يستعد المسلمون مع اقتراب نهاية شهر رمضان الكريم لإخراج زكاة الفطر التي تسمى عند الفقهاء زكاة الرؤوس وزكاة الأبدان وزكاة الرقاب، لأنها تعد ضريبة على الأشخاص لا على الأموال، تتويجا لإتمام فريضة من فرائض الإسلام وركن من أركانه الخمسة الكبيرة، وتحقيقا لمقاصد جمة استهدفتها الشريعة بتشريعها مثل هكذا زكاة؛ تلك الحكم والمقاصد تزداد أهمية في ظل أزمة كورونا؛ لأن الكثير من الناس في حاجة للمال بسبب تذبذب النشاط الاقتصادي وتوقفه أحيانا، وصعوبة السعي في الأرض جراء الحجر الصحي.
فقد قال تعالى في شأن الزكاة الركن: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)، ثم جاء في شأن زكاة الفطر خصوصا، ما وري  عن ابن عمر رضي الله عنهما: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، على العبد، والحر، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير من المسلمين»، فتجب على المكلف ومن يعول، بالمقدار الذي حدده الحديث، ولا يمنع إخراجها بالقيمة النقدية إن تحققت المصلحة.
وهذه الزكاة تحقق حكما ومقاصد كثيرة منها: أنها تعبير من المسلم الصائم عن شكره للمنعم سبحانه وتعالى على إتمامه الصيام وتعبيرا عن فرحته الكبرى بذلك وأمله في ثواب الله تعالى العظيم يوم يلقاه، وتطهير للمسلم مما قد يكون علق به وبصيامه من صغائر وقصور خلال شهر رمضان، كما أنها مؤاساة لفقراء والمساكين وإشراك لهم بالفرحة والسرور والابتهاج في هذا اليوم؛ لذا جاء في حديث عبد الله بن عبّاس، رضي الله عنهما، قوله صلّى الله عليه وسلّم: "زكاة الفِطر طُهرة للصّائم وطُعمة للمساكين"، لأن يوم العيد يوم فرح وحرمان الفقير من بعض ضرورياته واحتياجاته فيه يحول دون فرحه، لكن إطعامه وإعطائه نقودا لشراء ما يحتاجه من طعام ولباس ومؤونة يجعله مبتهجا لشعوره بمؤاساة إخوانه، ولذلك جاء في الحديث: («أغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم»)، فلا معنى لفرح المسلم وجاره الفقير أمامه جائع ومحتاج وبائس، ولأن كل الناس يخرجونها فهي تشعر المسلم بقيمة الإنفاق والجود في سبيل الله تعالى، وتخلص نفسه من الشح والبخل، فالغني ينفق والفقير أيضا وإن كان في حاجة ماسة للمال إلا أنه ينفق ثم يأخذ الزكاة، فهي مدرسة تربوية حقيقية في سبل الإنفاق وآدابه.
ع/خ

زكاة الفطر وأموال العمرة لهذا العام تكفي فقراء المسلمين


قال الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور علي القره داغي إن الله فرض الزكاة على المسلمين لسببين: الأول تطهير القلوب والنفوس والعقول والأرواح، للأغنياء والفقراء، فأما الأغنياء فهي تطهرهم من الجشع والتمسك بالمال، وأما الفقراء فتطهرهم من الحسد والحقد، وأكد في تصريح للجزيرة أنه أجرى دراسة بشأن زكاة المسلمين في العالم الإسلامي وتبين أنها تصل إلى ما بين 300 و400 مليار دولار، وإنما هي أموال الشركات الخاصة فقط، ويؤكد أن هذه الأموال لو تم صرفها بطريقة واضحة وصحيحة لما بقي فقير. وتابع أنه لو تم جمع زكاة الفطر هذا العام بحدها الأدنى فإنها تصل إلى 4 مليارات دولار، وأضاف أن أموال العمرة التي مُنِع منها المسلمون هذا العام بسبب كورونا تصل بحدها الأدنى إلى أكثر من 36 مليار دولار، وإنفاق هذه الأموال على الفقراء أفضل عند الله من العمرة.

طبائع الأخلاق و جوهر المعاملات في زمن كورونا


نريد لهذه السانحة أن تكون فرصة للاقتراب من أصل الأخلاق في كل مجتمع، وطبيعة المعاملات فيه، وهما يحيلان على جوهر ومعنى رسالة الإنسان في الحياة، من حيث علاقته بالله وتفاعله مع الناس. وسنربط المعاني بزمن كورونا وآثاره على جزائرنا.
نجد في كتب التراث الديني الإسلامي مساهمات عميقة حول أصول الأخلاق وتجلياتها في الفرد والمجتمع، ويرجع، مثلا، ابن القيم الجوزية أصل الأخلاق المذمومة إلى الكبر والمهانة والدناءة، وأصل الأخلاق المحمودة إلى الخشوع وعلو الهمة، ونجد في خلق الكبر مجموعة من الأفعال، التي تتجلى عند التفاعل بين الناس، والحق أننا قد وجدناها حاضرة في زمن وباء كورونا، في مجتمعنا الجزائري، بطرق متعددة، ومن هذه الأخلاق التي ترجع للكبر نذكر: الفخر، عدم شكر النعم، العجب، البغي، الظلم، حب الجاه، التجبر، عدم قبول النصيحة، أوليس رفع الأسعار في المواد الغذائية ظلما؟، أوليس احتكار السلع وأدوات التعقيم وسرقة المنازل والمؤسسات بل والمساجد أحيانا؛ زمن الوباء هو بغي؟ أوليس رفض نصائح تدعو للالتزام بالحجر المنزلي وتجنب التجمعات زمن الوباء هو من أنواع الكبر والاستهتار بحياة الناس؟....
   ومن أخلاق المهانة والدناءة نذكر مثلا: الكذب، الخسة، الخيانة، الرياء، الطمع، البخل، الكسل،... ويمكن تأمل كل ذلك في بعض التصرفات التي حاصرتنا زمن كورونا، مثل نشر الكذب والإشاعة في شبكات التواصل، ومحاولات التعدي على المجهود الوطني لمواجهة الوباء بالنهب والسلب والاختلاس وتسويق السلع الفاسدة، وهذا حدث في كل الدول التي شهدت الوباء،كنوع من الصراع بين إرادات الخير ضد إرادات الشر.
وفي جانب آخر نلقى الأخلاق الفاضلة ومنها: الصبر، الشجاعة، العفة، الجود، الإيثار، التواضع، الصدق، التغافل عن زلات الناس...،وهي ناشئة في الغالب عن الخشوع وعلو الهمة حسب ابن القيم. ومن السهولة أن نقدم الأمثلة عن ما أنجزه الجزائريون من أفعال الهبة الوطنية الشعبية،في مواجه الوباء الفيروسي، بممارسات وأفعال تضامنية كثيرة، أبانت عن مكارم وفضائل الأخلاق عن أحفاد الشهداء، ودلت على وجود الخير في هذه الديار المازيغية المسلمة.    ونقرأ هنا كلاما جميلا لابن القيم بمعاني كبيرة، تحيلنا على نتائج جليلة تنتظر أهل الخشوع وعلو الهمة، ونحن نسقط كلماته على الشباب المتطوع وأبناء السلك الطبي أو الجيش الأبيض، يقول ابن القيم:»والله سبحانه أخبر عن الأرض بأنها تكون خاشعة، ثم ينزل عليها الماء فتهتز  وتربو وتأخذ زينتها وبهجتها، فكذلك المخلوق منها إذا أصابه حظه من التوفيق».

مريم العذراء وقانون السببية (1)


قصة مريم في حملها وولادتها لابنها المسيح تتمحور حول محور علاقتها بقانون السببية؛ فبعد أن ولدت وأتت به تحمله إلى المعبد والتف حولها قومها نظرت مريم بإحدى عينيها إلى قومها، والأخرى على وليدها، ولسان حالها، والمقام يقول: يا آل عمران، لقد رزقتم اليوم مولوداً ذكراً، فازداد جمعكم عدداً، ومن ثم زاد بنو إسرائيل واحدا. وبالتالي خصكم الله تعالى آية من عنده، وغمرتكم عنايته نفحة ربانية، ورحمة؛ نظر آل عمران إلى مريم بدهشة، وغضب، واستنكار، وكره، وإشفاق قليل؛ فهي لم تتعاط بقانون السببية البشري بالحلال تطبيقاً. وبالمقابل، وبالاتجاه المعاكس نظرت مريم إلى قومها برفق، وعطف، وتلطف، ورحمة، ولكن بإشفاق كبير، فهم لم يتعاطوا بقانون السببية الإلهي فهماً، وهضماً، وإدراكاً، وعلماً.
إنّ آل عمران لم يقذفوا مريم بالزنى، وإنما يتساءلون عن فحوى ما جرى، وأن تفسر لهم قانون السببية الذي استحوذ على عقولهم، وهم، وهي لا يزالون في بطن الزجاجة، والحكم عليها بالإدانة أو البراءة لم يصدر بعدْ، وإنما الذي قذفها هم يهود بني إسرائيل كفاراً حسداً من عند أنفسهم. فهم لم يكتفوا بكفرهم بقانون السببية الإلهي فقط، وإنما طبقوا عليها قانون الأضداد، فهم يعلمون أنها تقية، وفي نفس الوقت يتهمونها بالزنى، وهي ورعة، وطاهرة. ومع ذلك يتهمونها بالفاحشة.فالتقوى، والفاحشة ضدان لا يجتمعان في وقت واحد.
فبالنسبة لقومها: فإن مريم لم تتعامل بقانون السببية البشري بالحلال، وبالتالي لم تأخذ بالسبب، وهو الزواج من رجل حتى تنجب مسبباً هو المسيح عيسى فهم يريدون تفسيراً.
وبالنسبة لها: فإن قومها لا يعلمون أن قانون السببية البشري في الزواج يضمحل، ويتلاشى أمام قانون السببية الإلهي في الخلق، والإيجاد، والتكوين، والإنجاب؛ فإن كل ذلك قد يتحقق بقضاء الله، وحكمته، وإرادته. وبمعنى أن المسبب، وهو الحمل، والولادة قد يتحقق بالكاف، والنون:((وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون))؛ وبالتالي فإن قضاء الله لا يخضع لقانون السببية المتعلق بالبشر، وبالتالي فإن قانون السببية الإلهي ليس بالضرورة أن يخضع لقانون السببية البشري، والعكس هو الصحيح. وبفهمها، وهضمها لقانون الأسباب، والمسببات اصطفاها الله على نساء العالمين، فسبقت السابقين مع الرسل إلى الجنة. قال صلى الله عليه وسلم:  (لَوْ أَقْسَمْتُ لَبَرَرْتُ؛ لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَبْلَ سَابِقِ أُمَّتِي، إِلا بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلا مِنْهُمْ: إِبْرَاهِيمُ، وَإِسْمَاعِيلُ، وَإِسْحَاقُ، وَيَعْقُوبُ، وَالأَسْبَاطُ، وَمُوسَى، وَعِيسَى، وَمَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ)). إنّ هذا السؤدد الذي شرف الله، ورسوله مريم ابنة عمران ليعكس أمرها العظيم، وسيادتها لنساء العالمين في الدنيا والآخرة .

الـــرابــــح والخـــاســــر في التجـــــــارة الدنيويــــة


روي عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحَارِثِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (الطَّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ: تَمْلَأُ- مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالصَّلَاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَك أَوْ عَلَيْك، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. هذا من جوامع كلمه، وعلوّ بلاغته صلى الله عليه وسلم، فمع اختصار ألفاظه وقلّة كلماته، يحمل معنى عظيما. وفيه بيان لحال الإنسان وسعيه وعمله في هذه الدنيا.
قوله: (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو)، فكل إنسان في هذه الدنيا يعمل ويكد.؛ لكن الناس في الدنيا من حيث السعي صنفان:
الصنف الأول: في قوله: (فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا): وهو الذي يبيع نفسه لله تعالى ابتغاء مرضاته ومغفرته ورحمته وجنته، بطاعة ربّه جلّ وعلا، وإتباع أوامره واجتناب نواهيه، فيكون من السعداء في الدنيا، والفائزين يوم القيامة، فهذا قد أعتقها من النار، قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)، وقال: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا)، وقال: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) .
والصنف الثاني: في قوله: (أَوْ مُوبِقُهَا): يبيع نفسَه بثمن بخس للشيطان، ويذلها أمام هوى النفس، فيتبع الشهوات، وينتهك الحرمات، ويقترف السيئات، ويُقدِّم هوى نفسه ورغباتها على طاعة الله تعالى، ويؤثر الدنيا على الآخرة، فهو شقي في الدنيا، خاسر يوم القيامة، قال تعالى: (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا)، وقال: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)، وقال: (فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى).

 

الرجوع إلى الأعلى