في طريقة عرضها على إظهار حجم الحبة ولونها وهي مشوية، ما يجعل الناظر إليها يسترجع ذوقها اللذيذ في مخيلته و قد يسترجع معه بعض الذكريات المرتبطة بالطفولة و ربما بأيام الصيف التي تعد هذه الأكلة جزءا منها، فيشتري منها مباشرة.
الحاجة تدفع الشباب للبيع على الطرقات
انتبهنا ونحن نتنقل بين طاولات الباعة على مستوى منطقة «السوناكوم»، إلى أيمن الذي كان يقف على بعد خطوة من الطريق معرضا نفسه لخطر السيارات المسرعة، وهو يلوح لركابها بيديه مشيرا إلى طاولته، في محاولة لكسب عدد أكبر من الزبائن، تحدثنا إليه، فقال بأن عمره 25 سنة، وأنه ينحدر من بلدية عين سمارة القريبة، وأن هذا هو عمله حاليا، وأن كل زبون إضافي يعني دينارا إضافيا، و لذلك يجتهد في كسب زبائنه.
وعن مصدر الذرة التي يبيعها، أخبرنا، بأنه يحصل عليها من صاحب حقل قريب مقابل 80 دج للكيلوغرام الواحد، ويعيد بيعها مقابل 50 دج للحبة، وأضاف، بأنه مضطر لممارسة هذا النشاط، خاصة أنه لا يجد عملا آخر في الوقت الحالي.
وقال شاب آخر، بأن بيع الذرة عمل متعب، لأنه يتطلب تحمل الحرارة والدخان و الجلوس أو الوقوف مطولا تحت أشعة الشمس، مشيرا إلى أنه يبيع مواد التنظيف صباحا  ويأتي في المساء ليبيع الذرة على قارعة الطريق، وذلك من أجل تغطية تكاليف عرسه الذي سيكون قريبا، مؤكدا بأن عائد البيع مقبول، خاصة إذا كان النشاط يوميا.
أما أنور وهو شاب ثلاثيني، فأكد لنا، بأن النشاط تراجع  هذا العام مقارنة بالعام الماضي، مرجعا السبب إلى نقص الذرة في الأسواق من جهة و ارتفاع سعرها من جهة أخرى.
أخصائي التغذية محمد عبد القادر لزرق : طريقة شوي وحفظ الذرة قد تكون مضرة بالصحة


يؤكد أخصائي التغذية عبد القادر لزرق، بأن الذرة التي تباع على حواف الطرقات  قد تسبب أمراضا، خاصة إذا ما لم تتوفر فيها الشروط الصحية، كعدم حفظها بشكل جيد، وينصح الباعة بعدم تركها مكشوفة لتجنب الغبار والغازات المنبعثة من المركبات، كما ينصح بتغيير الماء الذي تنقع فيه بعد شويها، لأن الاحتفاظ به لمدة طويلة يؤدي إلى تلوثه، إذ يصبح وسطا ملائما للطفيليات وبعض أنواع البكتيريا الضارة وهو ما قد يسبب أمراضا.
وقال، بأنه يفضل أكلها باردة أو نصف ساخنة، للحفاظ على مخزون النشاء الذي تتوفر عليه، وكي لا يتحول إلى سكريات بسيطة يمكن أن تسبب ارتفاع نسبة السكر في الدم.
 مضيفا، بأن من الأحسن غليها في الماء، أو طهيها على البخار لأجل الحفاظ على قيمتها الغذائية، و تجنب تكون مركبات ثانوية جراء تعرض حبيبات الذرة للحرارة لأن آثار الحرق والبقع البنية التي تظهر عليها بعد الشوي، هي عبارة عن مسرطن يسمى الأكريلاميد.
وينصح الطبيب، بطهي الذرة بشكل صحي للاستفادة من فوائدها فهي تقي من أمراض القلب و السرطان و فقر الدم وداء السكري، كما أنها مجددة للطاقة ومفيدة للعيون، وتحافظ على البشرة و الشعر، كما تعتبر جيدة لصحة العظام والأسنان.
وتتكون الذرة بشكل رئيسي من الماء و الكربوهيدرات إلى جانب كمية قليلة من البروتين والدهون، حيث يحتوي  كل 100 غرام من الذرة المسلوقة، على 96 سعرة حرارية منها 73 بالمائة ماء، إضافة إلى البروتين و الكربوهيدرات، والنشاء، بالإضافة إلى السكر  و الدهون و الألياف و الفسفور ويتواجد هذا العنصر بكميات مرتفعة في الذرة الصفراء والذرة الحلوة، ويلعب الفسفور دورا مهما في نمو أنسجة الجسم، كما تحتوي الذرة على المغنيزيوم والزنك والنحاس و البوتاسيوم بنسب منخفضة، و حمض الفوليك وفيتامين ب5 وب3 وب6، بالإضافة على مضادات الأكسدة مثل حمض الفايتكواللوتين، ومكونات أخرى.

r  هدى طابي/ عبد الناصر سليخ

الرجوع إلى الأعلى