فرنسا على مشارف حرب أهلية ..هذا استنتاج صادم توصّل إليه الرجل الأول حاليا في المخابرات الفرنسية ( المديرية العامة للأمن الداخلي)، و هو ما يذكر المؤرخين بسيناريو الحروب الدينية و الحرب الأهلية المفتوحة المرتبطة بثورة عام 1789 الشهيرة.
الإستنتاج الأليم تحدث عنه المخابراتي باتريك كالافار علانية في جلسة سماع أمام نواب الجمعية الفرنسية ، الهيئة التي تمثل الشعب و تتابع بقلق بالغ تصاعد موجة غضب الضواحي و السخط العام من قوانين إصلاح الشغل، بالإضافة إلى مخاطر تطرف أقصى اليمين و الأعمال الإرهابية المثيرة التي قد تقع في أي مكان عام و تخلط حسابات رجال الأمن و السياسة.
و حسب المصدر ذاته الذي نقلت عنه اليومية اليمينية "لوفيغارو"، فإن التوابل اللازمة لإندلاع الحرب الأهلية بين الفرنسيين قد اجتمعت، إلى درجة بدت و كأن شرارة الحرب الأهلية قد تشتعل بسرعة تفوق تصور الطبقة السياسية الفرنسية التي يبدو أنها غير مقدرة لحجم المخاطر التي تهدد أمن و استقرار المجتمع الفرنسي المأزوم أصلا.
فبعدما كان الحديث من قبل عن “المواجهة” بين قوات مكافحة الشغب و شبان الضواحي، أصبح الحديث الآن عن «الحرب الأهلية» بين مختلف التنظيمات المتطرفة التي تعاظم شأنها، فقد أصبحت هي نفسها تبحث عن مواجهة مفتوحة مع مصالح الأمن،
و ساعتها ستتوسع المواجهات إلى باقي الأقليات الدينية و العرقية.
و تصبح فرضية الحرب الأهلية قائمة أكثـر، في حال وقوع عملية إرهابية جديدة قد تفقد الفرنسيين ثقتهم في مصالح الأمن لحمايتهم من خطر الإرهاب، و بالتالي البحث عن حلول فردية لتأمين حياتهم و حياة أفراد عائلاتهم، أي التسلح الذاتي، و أخيرا فرضية انحراف مظاهرة يتسلل إليها الهوليغانز من ملاعب أورو 2016 الجارية في فرنسا هذه الأيام.
و بقدر ما أثارت هذه الإستنتاجات مخاوف الفرنسيين و فزعهم من غرق بلادهم في الفوضى غير الخلاقة ، فقد أيقظت فيهم رغبة ملحة لمساءلة سياسييهم حول مدى قدرتهم على تجنيب فرنسا حربا أهلية ، بعدما نجحوا في مخططهم و أشعلوا حروبا أهلية في عدة مناطق بالعالم، و منها عالمنا العربي الذي لازال ينزف دما و دموعا في العراق و اليمن و سوريا و ليبيا في انتظار الدور.
و تتحمل الطبقة السياسية الفرنسية مسؤوليتها التاريخية في المساهمة بكل غباوة في توفير توابل حروب أهلية، عمل الفيلسوف الصهيوني الماكر على التنظير لها و التبشير بها تحت مسمّى “الربيع العربي” الذي لم يأت بالديموقراطية و حقوق الإنسان ، بل أتى بمجموعات مسلحة و متطرفة تتقاتل على السلطة، ممّا قوّى من شوكة الإرهابيين الذين وجدوا الوسط الملائم لنقل نشاطهم إلى موطن نشأتهم الأولى في مختلف عواصم القرار الدولي التي جندتهم علانية.
و تجد فرنسا الرسمية اليوم نفسها أمام تحديات أمنية خطيرة تهدد نسيجها الداخلي الهش أصلا بفعل فشل سياسة الإدماج و رفض قبول مواطنين ولدوا على ترابها، لأنهم لا يشاركون أفكار سياسيين مثل ساركوزي و لوبان و غيرهم من المتطرفين الذين يعملون على إذكاء نار الحرب الأهلية.
و قد بلغت سياسة الإندماج حدودها، عندما عمد عدد كبير من السياسيين المتطرفين إلى الوقوف في وجه لاعب جزائري الأصل موهوب مثل بن زيمة و منعه من اللعب للمنتخب، و تقديم ذلك على أنه انجاز سياسي لصالح الأمة الفرنسية المهددة بقيم جديدة.
و من شأن جدية المخاطر المحدقة بقيم العدالة و الحرية و الأخوة، واحتمال عودة فرنسا إلى حروبها الأهلية القديمة، أن ترغم الطبقة السياسية الفرنسية على التجنّد حول قضاياها الداخلية و تنسى قضايا و شأن الآخرين و منها الشأن الجزائري الذي يعتبر معطى ثابتا في المعادلة الفرنسية بحكم التاريخ و المصالح.
الأيام القادمة وحدها القادرة على إثبات مدى صحة تنبؤات الشرطي الأول في فرنسا، ساعتها سيكون من المثير جدا بالنسبة للذين اكتووا في ليبيا و سوريا بنار الغبي نيكولا ساركوزي و نذير الشؤم بيرنارد هنري ليفي، و هم يرون السحر ينقلب على الساحر و ينتقل الرعب إلى الضفة الأخرى في ظرف قياسي و في سيناريو لم يخطر على بال أحد.
النصر