يتعرض مسجد سيدي لخضر بالمدينة القديمة بقسنطينة، إلى تصدعات وانهيارات خطيرة قد تهدد هذا الموروث الحضاري بالاندثار، فيما أحاطت الرودم و القاذورات بالمكان في مشاهد كارثية.
ووقفت النصر أمس، على وضعية كارثية بمحيط المسجد الذي  يقع بحي الجزارين، حيث وجدنا كميات كبيرة من الردوم تحيط بالمدخل والبوابة الرئيسة، وقال لنا سكان من الحي إنها بقايا عمليات الترميم المتوقفة والتي لم يتم رميها في المكان المخصص لها، كما أكد مواطنون أنه قد تمت تغطيتها في زيارة الوالي الأخيرة بغطاء بلاستكي حتى لا يراها ثم سرعان ما انكشف الغطاء.
لكن يبدو أن القمامة المرمية لا تقتصر على مخلفات ورشة الترميم المهملة، بل تتعداها إلى الرمي العشوائي من طرف بعض الأشخاص، إذ وقفنا على وجود بقايا أوساخ منزلية و تجارية وقاذروات في مشاهد كارثية زادت من تشويه المكان.
وقد حاولنا الدخول إلى المسجد غير أن الأبواب كانت موصدة ورفض حارس الورشة السماح لنا بذلك، إلا في حال تقديم رخصة من طرف الجهة الوصية، غير أن الوضعية كانت واضحة بسبب الثغرات الكثيرة الموجودة في الجدران نتيجة عمليات الهدم، فقد تمت إزالة السقف وهدمت الجدران والأقواس التي ظلت مهملة، كما سقطت لبنات الطين القديمة والحجارة الصغيرة، مشكلة تصدعات خطيرة في الجدران والأعمدة، التي يكاد ما تبقى منها أن يتهاوى. و قال عامل سابق بالورشة إنه تم المساس بأعمدة ونقاط حساسة ما قد يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه، لاسيما خلال الاضطرابات الجوية.
ورغم الإهمال الذي طال المسجد، إلى أنه ما يزال محافظا على شموخه من خلال مئذنته التي تعلو المدينة القديمة والتي تطل على مختلف الأحياء العتيقة، غير أنه سجلت انهيارات طفيفة بها وهو ما لاحظناه في عين المكان.
وذكر تجار بالمكان أن غالبية المحلات بشارع  «الجزارين» العتيق، تضررت جراء تسربات مياه الأمطار إليها، وهو مشكل سجل منذ  انطلاق  أشغال الترميم وإزالة سقف الجامع، مؤكدين أن المشكلة في تزايد مستمر، كما حذروا من خطر انهيارات قد تحدث في أي لحظة في “السباط” أوفي أي مكان، مطالبين السلطات العليا باتخاذ الإجراءات وإنقاذ منبر العلامة ابن باديس وعشرات المشايخ الذين تداولوا عليه طيلة ثلاثة قرون، علما أنه أنجز سنة 1743 على يد حسن بن حسين الملقب بأبي حنك الذي حكم قسنطينة من 1754 إلى 1763.
وقد زار عضو المجلس الشعبي الولائي، بوبكر بن حمودة، المسجد إثر توجيه سكان الأحياء المجاورة نداءات استغاثة، حيث ذكر للنصر أن ما يحدث يعد كارثة حقيقية وإجراما في حق الموروث الثقافي والديني للمدينة، مشيرا إلى أنه تم رفع الانشغال إلى والي قسنطينة ومختلف السلطات، في حين ذكر أن الوالي أكد للمنتخبين أنه سيتخذ كل الإجراءات للدفع بالمشاريع المتوقفة، حتى لو تطلب الأمر تنظيم حملات لجمع التبرعات، حسب بن حمودة.
و صرح الوالي عبد السميع سعيدون في آخر دورة للمجلس الشعبي الولائي، أنه اجتمع بمدير الثقافة و مكتب دراسات، بخصوص إعادة ترميم مسجد سيدي لخضر، و أكد أنه لم يتبق إلا التوصل لاتفاق يرضي كل الأطراف حول قيمة المشروع، واعدا بإيجاد حلول في أقرب الآجال، كما ذكر أن بقاء المساجد العتيقة في تلك الوضعية، أمر مخجل، و تعهد بإعادة ترميمها مباشرة بعد تلقى الضوء الأخضر بذلك وفق ما ينص عليه القانون.
وقد أدى توقف عملية ترميم المدينة القديمة والقطاع المحفوظ، التي استفادت منها قسنطينة في إطار مشاريع عاصمة الثقافة العربية وخصص لها غلاف مالي ضخم يقدر بـ 7.7 مليار دينار، إلى تحول العديد من المباني و الزوايا والمساجد إلى منشآت هشة آيلة للسقوط، بعد أن اضطرت مؤسسات الإنجاز إلى هجرة الورشات تاركة موروثات حضارية تغرق في الردوم و القمامة، فضلا عن مساجد وأضرحة تتجول فيها الكلاب ويستغلها المنحرفون كأوكار تهدد الأمن العام.
و قد انطلقت الترميمات في البداية، برخصة استثنائية من الوالي الأسبق،  منحت للمقاولين بهدف الإسراع في 79 عملية، لكنها توقفت بعد اصطدام لجنة الصفقات العمومية بالولاية، بعائق قانوني يتمثل في استحالة حيازة المجمعات المختلطة البالغ عددها 22 مجمعا للدفاتر التجارية، و ذلك بسبب الشراكة بين شخص معنوي متمثل في مكاتب الدراسات الأجنبية والشخص الطبيعي وهو المتعامل الجزائري، ما دفع بالسلطات إلى تأجيل الفصل في ملفات الصفقات الممنوحة لها، وأدى إلى توقيف الأشغال من طرف مكاتب الدراسات نتيجة عدم تسوية الأغلفة المالية للمشاريع.
لقمان/ق

الرجوع إلى الأعلى