مرحلون جدد بقسنطينة يتجندون  لخلق  أحياء نموذجية  بعلي منجلي
بعد أقل من شهرين عن ترحيلهم نحو سكنات لائقة بالمدينة الجديدة علي منجلي بولاية قسنطينة ، باشر المرحلون من الأحياء التي تشهد انزلاقات أرضية خطيرة، على غرار حي المالح و سركينة و عوينة الفول، إجراءات تأسيس جمعيات أحياء لتنظيم نشاطاتهم في المنطقة، مقر سكناهم، كما تقدموا بطلبات لتسييج محيط أحيائهم و إنشاء مراكز حراسة على مداخلها لضمان أمن وسلامة أبنائهم، فضلا عن فرض نمط حياة جديد، يكون أكثر تنظيما مما عاشوه سابقا، بعيدا عن فوضى الحياة في المدينة الجديدة التي تطغى الشعبوية على يوميات سكانها.
روبورتاج  : نور الهدى طابي
 مستفيدون من الترحيلات الأخيرة نحو الوحدة الجوارية 20 بعلي منجلي، أخبرونا بأن نوعية السكنات الجديدة قلبت حياتهم و غيرت نظرتهم إلى الأمور، كما وسعت أفقهم للتفكير في تحسين نمط الحياة و كسر روتين الأحياء الشعبية بمشاكلها، فتحسن ظروف الإقامة و بالأحرى المعيشة، انعكس على نفسيتهم، و خلق لديهم شعورا بأهمية التغيير و الاندماج في المجتمع بصورة إيجابية بعيدا عن المشاكل و الصراعات.
لجان  الأحياء.. خطوة أولى
السيد جمال استقبلنا في منزله العائلي وهو عبارة عن  شقة تضم ثلاث غرف، استفاد منها في إطار عملية ترحيل ساكني حي المالح بعد سبع سنوات كاملة من الانتظار، قال بأنه قضاها بين منزل والديه و الإيجار، مؤكدا بأنه لم يجد صعوبة كبيرة في التكيف، و سرعان ما تأقلم مع محيطه الجديد، خصوصا وأن الترحيلات شملت كذلك عددا من أفراد أسرته و بعض معارفه و جيرانه القدامى، وهو ما خفف من شعوره بالعزلة في الحي الجديد، مضيفا بأنه فوجئ حقا بنوعية السكنات الجيدة.
 محدثنا قال بأن الأيام الأولى التي تلت الترحيل، عرفت تغييرا في أولوياته كرب أسرة، إذ أن تركيزه بات منصبا على حماية أسرته و تربية و تعليم أبنائه و تنشئتهم في جو هادئ و منضبط تنشئة سوية، لذلك فقد قرر الانعزال نوعا ما عن الحياة الاجتماعية بمفهومها الواسع و الاندماج مع محيطه بشكل حذر، لتجنب أي تأثير لفوضى الحياة في المدينة الجديدة على أولاده و أسرته عموما. وهو نفس الوضع بالنسبة لأغلب جيرانه في الحين كما أضاف، موضحا بأن الجميع بات يتبنى أسلوبا جديدا في المعاملة و أن  الحياة أصبحت أكثر هدوء بعد الترحيل، الجميع كما قال، مهتم بشؤونه الخاصة، حتى علاقة الجيران ببعضهم، باتت أكثر تحفظا من السابق و أكثر احتراما للخصوصية.
 جمعية الحي : الترحيل أثر إيجابيا على عقلية السكان
رئيس جمعية الحي السيد عبد الغاني، أكد بأن عملية الترحيل أتت بنتائج إيجابية على عقلية السكان، إذ بات هنالك اهتمام أكثر بنظافة المحيط و الحفاظ على الممتلكات العمومية، بما في ذلك العمارات و أعمدة الإضاءة و مساحات اللعب، حتى الحساسيات بين الأفراد تراجعت، كما عبر، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق مع كافة المرحلين على ضبط برنامج خاص لتنظيم كل نشاط له علاقة بالحي، بداية بتأسيس الجمعية و من ثم تقديم طلب على مستوى مصالح الفرع البلدي بعلي منجلي، للحصول على ترخيص لوضع سياج عازل حول محيط الحي لقطع الطريق أمام الدخلاء و التحكم في وضعية الحي من ناحية الأمن و النظافة و حتى علاقة الأطفال ببعضهم البعض و بالآخرين، لتجنب تكرار سيناريو اختطاف الطفلين إبراهيم و هارون وهو ما سيساهم، على حد تعبيره، في خلق نموذج اجتماعي متحضر في الوحدة الجوارية.
حسب المتحدث، فإن هذه الخطوة لا تقتصر فقط على السكان المرحلين من حي المالح، بل تشمل كذلك باقي الأحياء على مستوى الوحدة الجوارية، وهو ما أكده عدد من ساكنيها، مشيرين إلى أن وضع سياج عازل و فرض الحراسة على مداخل و مخارج الأحياء، من شأنه أن يحمي أبناءهم، خصوصا المراهقين من الدخلاء و تأثيرهم السلبي على سلوكهم، فعلي منجلي، تعد أكبر تجمع للسكان من مختلف المناطق و هي توسع تكثر فيه المشاكل و تنتشر فيه الظواهر السلبية و الآفات الاجتماعية، و بالنسبة لأشخاص منحوا فرصة البدء من جديد في سكنات لائقة و أحياء ملائمة، بعيدا عن النمط الشعبي القديم، فإن الابتعاد عن المشاكل و تطوير الذات يعد خطوة راشدة، خصوصا وأن المدارس أصبحت أقرب إلى المساكن و ظروف العيش باتت أفضل بكثير.
الباحثة في علم الاجتماع ياسمينة بغريش
السكنـات الجديدة حـررت المرحلين من الشعــور بالغبـن  و حركـت حسهـم الاجتمـاعـي
اعتبرت الباحثة في علم الاجتماع ياسمينة بغريش، بأن التغيير الذي طرأ على تفكير المستفيدين من الترحيل، هو نتاج لتغير في الأولويات و تحصيل المطلب الاجتماعي الأول المتمثل في السكن، وهو ما حرر هؤلاء الأشخاص من الشعور بالغبن و عوضه بشعور بالرضا عن المجتمع، و بالتالي حرك لديهم الحس الاجتماعي و ضاعف الوعي بالمسؤولية الجماعية تجاه المحيط العام.  من جهة ثانية، فإن السمعة السيئة التي باتت ترتبط بالمرحلين نحو السكنات الاجتماعية، خلقت لدى العائلات شعورا مسبقا بالنفور، و هو ما خلق رغبة في صنع الاختلاف و تغيير هذه الصورة إلى الأحسن، من خلال تهذيب السلوك و حتى الميل إلى عزل المحيط الخاص عن المحيط العام، للتحكم فيه و حمايته من المؤثرات الخارجية، خصوصا و أن توفر التغطية الأمنية الدائمة متمثلة في دوريات الشرطة، خلصتهم من الإحساس بضرورة الاعتماد على النفس للدفاع عن الذات و الممتلكات. فضلا عن ذلك، فإن نمط الحياة السريع بالمدينة الجديدة علي منجلي، و طابعها التجاري الذي يبرز من خلال المجمعات الكبرى، التي تعتبر مظهرا من مظاهر الحضارة شجع العائلات التي كانت تعيش حياة بسيطة في أحيائها الشعبية، على الاندماج بشكل إيجابي، خصوصا وأن ظروف حياتها قد تغيرت نحو الأفضل، وهو ما يخلق لديها حاجة لمواكبة هذا التغيير و استكمال تفاصيله.

الرجوع إلى الأعلى