حياة في خدمة الاعتدال والتسامح
فقدت الساحة الدينية بقسنطينة الخميس قبل الماضي الشيخ علي لغبالي بن سميرة الإمام السابق لمسجد أحمد بوشمال المعروف أيضا باسم مسجد الجمعية، الذي تولى الإمامة بالمسجد لعدة عقود وعرف بدفاعه عن الوسطية والإسلام المعتدل، وقد شهدت جنازته حضورا غفيرا للمواطنين وتلامذته الذين أصبحوا شيوخا، حيث تم إلقاء كلمتين تأبينيتين تمت فيهما الإشادة  بمسار الفقيد وتفتحه على الأجيال الجديدة ومقاومته للأفكار الوافدة.   
 والشيخ علي لغبالي من مواليد  21 جانفي 1920 ببني تليلات انتقل إلى مدينة قسنطينة في سن مبكرة،  بدأ حفظ القرآن في العديد من الكتاتيب على يد عدد من الشيوخ من بينهم الشيخ إسماعيل بوعمامة أحد طلبة الشيخ عبد الحميد بن باديس والشيخ الطاهر والشيخ حمو في سيدي عفان والشيخ بودربالة الصيفي المدعو سيدي محمد الذي ختم كتاب الله على يده.
بعدها بدأ حياته في تدريس القرآن في مختلف الكتاتيب في ولاية قسنطينة.
في سنة 1952 تبرع بلفقون الحاج الخوجة بقطعة أرض بغرض بناء مسجد وتم وضع حجره الأساس مباشرة من طرف المجاهد أحمد بوشمال الذي يحمل اسمه. ومنذ ذلك التاريخ بدأ الشيخ يحتك بالعديد من العلماء من بينهم الشيخ العلامة العدوي جعفر الذي كان يقدم دروس الوعظ والإرشاد  إلى أن تم إغتياله من طرف الإحتلال الفرنسي.
وبعد الإستقلال تم تكوين لجنة بالمسجد بغرض إتمام بنائه برئاسة الشيخ العقابي
وعضوية الشيخ علي لغبالي الذي كان  نائبا له، إلى جانب أعضاء آخرين كالشيخ العربي لحلوح و الشيخ بوعكاز عمار و الشيخ المكي بن وادن و الشيخ بن خلفة العربي . وهي اللجنة التي عكفت على جمع تبرعات المواطنين في مختلف أنحاء الوطن من أجل إتمام بنائه، حيث يعتبر أول مسجد للجهة الشرقية لمدينة قسنطينة، وكان الشرف للشيخ علي لغبالي أن يكون أول من يشرف عليه

حيث تدرج في العديد من الرتب بعد إجراء امتحانات ومسابقات قامت بها مديرية الشؤون الدينية والأوقاف أنذاك إلى أن ترقي إلى رتبة إمام خطيب، لكن ذلك لم يمنعه من التردد على العديد من العلماء من بينهم الشيخ مرزوق رحمة الله إمام الجامع الكبير بوسط مدينة قسنطينة فنهل من العلوم الشرعية واللغوية. كما كان للشيخ حضور مكثف لملتقيات الفكر الاسلامي ودروس عدد كبير من المشايخ لتلك الفترة من بينهم الشيخ العلامة نعيم النعيمي ، الشيخ الهادي الميلي رحمهم الله. كما كان للشيخ علي رغبة قوية في البحث واقتناء الكتب المتعلقة بالسيرة النبوية والفقه كما يحوز على مكتبة ثرية .
وعرف الفقيد بذاكرته الخارقة الأمر الذي مكنه من رفع زاده المعرفي في أصول الدين والتحكم في قواعد اللغة العربية.
استدعي في العديد من المرات من طرف مديرية الشؤون الدينية والأوقاف للاشراف على مسابقات وامتحانات توظيف الأئمة، ورغم تقاعده في بداية سنة 1990، واصل تقديم دروس في الوعظ والإرشاد في نفس المسجد الذي قضي فيه أكثر من 50 سنة من العطاء.
يشهد للشيخ رحمه الله بعد تقدمه في السن أنه حافظ على تلاوة القرآن ليل نهار كان في كل شهر رمضان يقوم بصلاة التراويح رفقة أفراد عائلته وختمه 17 عشرة مرة. كما أن الشيخ بوالقوت مدير الشؤون الدينية والأوقاف لمدينة قسنطينة يستفسر عن وضعه الصحي ويقول مازحا لأبنائه: هل الشيخ مازال يمضغ (أي دائم التلاوة للقرآن).
أبناء الفقيد الذين رعوه إلى آخر لحظة في حياته المديدة، تأثروا لهبة المواطنين الذين أشعروهم بأن الشيخ علي كان أبا للجميع، الأمر الذي هون عليهم لحظات الفقد العصيبة.
يوسف لغبالي

الرجوع إلى الأعلى