عائلات محرومة من الغاز في أعالي دوار شطابة بقسنطينة
تتقاطع صعوبة العيش وجمال الطبيعة بأعالي شطابة، جهة دوَّارْ عباز، بشمالي بلدية عين سمارة، بقسنطينة، خصوصا بالنسبة للفلاحين والراغبين في الاستثمار بهذا المجال، إضافة إلى ذلك يسجل غياب الغاز الطبيعي بمنازل حوالي 12 عائلة، وأسر أخرى تقطن على طول الطريق المؤدي للجبل الذي سميت باسمه المنطقة المعروفة بشتائها شديد البرودة.
روبورتاج: فاتح خرفوشي
سلكنا طريقا معبَّدا عبر قيقاية، آخر أحياء بلدية عين سمارة بجوار الطريق الوطني رقم 5، صعودا، نحو تجمعات سكنية ريفية وحديثة تناثرت على طول المسلك المؤدي إلى جبل وغابة شطابة، التي تتقاسم امتدادها الجغرافي وتبسطه على أربع بلديات كاملة وهي قسنطينة وحامة بوزيان وابن زياد وعين سمارة، حيث تتواجد عديد العائلات على سفحه، بعضها يعود تاريخ استقرارها بالجهة إلى العام 1918، على غرار عائلة عباز، التي تمتلك هكتارات من الأراضي الفلاحية، وتعمل في مجال تربية الدَّواجن، إلى جانب عشرات الأسر الأخرى.
التقينا ببدر الدين، صاحب مزرعة هو وإخوته، مضى قرن من الزمان على امتهانه والأجداد مهنة زراعة الأرض، وتربية الدواجن والمواشي، حيث طرحنا عليه وعلى شقيقه سفيان السؤال الكلاسيكي عن احتياجات المنطقة، والعائلات القاطنة بالمكان، فأشار إلى أنَّ أولى الأولويات هو الغاز الطبيعي، نظرا للبرد القارس في الشتاء، وهو ما يجبر العائلات على اكتراء منازل بوسط مدينة عين سمارة، للهرب من جَحيم البرد، وحماية أطفالهم المُتمدرسين، خصوصا، من المرض، في هذا الفصل القاسي.
و يشتكي قاطنو المنطقة من صعوبة العيش دون وجود الغاز الطبيعي، وبُعد المسافة عن أقرب محطة خدماتية لشراء قارورات الغاز، خاصة بالنسبة للعائلات المعوزَّة التي لا تمتلك وسيلة نقل، وتضطرُّ إلى كراء «الفرود» بمبالغ باهظة لجلب بضعة قارورات من غاز البوتان، وفي حال هطول الثلوج بشكل فجائي، وانغلاق الطريق، فإنَّ الحل سيكون حتما الاحتطاب، واستعمال طريقة التدفئة والطبخ التقليدية، وهذا ما بدا واضحا للعيان أمام أحد المنازل على الطريق، بوجود أكداس من الأشجار المقطَّعة تحضيرا لتخزينها، واستعمالها جافة بقدوم الشتاء.
أطفال اضطرُّوا لترك مقاعد الدراسة
وأشار السَّاكنة إلى اضطرار عديد التلاميذ المتمدرسين بمختلف الأطوار، وبشكل كبير البنات، لترك مقاعد الدراسة بسبب مشقَّة «السفر» يوميا إلى المدرسة الابتدائية قيقاية عمار، والمؤسسات التربوية الأخرى بالسمارة، للتدرج بيداغوجيا، وهو أمر شاقٌّ في غياب وسائل النقل الدائمة، رغم توفير حافلة، مؤخرا، توصل بعض أبناء شطابة إلى منازلهم، فيما تحتِّم الظروف الجوية القاسية على البعض التغيب دوريا عن مقاعد الدراسة، وهو ما جعل العلامات سيئة، إلى حدٍّ ما، والرسوب مصير الكثيرين.
وذكر سكان هذا الجزء المنسيّ من عين سمارة، لجوء العائلات إلى اكتراء المنازل القريبة من التجمعات الحضرية والمؤسسات التعليمية، بسبب أولادها، أو الاعتماد على الأقارب في استقبال المتمدرسين بعيدا عن بيوتهم، وهي معضلة لم يجدوا لها حلاًّ رغم رغبتهم في إتمام أبنائهم للدراسة، عكس الواقع الذي عاشوه بالانفصال عن المؤسسات التربوية مضطرين.
مستثمرون فلاحيون دون دعم
تمتدُّ الأراضي الفلاحية على مساحات تعدُّ بعشرات الهكتارات، بشطابة، وهي النشاط الأساسي للعائلات القاطنة بالمنطقة، ودون الإشارة إلى زراعة القمح والشعير والفرينة، فإنَّ زراعة الأشجار المثمرة وحتى العدس تلقى رواجا كبيرا لدى المستثمرين هناك، إلا أنَّ غياب الدّعم والإهمال الذي يعيشه المعنيون، حسب تصريحات العديدين، تطرح أكثر من علامة استفهام بخصوص تطبيق تعليمات وقوانين الدولة في دعم الاستثمار الفلاحي، وجعله أولوية خاصة لدى الممارسين الحقيقيين.
وذكر لنا بدر الدين وشقيقه سفيان أنهما يعتمدان على مالهما الخاصّ لدعم استثمارهما، والوقوف على الغلال، سواء الأشجار المثمرة ومنها الزيتون واللوز والخوخ، وغيرها، أو القمح والعدس المحلي عالي الجودة، زيادة على تربية المواشي والدواجن، و ذلك دون الحصول على سنتيم واحد من دعم الدولة، رغم التقرب مرارا من مديرية الفلاحة، والمدراء المتعاقبين، للسُّؤال عن كيفية الحصول على القروض والدعم، والتسهيلات في الحصول على البذور والأشجار وخلايا النحل لإنتاج العسل.
وقال سفيان إنَّه قام باستصلاح قطعة أرضية صغيرة قرب الأراضي التي يملكها وشقيقه، حيث كانت المساحة المستصلحة المجاورة لسفح جبل شطابة مليئة بأشجار القندول والبلوط والأعشاب الضارَّة، وبعدما نزعها وسوَّى الأرض بشكل مناسب لغرس الشجيرات، وكبرت الأشجار قليلا، رفعت ضده شكوى لدى العدالة بالتعدِّي على أراض ملك للدولة، فبرَّر، حسبه، ما قام به باستصلاح أرض مهملة، وليس الاستيلاء عليها، بل وطالب منحه ترخيصا لاستصلاح المزيد، ليقابل طلبه بالتعنُّت والرفض مجدَّدا، حسب تأكيده.
ورغم إنصاف العدالة لهذا المستثمر الشابّ، إلا أنَّه أضاف «أعاني التضييق من طرف أناس مسؤولين لديهم مشكل شخصي معي، وهم الذين رفضوا منحي خلايا النحل رغم امتلاكي لشهادة تربية النحل، وممارستي للفلاحة والزراعة منذ سنوات طويلة، أحاول استصلاح أراض مهملة تسكنها الأفاعي، بنزع أشجار الديس والقندول والبلوط، وتعويضها بأشجار مثمرة، وإنتاج العسل، وحفر بئر لسقي المحاصيل، لكن هذا لم يعجب الكثيرين، وعرقلوني، و قد أجابني مدير الفلاحة باستحالة الحصول على دعم أو ترخيص في الوقت الراهن، بعد المحاولة لسنوات»، فيما حاولنا الاتصال بمدير المصالح الفلاحية، لمعرفة ردِّه بخصوص مشاكل المستثمرين بمنطقة دوار شطابة، إلا أنَّه تعذر عليه الرد علينا.
«نحلم بالحصول على سكن اجتماعي»
و صادفنا في أعالي دوار شطابة، عائلة تعاني الفقر والحرمان، وهو ما ترجمه بوضوح بيت مكون من غرفة، تسكنه بجوار اسطبل للحيوانات، تابع لمستثمر فلاحي. وقادنا أحد المواطنين القاطنين بالمكان إلى هذه الحالة الاجتماعية، وبعدما نادى على ربِّ البيت، عبدالسلام عوادي، و هو في العقد الخامس من العمر، على ما يبدو، بادرنا هذا الأخير بالتحية، وابتسامة عريضة تعلو محياه رغم البؤس والشدَّة التي بدت ظاهرة على وجهه، وبعدما رحَّب بنا، استفسرناه عن حالته، فردَّ أنَّه يعاني من البطالة، ويخاف مغادرة بيته أصلا وترك زَوجتهُ المعاقة بنسبة 100 بالمائة، حركيا، لوحدها، وهي الإصابة التي ألمَّت بها منذ 10 سنوات وجعلتها حبيسة مكانها، بينما لا يتجاوز عمره ابنه مروان الـ11 عاما.
عبد السلام قال إنَّ لا أحد من مديرية النشاط الاجتماعي أو الجمعيات ساعدته وزوجته، زيادة على إيداعه طلب سكن اجتماعي في العام 2011، دون استجابة تذكر، مضيفا أن منحه سكنا قريبا من الوسط الحضري بعين سمارة سيسمح له التكفل بزوجته، وعلاجها، وتقريب ابنه من المؤسسات التعليمية، وحتى السماح بزيارة أهل زوجته لها، من وقت لآخر، لتعذُّر ذلك حاليا نظرا بُعد المسافة وانعدام وسائل النقل.كما كان طموح مروان، الذي سيجتاز امتحان شهادة التعليم الابتدائي خلال هذه الأيام، مساعدة أمِّه ووالده البطال، بسكن حديث ونظيف، يسمح له بتحقيق حلمه في أن يصبح طبيبا أو صحفيا، ويضمن عيشا كريما لعائلة جزائرية تناشد السلطات المحلية والولائية أبسط حقوقها.
رئيس بلدية عين سمارة
الحالة الاجتماعية ستحصل على سكن و لهذه الأسباب يستحيل ربط المنطقة بالغاز
رئيس بلدية عين سمارة السيد عزيزي حسين، أوضح في اتصال بالنصر بخصوص مطلب الربط بالغاز الطبيعي، بأن بُعد القناة الرئيسية عن التجمعات السكنية الواقعة بشطابة، سيكلف عشرات الملايير، و هو ما يجعله مشروعا يستحيل تنفيذه حاليا، لكنه قال بأن هناك مقترحا بتجهيز المساكن بالخزانات الخاصة بغاز البوتان.أما بالنسبة للنقل المدرسي فأكد رئيس البلدية بأن عدد المتمدرسين بالجهة لا يتجاوز 10 تلاميذ، و رغم ذلك فإن النقل متوفر بنسبة 100 بالمئة صباحا، بينما يحصل التذبذب في الفترة المسائية، متعهدا بتسوية هذا الأمر.
«المير» ذكر بأنه تنقل شخصيا إلى منزل عائلة عوادي و طمأن رب الأسرة بورود اسمه في الشطر الثاني من قائمة المستفيدين من السكن الاجتماعي، و التي أكد أنه سيتم الإفراج عنها الأسبوع القادم.
       ف/ خ

الرجوع إلى الأعلى