قسطل.. بتراء تبسة الباحثة عن مؤرخين و سياح

تعد  قسطل، الكائنة بولاية تبسة منحوتة طبيعية ساحرة صقلها الخالق في أبدع الصور و المناظر التي تجمع بين السكينة و الهدوء، ما جعلها  منطقة سياحية بامتياز، يقصدها الكثير من الزوار  و السياح و يشبهونها بمدينة البتراء الأردنية. قسطل التي أصبحت وجهة سياحية مهمة في السنوات الأخيرة بالخارطة السياحية للولاية رقم 12، لم يعد الحضور إليها مقتصرا على الرحلات المدرسية للتلاميذ في نهاية كل أسبوع، بل تعداه إلى زيارات العائلات من تبسة و مختلف المناطق المجاورة وكذا بعض التونسيين الذين وجدوا في المنطقة نموذجا للسياحة الجبلية ببلادنا.

قسطل تعني لغويا الموقع الذي تغرف منه المياه و تعني كذلك الغبار الساطع، فيما ربط آخرون التسمية بأصول لاتينية بمعنى القطعة، و قد كانت قلعة من قلاع الثورة إبان حرب التحرير و مركزا لإمداد المجاهدين بالسلاح، لتواجدها بالقرب من الحدود الجزائرية التونسية .
لقد حبا الله منطقة قسطل بكل مميزات المناطق السياحية الجبلية الجذابة، فالمياه جارية في المنطقة السفلى منها، والمغارات الحجرية ذات الأبواب المربعة في الأعلى، وبين زلال المياه المتدفقة والقنوات الحجرية المحفورة في الصخور، تأخذك المشاهد إلى العصر الروماني، إذ تبدو من بعيد للرائي كقطعة دخيلة على المنطقة المجاورة ومسروقة من عهد أثري آخر.
غرف جنائزية و ممرات مؤدية إلى جبل الدير
تذكر المراجع على قلتها، أن قسطل تعود إلى فجر التاريخ، فالنقوش والغرف الجنائزية المنحوتة في الصخر و الممرات المؤدية إلى زوايا جبل الدير تدل على عراقة المنطقة، فهنا ينام تجمع سكني حديث متناثر البناء أحيانا ومتقاربا في أحيان أخرى، وبين ثناياها تتواجد بعض البساتين والأشجار المثمرة، وكلما توغلت في قسطل تفاجئك الصور الوافدة إليك، و يضاف إليها خرير مياه الينابيع، مثلما تسمع صدى أحاديث النسوة وهن ينظفن القماش بطرق بدائية، وبين ضجيج النسوة المحليات وضجيج زوار هذا المكان، يتسلل إلى أذنيك خرير المياه وهي تتلوى كحية جبلية رقطاء مع مجرى الماء المتدفق من أعلى إلى أسفل، حيث يقطعها ساكنو المنطقة للتزود بالمياه، مستعينين في ذلك بحمار لنقلها.

إذا تابع الزائر السير في المنطقة الجبلية تقع عيناه على تلك الحوانيت أو الغرف الجنائزية المحفورة في جلمود جيري صلب، حيث قدر عددها بنحو 36 غرفة في هذا الفضاء، مركبة فوق بعضها البعض، أما الغرف العلوية فيصعب الدخول إليها وهو الأمر الذي حافظ على شكلها الأول القريب من شكل المستطيل، و تضم أبوابا مثبتة بإحكام في الأعلى بواسطة عوارض مهيأة في الصخر، وهي العوارض التي تكسر أغلبها.غير بعيد عن ذلك، تتواجد بالوعات محفورة فوق المداخل لمنع تسربات المياه إلى الداخل، و تبدو المقبرة من بعيد للرائي كأن أساساتها عشوائية، غير أن التدقيق فيها يمكنه من رؤية أساسيات المدينة كاملة، أما في الجهة الأخرى، فتتواجد المقبرة المغاليتية بأساسياتها العشوائية المبنية بمواصفات المدينة، وهي الجهة التي أطلق عليها البعض تسمية القرية البربرية، نظرا لتحصيناتها الطبيعية وشدة انحدار المساحات القريبة منها ووجود منفذ واحد للوصول إليها من الجهة الشرقية.يظهر تأثر هذه القرية جليا بالحضارة الرومانية و الأمازيغية من خلال القطع الأثرية و الفخار وبعض أدوات إنسان تلك المرحلة، كما يوجد بالمنطقة جسر روماني، لا يزال يحتفظ بأهم معالمه، و يحافظ على تماسك ضفتي وادي قسطل، و يقول السكان أن  منطقتهم عاشت بها الأسود وعدة حيوانات، لم يعد لها أثر بالمنطقة حاليا.
 يقول محمد إن منطقتهم التابعة لبلدية قسطل، لا تبعد عن عاصمة الولاية تبسة سوى بـ 40 كلم ،و يمكن تطوير هذه الوجهة وتنشيطها سياحيا، مقترحا على مديري المؤسسات التعليمية، برمجة رحلات مدرسية أسبوعية لهذه الوجهة، فيما يشدد عبد الرحمان وهو من قاطني تبسة، على ضرورة توفير كل المرافق لتأهيل قسطل وجعلها مقصدا و وجهة.
قدور من ساكني منطقة قسطل، يؤكد من جهته بأن منطقته تتوفر حاليا على كل مقومات السياحة، بالنظر لخصوصياتها وجمال طبيعتها وشواهدها التاريخية التي لا تزال، كما قال، تصارع تراكمات السنين و تصارع من أجل أن تلقى الاهتمام والرعاية، مضيفا بأن طبيعة السكان قد تدعم هذا التوجه السياحي.و بإمكان المنطقة أن تشهد تطورا و نموا في شتى المجالات لو تم الاعتناء بهذا الجانب، مثمنا المجهودات التي بذلت و مطالبا بالمزيد و لم لا تشجيع الاستثمار وخلق الفضاءات الترفيهية للترويج لهذه الوجهة و إخراجها من شرنقتها .    
 الجموعي ساكر

الرجوع إلى الأعلى