يشهد شهر رمضان ظاهرة رمي بقايا الطعام الزائد يوميا في القمامة، وهو سلوك سلبي يحمل في أبعاده ثلاث ظواهر حرمها الإسلام ونهى عنها؛ بل ترفضها الأخلاق الإنسانية السامية والأعراف الاجتماعية السليمة.
فأولها: الإسراف والتبذير صفة مذمومة شرعا نهى عنها القرآن الكريم؛ فقال الله تعالى: ((وَكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَايُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ))، فالمسلم مطالب بأن يأكل ويلبس ويستمتع بقدر حاجته مما أباح الله تعالى له من الطيبات ملتزما الوسطية دون إسراف حفظا لمقدرات الأمة والثروات الطبيعية، لقوله تعالى: ((وَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا ْلَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَ كَانَ بَيْن َذَلِكَ قَوَامًا)) [الفرقان 67] وذلك يقتضي مسبقا أن لا يقتني إلا قدر ما يحتاج دون مبالغة أو نهم، فلا تدفعه شهوة الشراء ولذة الطعام ونزوات الموضة إلى المبالغة في اقتناء ما لا يحتاجه أو يزيد عما يحتاجه، وعادة ما يقدم الإنسان على الإسراف في الاقتناء تحت دوافع كثيرة، ومنها الجوع والخوف من الندرة وغيرها، لكنه سيكتشف بعد ذلك أنه اقتنى أكثر مما يحتاج و طهى أزيد مما يستطيع أكله، فيضطر لرميه في القمامة هدرا وتبذيرا، في  حين لم يجد غيره ما يسد رمقه، وقد يعذر الإنسان في أول أيام رمضان لكنه ليس معذورا بعد ذلك لأن بإمكانه تقدير حاجته الحقيقية بمضي يوم أو يومين فلا يقتني أو يطهي إلا ما يقدر على استهلاكه، فإن تجاوز فهو مسرف وإن تعمد بعثرة الحلال فهو مبذر
ثانيا-كفر النعمة؛ فقد أنعم الله تعالى على الناس عموما والمسلمين خصوصا بنعم كثيرة عد منها العشرات في سورة النحل ثم قال الله تعالى: ((وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَا)) وأوجب عليهم شكر الله تعالى المنعم؛ فقال الله تعالى:( لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ )[إبراهيم: 7]. ومن مقتضيات شكر النعمة ألا تسرف فيها و أن تحافظ عليها وأن تؤدي حق الله تعالى وحقوق العباد فيها، ثم حذر الله تعالى من الكفر بالنعمة وعاقبة ذلك على الأمم في الدنيا والآخرة؛ فقال الله تعالى:( وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل: 112]. فعدم أداء واجب شكر النعمة والكفر بها مظنة زوالها وانقلاب أحوال الأفراد والأمم إلى نقيضها، فكم من فرد آتاه الله تعالى مالا وفيرا فراح يسرف فيه ويبذر غافلا عن حق الله تعالى فيه وحق العباد، فلم يلبث أن نزع الله تعالى منه النعمة وأمسى فقيرا معدما مفلسا يبكي على أيام خلت، وكم من أمة أعطها الله تعالى مقدرات طبيعية وبشرية فانغمست في اللهو والترف والإسراف فلم تلبث أن وجدت نفسها في إفلاس واستعباد وديون فقدت بها سيادتها بعد أن ضيعت مقدراتها/ وهكذا دواليك
ثالثا. الغفلة عن المحرومين:ذلك أن رمي النعم ينم عن غفلة تامة عن شريحة اجتماعية حاضرة في كل العصور وفي كل المجتمعات؛ وهي شريحة المحتاجين وكان يفترض أن يرد فائض المال لها؛ لكن إقدام البعض على رمي الأكل وغيره في القمامات دليل على غفلتهم وجهلهم أو تجاهلهم بهذه الشريحة وإلا كان يمكنهم توجيه الفائض لها؛ سواء مباشرة أو عن طريق الجمعيات الخيرية والمؤسسات الرسمية وهي كثيرة جدا.
دور الإفتاء تؤكد حرمة
 رمي الطعام
ولذلك فقد أفتت بعض مراكز الإفتاء الإسلامية بأن إلقاء شيء من الطعام الصالح للأكل في القمامة إساءة لهذه النعمة من وجهين: الوجه الأول: أن في ذلك احتقاراً للنعمة، وكفراً بها، والواجب على المسلم أن يكون شاكراً لله على نعمه وعطاياه. والوجه الثاني: أن هذا التصرف فيه إتلاف للمال، وقد نهى عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاثاً: قِيلَ وَقالَ، وَإضَاعَةَ المالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤالِ) متفق عليه. وقد نهى الله تعالى عن الإسراف في الأكل والشرب، قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31، فمن باب أولى بالتحريم إتلاف المال؛ لأن إتلاف المال أشدّ سوءاً من الإسراف فيه، والله تعالى لا يحب المسرفين..فاحترام النعمة وصيانتها من باب شكر الله تعالى الذي قال: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) إبراهيم/7.أما بالنسبة لبقايا الطعام من الولائم الضخمة التي تقام في البيوت والمزارع والمطاعم، والذي يذهب أكثره هدراً ويكون مصيره بين أكوام القمامة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد وجهنا فقال: (من كان عنده فضل زاد؛ فليعد به على من لا زاد له).. كما ننصح من يتلفون ما يمكن استخدامه من الطعام والشراب أن يتعاونوا مع الجمعيات الخيرية لأخذ هذه الأطعمة وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، ولهم في ذلك الأجر والثواب).
فالأمر لم يعد قضية نفايات ترمى بل هدر حقيقي للنعم وانتهاك صريح لحرمتها وكفر بها وإصرار على التمادي في الكفر بها والعبث بمشاعر المحتاجين ومقدرات الأمة؛ على المسلم أن ينأى بنفسه عن الوقوع في شراكها وليحذر عواقب فعله إن تمادى في ذلك ولم يتب فالأيام دول والأرزاق تدوم بالشكر وتزول بالكفر.
ع/خ

الرجوع إلى الأعلى