المرض و الفقر يجتمعان على عائلة محمد الشريف بقسنطينة
اجتمع المرض و الفقر على عائلة محمد الشريف القاطنة بحي بوذراع صالح بقسنطينة، بمسكن أقل ما يقال عنه أنه كوخ زاد من معاناة هذه الأسرة التي انتقلت إليه قهرا ،بعد عجز رب العائلة المصاب بورم خبيث على مستوى الأنف و البلعوم، عن دفع أقساط كراء البيت الذي كانوا يعيشون فيه قبل إصابته بهذا المرض الخطير الذي اضطره لبيع كل ما يملك أملا في الشفاء.
مرض الوالد لم يكن المصاب الوحيد الذي ألم بأسرة محمد الشريف، بل حالة الابنة البكر ملاك، البالغة من العمر الست سنوات، ضاعفت معاناة الوالد الذي تناسى آلامه، و راح يجوب عيادات المختصين لأجل مساعدة فلذة كبده على تجاوز تخلّف ذهني بسيط ،ساهمت قساوة المحيط في تفاقمه، بسبب معايرة أبناء الجيران لها بترديد عبارة «مهبولة».
ملاك التي تأثرت لرؤية والدها يذرف دمعا ،و هو يسرد لنا معاناة صغيرته، قالت لنا:» ما نزيدش نروح نقرا باش ما يقولوليش مهبولة»، تعبيرا عن تأثرها بكلام زملائها بالمدرسة الابتدائية التي عمل والدها المستحيل لأجل إقناع مدير المؤسسة بقبول تسجيلها في قسم خاص وفق ما يسمح به القانون، بعد تقديم الوثائق و التقارير الطبية التي أكدت سلامتها العقلية و قدرتها على التعلّم، لكن حالة النشاط المفرط و عدم توقفها عن الحركة و الترّنح، تحوّلا إلى مصدر سخرية و انتقاد كل من حولها كبارا و صغارا، مثلما ذكرت والدتها التي تأسفت لسلوك جارة لا تكف عن شتم صغيرتها و نعتها بالمجنونة، و ليس هذا فحسب، بل راحت تحرّض ابنها على ضربها بالعصا.
الأسرة التي تسترت على مشاكلها المادية، طيلة سنوات، قرّرت إطلاع المحسنين عبر منبر النصر ،على معاناتها بعد أن بلغت أقصى درجاتها، و باتت محاصرة بالمرض و الفقر معا، في بيت متهاو، تحاصره الرطوبة من كل ناحية، مما ساهم في تأزم حالة الوالد و إصابة كل أفراد الأسرة بمضاعفات زادت من أعباء رب العائلة الذي يعتمد على منحة الإعاقة بنسبة 100بالمائة التي لا تتجاوز 4000 دج لتوفير مواد غذائية أساسية، لا تكفي لسد رمقهم في أغلب الأحيان، مثلما أكدت الوالدة التي أسرت لنا بأنهم أحيانا ينامون دون طعام، لأن أنفة و عزة أنفسهم لا تسمح لهم بمد يدهم للغير، معترفة بأن بعض المحسنين لم يتأخروا عنهم طيلة شهر رمضان، كما يساعدونهم من حين إلى  آخر في توفير تكاليف الفحوص بالأشعة و التحاليل الطبية الغالية الثمن.
المواطن محمد الشريف البالغ من العمر 45 سنة، تذكر بحسرة تلك الأيام التي كان ينعم فيها بصحة جيّدة و حياة هادئة مع عائلته، قبل إصابته بالمرض الخبيث الذي حرمه من متابعة عمله كتقني صيانة بإحدى الشركات الخاصة، بعد تكرّر حالات فقدان الوعي و الرعاف لديه، و البقاء بالبيت مرغما، بعد تدهور صحته واضطراره للخضوع للعلاج بالأشعة، وكله أمل في الشفاء، غير أن واقع التكفل الطبي المتدني، صدمه و ضاعف يأسه، خاصة بعد حرمانه من حصص العلاج المنتظم لما يزيد عن ثلاثة أشهر ،و هو ما يعني اضطراره لإعادة العلاج من نقطة الصفر.
المريض قال و الدموع تخنق مخارج الحروف لديه، بأنه أصبح يتمنى الموت في أحيان كثيرة، حتى لا يرى ولديه و زوجته يعانون، دون أن يتمكن من تقديم يد العون لهم و يحل مشاكلهم، مثلما كان يفعل من قبل، و أضاف و هو يتنهد بأن المصائب تجمعت عليه، و لم يعد يجد حلا لمشاكله الكثيرة، فهو غير قادر على توفير إيجار مسكن لائق لأسرته، و لا تكاليف العلاج له و لابنته ملاك التي يموت في اليوم مائة مرة و هو يراها تتألم، مثلما ذكر، آسرا بأن الطبيب طلب منه إجراء فحص جديد بأشعة «إي أر أم»، فعجز عن جمع تكاليفه، مما جعله يتأخر عن موعده الطبي لأكثر من شهر.
قلة ذات اليد منعته أيضا من شراء أدوية «ريتابين» و «ستيريبيتول»التي وصفتها الطبيبة المعالجة لابنته ملاك ،و  توفير العلاج لزوجته التي تعاني صعوبة في التنقل بسبب إصابتها بفتق في عمودها الفقري، كما أنه عاجز عن تسديد فاتورة الكهرباء و الغاز التي وصلته مؤخرا.
مشاكل عائلة محمد الشريف لا يمكن تلخيصها في مجرّد مقال، لأن واقعها يبكي الحجر، وهي في حاجة ماسة لمساعدة ذوي القلوب الرحيمة لإعادة رسم البسمة و الأمل على وجوه أفرادها.
مريم/ب

الرجوع إلى الأعلى