تحولت المواظبة على حضور الدروس الجامعية  إلى ما يشبه الكماليات بالنسبة للطالب الجزائري، حيث باتت الأساليب المتعددة في الحصول على المحاضرات عاملا مساعدا على توسع الظاهرة، خصوصا بعد إيجاد الطلبة لحيل مختلفة من أجل تبرير عدم الحضور وتجنب عقوبة الإقصاء في كثير من الحالات بتقديم شهادات مرضية واستغلال مرونة التعامل الإدارية مع الأمر.
روبورتاج : سامي حباطي
و  في وقت يشتكي فيه أساتذة من إلقاء محاضرات  في مدرجات شبه فارغة، أرجع بعض الطلبة سبب انقطاعهم عنها إلى طريقة التدريس، في حين يضطر آخرون إلى التغيب نتيجة كثافة برنامجهم الأسبوعي و الاختبارات  التي يخضعون لها بشكل أسبوعي تقريبا.
عزوف عن حصص "مملة"
كانت الحركة كثيفة في كلية الآداب واللغات بجامعة الإخوة منتوري خلال الجولة التي قمنا بها، حيث شد انتباهنا بالطابق الأول منها العدد الكبير من الطلبة المتجولين خارج قاعات الدراسة، التي وجدنا بعضها مفتوحا وبداخلها بعض الطلبة لتبادل أطراف الحديث، حتى أن طالبا كان يغط في نوم عميق متخذا وضعية الجلوس داخل إحدى القاعات، بينما ظلت أخرى موصدة لتواجد أساتذة كانوا يقدمون دروسا بها، كما رصدنا من نفس الكلية طلبة آخرين يقومون بإخراج الكراسي إلى الرواق للجلوس ، بالرغم من منع إدارة الكلية لذلك والمشاكل التي قد تنجر عن هذا السلوك مع أعوان الأمن، فضلا عن توفر أماكن كثيرة للجلوس بالقرب من قسمي اللغة الفرنسية والانجليزية.
تحدثنا إلى بعض الطلبة حول نسبة الحضور بالقاعات التي يدرسون فيها بعدما لم نتمكن من الدخول إليها، حيث أوضح لنا طالب لغة انجليزية في سنته الأولى، بأنه كثير الغياب عن بعض دروس الأعمال التوجيهية لعدة أسباب، ذكر منها "الطريقة المملة" لبعض الأساتذة في تقديم مضمون المقاييس المكلفين بتدريسها، فضلا عن آخرين تتحول الدراسة لديهم إلى نقاشات حول مواضيع "لا علاقة لها بالموضوع"، بالإضافة إلى إحساسه أحيانا بعدم الاستفادة من المادة المقدمة، حيث نبه بأنه تجاوز خلال السداسي الأول من السنة الجامعية الجارية الحد الأقصى المسموح به في عدد من المقاييس، لكنه تقرب من الإدارة وتمكن من تسويتها حتى لا يحرم من الخضوع للاختبارات، في حين لا تمثل المحاضرات بالنسبة إليه مشكلة كبيرة لعدم تسجيل الغياب فيها.
وأشار طالب آخر، رفض تحديد القسم والكلية التي يدرس بهما، إلى أن غيابه عن حضور بعض الحصص يعود إلى الأساتذة، بالرغم من تأكيده على أنه يفضل احترام الجدول الأسبوعي، حيث قال بأن تعليقه على مضمون بعض المواد العلمية المقدمة كاد يقوده إلى مشاكل مع أساتذة، مضيفا بأنه يحصل على دروس المقاييس التي يتغيب عنها من زملائه أو عن طريق إعداد نسخ عنها، ما يجعله دائما على إطلاع ويمكنه من التحضير للاختبارات، فيما أخبرنا طالب آخر، بأنه يلجأ إلى تبرير الغياب عن طريق شهادات طبية تتضمن أغلبها الإصابة بالإجهاد، حتى يتجنب الإقصاء من الاختبارات والمشاكل مع إدارة القسم.

أما بأروقة كلية العلوم الطبيعية والحياة من جامعة الإخوة منتوري، فلم تكن الحركة كبيرة مقارنة بما رصدناه بالأقسام الأدبية، حيث لم نجد إلا أعدادا قليلة من  الطلبة بالقرب من مداخل الكلية وبعض النقاط الأخرى القريبة من قاعات الدراسة والمدرجات، وكان أغلبيتهم ينتظرون بداية الدروس للدخول، فيما أفادت طالبة ماستر في أحد تخصصات البيولوجيا، بأن نسبة الغياب ضئيلة جدا في الفوج الذي تنتمي إليه، بالرغم من تساهل بعض الأساتذة في الحالات ، حيث أضافت بأنها لا تذكر حالات كثيرة تم فيها إقصاء طلبة من امتحانات السداسي الأول، على عكس سنوات التدرج للحصول على شهادة ليسانس، التي أكد لنا طلبة آخرون من نفس الكلية، بأنها تعرف غيابا كبيرا من نفس الأشخاص تقريبا، لدرجة عدم ظهورهم طيلة السنة، ما يجعلهم ضمن قائمة المقصيين، إلا أن العديد منهم من الموظفين أو لديهم ظروف أخرى، حسب محدثينا.
طلبة الطب مجبرون على التغيب للتحضير للإختبارات
ولم تختلف كثيرا آراء طلبة جامعة عبد الحميد مهري، الذين تحدثنا إليهم بالمدينة الجديدة علي منجلي، حول الحضور داخل أقسام الكليات عما رصدناه من جامعات قسنطينة الأخرى، في حين أفاد بعضهم بأن زملاء لهم يلتحقون بالجامعة معهم في الصباح، دون أن يحضروا إلى قاعات الدراسة، حيث أبدوا استغرابا من الأمر، خصوصا وأنهم يقضون يومهم في التجول بالجامعة ليغادروا برفقتهم في وسائل النقل الجامعي مساء، كما تجدر الإشارة أيضا إلى أننا لاحظنا عددا كبيرا من المتجولين من غير الطلبة، حتى أن بعضهم يدخلون الحرم الجامعي بسياراتهم ويعاكسون الطالبات، بالرغم من تشديد أعوان الأمن الحراسة على البوابات الرئيسية للجامعات، وخصوصا بجامعة منتوري التي يفرض فيها استظهار بطاقة الطالب على كل من يحاول العبور.
من جهة أخرى، أوضحت لنا طالبة من كلية الطب بحي الصنوبر، بأن حضور الدروس في مختلف السنوات كثيف في بداية السنة، حيث يكون الطلبة في مرحلة استكشاف للبرنامج السنوي والأساتذة، قبل أن يبدأ بالتراجع في الأشهر التالية، مشيرة إلى أنها لا تلتحق حاليا، إلا بمقياسين خلال الأسبوع، بسبب ارتفاع معامليهما، فيما قد لا يحضر ببعض المحاضرات أكثر من طالبين أو ثلاثة في بعض الأحيان، بسبب ما وصفته بـ"عدم كفاءة بعض الأساتذة" خصوصا في المواد العلمية غير المتعلقة بمجال الطب بشكل مباشر.
وأضافت محدثتنا بأن العائق الأكبر أمام مواظبة طلبة الطب على حضور الدروس يكمن في عدم إيجادهم الوقت الكافي للمراجعة والتحضير للاختبارات التي يخضعون لها بشكل أسبوعي تقريبا، مع مواصلة الدراسة بشكل عادي، ما يجعل حضورهم يقتصر على حصص الأعمال التطبيقية والتربص، فيما لاحظنا انضباطا للطلبة المحولين إلى الكلية الجديدة بجامعة قسنطينة 3 خلال جولة بالجامعة، التي بدت الحركة فيها ضعيفة مقارنة بنظيراتها الأخرى، خصوصا وأن زيارتنا لها كانت خلال الساعات الصباحية الأولى.
الأستاذ ذيب، من كلية العلوم السياسية بجامعة قسنطينة 3، أشار إلى أن مشاركة الطلبة في المحاضرات تعرف تناقصا مستمرا، بالرغم من أن الكثير  من الطلبة يمضون يومهم في التجوال بمختلف النقاط من الجامعة، فيما يمكن تسجيل نوع من المواظبة على حضور الدروس التوجيهية بسبب عدم التساهل مع التغيب عنها ، حيث أكد محدثنا بأن المشكلة تتطلب دراسة معمقة لمعرفة أسبابها الحقيقية، مشيرا إلى أنها تتعلق أحيانا بشخصية الطالب ووجهة نظره حول التعليم بالجامعة، بالإضافة إلى مستوى الوعي لديه.
ويرى محدثنا أيضا بأن الطلبة المتفوقين لا يتخلفون عن الحضور إلا في حالات نادرة، حيث نبه إلى أن التقارير التي يوجهها الأساتذة إلى الإدارة بشأن حضور الطلبة تلعب دورا كبيرا في  قرار الإقصاء من عدمه، فيما تخلق الأساليب الملتوية التي يلجأ إليها البعض لتبرير غيابهم شعورا بالظلم لدى المتفوقين والمواظبين على الحضور، بالرغم من تأكيده بأنه يحرص في المقاييس المسندة إليه على إقصاء الطلبة الذين يتجاوزون الحد الأقصى المسموح به للغياب، كما أضاف بأن المدرجات في جامعات الدول المتقدمة تمتلئ عن آخرها، حتى لا يجد الطلبة مكانا للجلوس، بسبب إقبال طلبة من مختلف التخصصات على الحضور.

رئيس جامعة قسنطينة
طلبة يتحايلون للتغيب و يهجرون مكتبات كلفت الملايير
أكد رئيس جامعة قسنطينة 3 حسني بوكرزازة، بأن مصالحه الإدارية على علم بالطلبة الذين يقدمون شهادات مرضية للتهرب من الدراسة، إلا أنها تتجنب متابعتهم والتدقيق في وضعياتهم في كثير من الأحيان، وكشف بأن مكتبات الجامعة كلفت الملايير إلا أن الإقبال عليها لا يزال ضعيفا جدا.
وأفاد رئيس الجامعة، في لقاء مع النصر، بأن التغيب لثلاث مرات بدون مبرر يعرض الطالب للإقصاء، فيما قد يتعرض لنفس العقوبة في حال تغيبه لخمس مرات وإن كان ذلك بمبرر، فالمشكلة تتعلق بالمتمدرس الذي يتحمل مسؤولية تصرفاته أكثر من تعلقها بالإدارة، التي لا يمكن أن تفرض على الطلبة الحضور الدائم، في وقت لا يتم فيه احتساب الغياب في المحاضرات، حيث أكد بأن الجهات المشرفة على الجامعة ليست جهازا قمعيا يسعى إلى إيذاء الطلبة أو التسبب في رسوبهم، فضلا عن أن التعامل يتم بشكل مختلف مع الحالات الخاصة والقاهرة، التي تثني الطالب عن الالتحاق بمقاعد الدراسة دون القدرة على تبرير الغياب بشكل إداري.  وبالرغم من الطريقة المرنة في التعامل مع الغياب، يجب أن تحرص إدارة الجامعة على تطبيق القانون حسب المسؤول، حيث لا يقتصر الأمر على المعالجة القانونية وإنما يتعداه إلى المعالجة البيداغوجية، من خلال استعمال المرونة في الحالات التي تستدعي ذلك، على غرار حادثة ذكر لنا محدثنا بأنه قام فيها بإضافة نقطتين إلى أحد الطلبة المتفوقين لكي يتمكن من النجاح في السنة الدراسية بعدما أولى اهتماما خاصا به، عندما كان يقوم بالتدريس خلال السنوات الماضية، بسبب تراجع مستواه خلال السداسي الثاني نتيجة وفاة والدته وخالته في فترتين متقاربتين، ما أثر على نفسيته وأدى إلى انقطاعه عن كثير من الدروس.
وأضاف الأستاذ بوكرزازة بأن الإدارة تظل الجهة الوحيدة المخولة باتخاذ قرار الطرد والإقصاء في حق الطلبة المتغيبين، فيما يقتصر دور الأستاذ على إيداع التقارير بحجم الغياب إلى رئاسة القسم، حيث نبه بأن رفع معدل النجاح يظل الهدف الأول الذي تصبو إليه أية جامعة، مشيرا إلى أن مشكلة عزوف الطلبة عن التواجد بالمكتبات الموزعة على الكليات يجب أن تدرج ضمن مشكلة الغياب أيضا، لكون القراءة والاطلاع على المصادر الخارجية عاملين أساسيين في عملية تكوين طالب نظام "ألمدي"، فضلا عن قيام جامعته بتزويد 7 مكتبات بالكليات بآلاف الكتب، التي كلفت حوالي 10 ملايير سنتيم خلال السنتين الماضيتين، في مقابل استغلال ضعيف جدا من الطلبة.
أما بخصوص نسبة الغياب المسجلة من كلية لأخرى، فأشار رئيس الجامعة إلى أن النصيب الأكبر يسجل بكليات العلوم الإنسانية، مقارنة بالكليات العلمية، بالرغم من تأكيده على أن الجامعة لم تقم بإعداد دراسة إحصائية دقيقة عن الأمر، فيما أوضح بأن عزوف الطلبة عن الالتحاق بمقاعد الدراسة قد سجل خلال السنة الماضية بكلية الفنون والثقافة بسبب حداثتها آنذاك، حيث تعاملت مصالحه مع الوضع بشكل خاص حينها وتجنبت اتخاذ إجراء الطرد بسبب العدد الكبير من الطلبة المتغيبين، ولأنهم كانوا يمثلون الدفعة الأولى، ولم يعتادوا في تلك السنة على الجامعة والدراسة بها. أما خلال السنة الجارية، فأكد الأستاذ بوكرزازة بأن الجامعة تشهد استقرارا من ناحية سير الدروس والحضور، سواء بكلية الفنون أو بالكليات الأخرى، وخصوصا في أقسام الطب وهندسة الطرائق، حيث رجح بأن تختتم البرامج التعليمية قبل بداية شهر رمضان، في حال تواصل العمل بالوتيرة الحالية، فيما قال بأن إدارته تتجنب اللجوء إلى القضاء والإجراءات القانونية الصارمة، مع الطلبة الذين يقدمون شهادات مرضية للتهرب من الدراسة لمدة طويلة، أو للظفر بعطلة أكاديمية بشكل ملتوي، لأنها ليست من أولوياتها في الوقت الحالي لكون الجامعة جديدة، بالرغم من تأكيده على قدرة الإدارة على إثبات بطلان ما يرد في العديد من تلك الشهادات.

الرجوع إلى الأعلى