أرجع أمس مختصون سينمائيون جزائريون إبعاد  صناع  السينما عن  التصوير في الجزائر و عزوفهم عن التعامل مع جزائريين، إلى  البيروقراطية و العقلية الإدارية الجامدة، فرغم أنهم ينتجون أفلاما عنها، فهم يفضلون العمل في دول الجوار.
و قدم مخرجون وسينمائيون جزائريون آراءهم و وجهات نظرهم من أجل تحسين أوضاع السينما في الجزائر في جو حاد من المناقشة، برزت فيه الاختلافات و تباين الرؤى على السطح، في اليوم الأول من فعاليات الملتقى الدولي للسينما الذي سلط الضوء على "الشروط و القيود الخاصة بالإنتاج السينمائي في الجزائر"، بقصر الثقافة محمد العيد آل خليفة بقسنطينة، و هو من تنظيم دائرة السينما بمحافظة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية.
الناقد السينمائي أحمد بجاوي اعتبر بأن الإنتاج السينمائي في الجزائر، دخل مرحلة الاعتداد بالنفس، دون نتائج تذكر، خاصة من ناحية أن السينما الجزائرية لا يشاهدها جمهورها، و أضاف: "لقد خسرنا السينما الجزائرية في التسعينات، بعد بداية إغلاق القاعات، و نحن نعيش وضعية مغلقة ولا يوجد فضاء إنتاج سينمائي حقيقي بمعنى الكلمة في الجزائر".
بجاوي أعطى حلولا عديدة من أجل الارتقاء بالسينما الجزائرية، تمحورت مجملها حول ضرورة إشراك المجتمع المدني في الإنتاج والتسويق السينمائي، لأن المجتمع قادر على الإبداع و التعبير عن نفسه، ولا يمكن صناعة سينما بوصاية مستمرة من الدولة، وأضاف: "علينا الاستعانة بتقنيين، لديهم خبرة لأن في الجزائر نملك مخرجين جيدين وتقنين سينمائيين سيئين، تكوينهم ناقص".
  تحدث الناقد السينمائي بنبرة مليئة بالأسى، حاثا على ضرورة التوقف عن  بناء متاحف للسينما الجزائرية، فالجزائر بحاجة إلى قاعات لمشاهدة الأفلام السينمائية، لأنها هي من ستطور هذا الميدان، من خلال إشراك الجمهور في العملية ، و دعا إلى الاستعانة برجال السينما في إدارة المراكز السينمائية و التخلي عن العقلية البيروقراطية.
المخرج والمنتج السينمائي بلقاسم حجاج بين من جهته، بأن السياسة البيروقراطية و العقلية الإدارية، ساهمتا في طرد المنتجين الأجانب من الجزائر، و حرمت الاقتصاد الوطني من أموال كثيرة كانت ستدخل للوطن بالعملة الصعبة، مقترحا في سياق حديثه، إسناد السينما للمختصين و العارفين بأسرارها، داعيا أيضا إلى ضرورة تحضير و تثقيف المشتغلين في السينما، ليحسنوا تعاملهم مع الأجانب و جذبهم أكثر لتصوير أفلامهم في الجزائر.
بلقاسم حجاج رفض الحديث عن التظاهرات الثقافية الكبرى و عواصم الثقافة في الجزائر، و اعتبر بأنها مغالطة كبيرة نعيشها، لأن هذه العواصم لم تقدم جديدا للسينما في ظل الإغلاق المستمر للقاعات السينمائية.
نفس المتحدث دعا إلى ضرورة محاسبة الأعمال السينمائية التي صرفت عليها الأموال الباهظة، دون أن تحقق جودة فنية، و قال بأنها أعمال أسندت لهواة، كما أن جل الأموال ذهبت للمنتجين الذين جلبوا أقاربهم و أعطوهم أدوارا سينمائية وهم لم يشتغلوا في التمثيل من قبل، واصفا العملية باقتسام الريع، مشددا على ضرورة مصارحة المنتجين لكي لا تكرر التجارب الفاشلة مستقبلا.
الممثل نور الدين شلوش اعتبر في تدخله لدى فتح  النقاش، بأن الممثل الجزائري أضحى متسولا، نظرا لأجرته البسيطة جدا والتي لا ترقى لمكانته و لا تعبر عن جهوده المبذولة. و أضاف بأن عملية استدعاء الممثلين الجزائريين من أجل المشاركة في الأفلام الجزائرية، تقوم على أساس الصداقة أو الاتفاق في الإيديولوجية، و لا تبنى على نوعية الفنان و ملاءمة قدراته التمثيلية للدور المنوط به. الأمر الذي انعكس على حياة الممثلين الذين لا يعملون من أجل العمل، وجعل وضعيتهم المالية سيئة جدا. الممثل المخضرم تحدث عن علاقات المنتجين السينمائيين بالممثلين و المخرجين ووصفها بالعلاقات التي تغلب عليها القطيعة والانفصال، فلا يوجد توافق روحي ولا عاطفي، وهو ما ساهم بشكل كبير في توسيع الهوة و انعكس على نوعية السينما الجزائرية.
و أكد في سياق حديثه: "إننا لم نقم بإنتاج أفلام في السنوات الأخيرة، لأنها لم تتمكن من خلق نقاش في أوساط الشعب الجزائر حتى أنها لم تشاهد في الأصل، فالأفلام الجزائرية تكاد تكون أفلاما تعد للمهرجانات السينمائية فقط". وفي تدخلات التقنيين السينمائيين والمختصين في المجال السينما، صبت الرؤى على ضرورة أن يدافع المختصون في هذا المجال، عن أماكنهم ولا يتركوها لغير المختصين، حيث حث العديد منهم على ضرورة تكاثف الجهود من أجل رفع مستوى السينما الجزائرية، عبر الاستعانة بالمحترفين والخبراء و رفض التعامل مع من ينتهجون سياسة العمل من أجل العمل، و إنشاء المركبات السينمائية من أجل التكوين و التعليم السينمائي.
جدير بالذكر بأن الملتقى الدولي يدوم يومين و تعقد خلال فعالياته ورشات متخصصة يؤطرها تقنيون وخبراء في صناعة السينما من دول أجنبية  على غرار جون لوي بونبان، كمال ميكيسار.
حمزة.د

الرجوع إلى الأعلى