« سوق تلاوين» ملتقى التاجرات منذ الحرب  العالمية الثانية
تشتهر دائرة الأربعاء ناث ايراثن بولاية تيزي وزو تحديدا قرية «ثوريرث أمقران» التي يعني اسمها باللغة العربية «القرية الكبيرة»، بأكبر سوق للتاجرات أو كما يسمى محليا «سوق تلاوين» الذي تنشطه و ترتاده النساء فقط.
و يتميز هذا السوق الذي ذاع صيته عبر مختلف مناطق تيزي وزو و بجاية، بنمطه المعماري القديم، فهو مبني من الأحجار الكبيرة ومتوسطة الحجم، تمارس فيه النساء النشاط التجاري من بيع و شراء منتجات شعبية وحرف يدوية من إنتاجهن و بكل حرية، ويُعتبر من الأسواق المهمة التي تسيّره النساء بامتياز في المنطقة رغم تخصيص يوم واحد فقط لهن في الأسبوع،  ولساعات محدودة.  و يعود تاريخ إنشاء «سوق تلاوين» الأسبوعي بهذه القرية الهادئة،حسب أحد شيوخ المنطقة إلى الحرب العالمية الثانية، عندما هجر الرجال القرية لينظموا إلى صفوف الجيش الفرنسي، بالإضافة إلى هجرة البعض الآخر منهم إلى الهند الصينية  خلال  الفترة نفسها، مما جعل السكان يعتمدون على النساء في تعاملاتهم التجارية اليومية، التي كانت قديما حكرا على الرجال، لكن النساء أثبتن جدارتهن في إدارته. و سرد محدّثنا قائلا ،بأن رجال القرية كانوا في القديم يعملون بالحقول وكانت النساء يتكفلن بعملية بيع المنتوج وذلك بقصد المنازل مباشرة، وبعد أن زادت كمية الإنتاج رأى هؤلاء أنه من الضروري استحداث سوق تسيّره النساء، ليواصلن فيه مهمة البيع وهو ما تم بالفعل، حيث أنشئ السوق خصيصا للنساء يقصدنه كل يوم أربعاء من كل حدب، و لا أثر للرجال فيه، عدا الأطفال الصغار.
و كانت النسوة في البداية يبعن ما تجود به حقولهنّ من المنتوجات الزراعية مثل الخضار والفواكه، ليتوسع بعدها نشاطهن إلى بيع البقول الجافة و الأعشاب الطبية والتوابل التي يصنعنها بأنفسهن في البيوت.  أما اليوم فقد امتد نشاطهن إلى بيع مختلف السلع التي تحتاجها الأسر في الحياة اليومية، و بشكل خاص النساء، على غرار الملابس، التي تحتل الجبة القبائلية الصدارة فيها، وما يرافقها من قطع أخرى كالحزام والفوطة ،فضلا عن ملابس الأطفال الصغار والحلي الفضية و الإكسسوارات ومواد التجميل وغيرها.  يُفتح هذا السوق الذي يشهد إقبالا كبيرا، من طرف أهالي المنطقة وزوّارها من النساء كل يوم أربعاء من كل أسبوع يمتد إلى غاية منتصف النهار، تعرض كل واحدة من النسوة اللواتي يفوق عددهنّ 35 تاجرة سلعهن المتنوعة، حيث تجلس كل واحدة منهن في مكانها الذي اعتادت عليه منذ سنوات طويلة.  و تجدر الإشارة إلى أن سوق تلاوين من تمارسن نشاطهنّ في هذه السوق، نساء مسنات منهن من يفوق سنهن 70 سنة، أما الفتيات الصغيرات فيرافقن أمهاتهن أو جدّاتهنّ من باب تعلم المهنة وأسرارها و اكتساب الخبرة. تقول لنا جوهر أنها امتهنت التجارة في سوق تلاوين منذ ما يزيد عن 40 سنة، و تعتبر هذه المهنة مصدر رزق لها ولعائلتها، خاصة بعد وفاة زوجها المعيل الوحيد للعائلة، ويعود الفضل لهذه السوق في ازدهار تجارتها التي تنفق ما تجنيه من تعبها، على أبنائها الستة الذين سهرت على تربيتهم وتعليمهم، ورغم أنهم اليوم كبروا و صاروا رجالا ونساء قادرين على تحمل المسؤولية، إلا أن تعلقها بهذه المهنة وبالسوق التي انتشلتها من مخالب الفقر والحرمان جعلاها وفية له، و تحرص على القدوم إليه كل يوم أربعاء لعرض سلعها التي تجنيها من حقلها للبيع.  و أضافت «لا أستطيع أن أبقى في البيت مكتوفة اليدين ما دمت أتمتع بصحة جيدة، تعوّدت على هذا النشاط منذ سنوات، فأنا آتي إلى هذه السوق للاسترزاق وللترويح عن النفس في الوقت ذاته».  وأشارت امرأة أخرى إلى أن سوق تلاوين يجمع النساء من مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، حيث تفضل الغالبية العظمى منهن العمل فيه بدلا من بقائهنّ في البيت، وذلك من خلال بيع البضائع خاصة المصنوعة يدوياً. و لم يعد سوق النساء الذي اشتهرت به قرية ثوريرث أمقران للتجارة والاسترزاق فقط بل أصبحت عادة أسبوعية لنساء قرى الأربعاء ناث إيراثن والمناطق المجاورة لها يلتقين فيه لقضاء أوقات لن تُنسى، حيث يتبادلن أطراف الحديث و يتقاسمن لحظات مميّزة كل واحدة تستمتع بصحبة نساء المنطقة حتى يعلن حاكم القرية عن انتهاء الفترة المحددة للبيع والشراء بالسوق في حدود منتصف النهار، لترفع كل واحدة منهن سلعها، و تعدن أدراجهن نحو بيوتهن ، بعد أن يضربن موعدا جديدا لهن بعد أسبوع،  في نفس الزمان و المكان.
سامية إخليف

الرجوع إلى الأعلى