توثيق الذاكرة الحية و نقلها مهمة إنسانية يجب  ألا ترتبط بالمناسباتية
عرضت المخرجة الجزائرية مريم حميدات مطلع الأسبوع الجاري، بقصر الثقافة مالك حداد بقسنطينة ، فيلما وثائقيا ثوريا بعنوان « ذاكرة 8 ماي 1954» وذلك في إطار فعاليات الملتقى الدولى حول المجازر الاستعمارية الذي نظمته جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية مؤخرا، وقدمت المخرجة من خلال هذا العمل الوثائقي  شهادات حية لرجال و نساء عايشوا أحداث سطيف و خراطة و قالمة، تمكنت من خلالها أن تستعرض شريطا من الذكريات البشعة عن المجازر ، التي أكدت للنصر بأن توثيقها و نقلها لأجيال الاستقلال مسؤولية إنسانية، يجب ألا يقتصر عرضها على المناسبات الوطنية فحسب.
مريم حميدات اعتبرت العمل الوثائقي بمثابة إكرام لذاكرة من عايشوا ويلات الحرب ،و تخليدا لتضحيات من سقطوا لنحيا  نحن، كما عبرت، معلقة بأن الفيلم  الذي تطلب منها أزيد من سنتين كاملتين من البحث و أربعة أشهر تصوير، جعلها تدرك بأن الجزائر لا تزال بعيدة عن المستوى المعيشي الذي ضحى مليون و نصف مليون جزائري من أجله.
أما بخصوص العمل « ذاكرة 8 ماي» و مدته 56 دقيقة، فهو بمثابة عودة بالزمن إلى أحداث حاولت فرنسا طمس حقيقتها طيلة 70 سنة، بالرغم من أنها، كما عبرت مخرجته، جرائم ضد الإنسانية استمرت لأربعة أشهر ،و ليس لتسعة أيام كما هو شائع، وهي حقيقة كشفت عنها شهادات من عايشوا الحرب، ومن بينهم صحفي أمريكي، هو لوندون بولينغ، الذي أكد من خلال مشاركته في العمل الوثائقي ، بأن ما حصل في 8 ماي 1945 في الجزائر، جرائم لا يمكن للعقل تصورها ، مشيرا إلى أنه تمكن من خلال عمله كصحفي من الاطلاع على ملفات المخابرات البريطانية التي تتوفر على حقائق و صور يندى لها الجبين حول حقيقة ما حصل.
و أوضحت المخرجة مريم حميدات، بأنها لم تستند في عملها على الأرشيف، رغم أهميته ،بل فضلت نقل شهادات جزائريين نجوا من هذه المجازر الرهيبة لتصور المأساة التي استمرت إلى غاية شهر سبتمبر بكل زواياها، موضحة بأن الفيلم يعطي الكلمة للمواطنين البسطاء و لكل هؤلاء الأشخاص المجهولين الذين عايشوا هذه الأحداث المأسوية، التي فضلت حذف بعض قصصها ،خصوصا تلك المتعلقة بعمليات الاغتصاب و العنف الجسدي التي تعرضت له هذه النساء، وذلك            « احتراما لكل اللواتي التقتهن خلال العمل» كما عبرت.
و لمدة 52 دقيقة، تعطي المخرجة الكلمة لسكان مختلف المناطق بسطيف و خراطة، للتحدث عما عايشوه خلال تلك الفترة. و كانت معظم الشهادات مؤثرة مثل شهادة ذلك الشيخ الذي روى كيف تم دفن عائلته (والده و أمه و شقيقيه و أخته) أمامه على بعد حوالي خمسين مترا من المكان الذي كان يختبئ فيه.
و من بين لقطات الفيلم التي هزت مشاعر من شاهدوه ، صورة مؤثرة لجزائري في عقده الثامن أغرق بدموعه علما وطنيا ،قال بأنه صنع سرا و حمل خلال مظاهرات 8 ماي 1945 بقالمة.
نور الهدى طابي

الرجوع إلى الأعلى