جامع كتشاوة يتحول إلى نقطة جذب لزوار العاصمة 
يمد جذوره في قلب الجزائر العاصمة، ليكمل ملامح صورة تصارع الزمن حتى لا تضمحل، فتنهض أعمدته من جديد، و تقف مئذنتاه معلنتان شموخ معلم تاريخي بهندسة عثمانية راقية، عاد ليجمع الجزائر و تركيا، و يمنح الحياة مجددا للقصبة العتيقة، و كأنه عملاق نائم استيقظ بعد سبات طويل.
جامع كتشاوة، ذلك المبنى الشامخ الذي يقابلك و أنت تلج ساحة الشهداء على ضفة المتوسط، و تحاول الوصول إلى القصبة السفلى، صانعا هندسة تسافر بك إلى عهد العثمانيين، فتشعر و كأنك تزور إحدى المدن التركية، و أنت تشاهد ذلك المسجد العملاق، الجميل، الراقي، رقي حضارة عثمانية مرت ذات يوم من الجزائر البيضاء، مخلفة آثارا ..لا الزمن و لا البشر تمكنوا من محوها من الخارطة الجزائرية.
و أنت تقترب من المسجد، ينتابك شعور غريب، و كأنك تقترب من عملاق استيقظ بعد سبات طويل، بهمة عالية، فبعد غلقه لأزيد من 10 سنوات بعد الزلزال الذي ضرب الجزائر العاصمة سنة 2007 ، و تسبب في ميلان صومعته، أزيح الستار أخيرا عن ذلك المسجد الذي يرمز إلى هيبة المكان و أهله، و عراقة "المحروسة"، مساهما في رد الاعتبار لبعض بيوت القصبة السفلى و هي تخضع لعملية ترميم ضخمة، فتسطع أضواؤه في سماء الجزائر البيضاء، و يتعالى صوت المؤذن، معلنا عن عودة الحياة لواحد من أشهر المساجد التاريخية في البلاد.
و إن كان جامع كتشاوة قد خضع لعملية ترميم كبيرة، بمهارة تركية أشرفت عليها الوكالة التركية للتنسيق و التعاون "تيكا" منذ سنة 2014، بناء على اتفاق بين البلدين خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للجزائر في سبتمبر 2013، ليعاد فتحه مجددا شهر فيفري من العام الجاري، فإن تاريخ بنائه يعود إلى أكثر من أربعة قرون. تؤكد الروايات أنه بني حوالي العام 1616 في العهد العثماني، قبل أن يأمر حسن باشا بتجديده سنة 1794، إلا أن أنظار المستعمر منذ أن وطأت أقدامه الجزائر امتدت إليه، ليغلق سنة 1830 بعد أن تصدى له سكان المدينة مما تسبب في مقتل 4 آلاف جزائري. غلق الجامع لم يستمر طويلا، حيث قررت السلطات الفرنسية و بعد مرور سنوات قليلة، تهديم أجزاء منه و إقامة كاتدرائية بالمنطقة و أطلق عليها "سانت فيليب" ، حيث تحولت إلى أكبر معهد للمسيحيين في كامل إفريقيا، غير أن الجزائريين و بمجرد إعلان الاستقلال، استعادوا جامعهم، و أقاموا فيه أول صلاة جمعة سنة 1962 و أمهم فيها الشيخ البشير الإبراهيمي.
الجامع..تراث مشترك بين الجزائر و تركيا
عن أصل تسمية المسجد التي ربما كان يجهلها عدد كبير من الجزائريين قبل إعادة الحياة لهذا الصرح بعد الترميم، فهي كلمة تركية أصيلة، تعني ساحة الماعز، و ذلك نسبة إلى ساحة الشهداء التي كانت خلال العهد العثماني سوقا لبيع و تربية الماعز، لينسب المسجد إلى هذه الساحة التي كانت تسمى "كيت شاوا"، و تعني الأولى الساحة و الجزء الثاني يعني العنزة.
جامع كتشاوة و إن كان واحدا من بين عدة مساجد ذات قيمة تاريخية و عقائدية بتلك المنطقة، كالجامع الكبير، مسجد بتي، سيدي رمضان و الجامع الجديد، إلا أن مكانته خاصة في قلوب الجزائريين و المسلمين، فهو تحفة إسلامية فريدة من نوعها، و إن كانت قد جمعت في شكلها العام بين الطابع العثماني و البيزنطي، إلا أن المتمعن في الرسومات و الآيات القرآنية التي كتبت على جدران المسجد، يجد بأنها ترسخ للثقافة الإسلامية، خاصة الآيات القرآنية التي كتبها الخطاط التركي إبراهيم جاكز، إبان إعادة بناء المسجد خلال العهد العثماني.
و بالرغم من محاولة المستعمر الفرنسي طمس هوية المعلم، حيث قام بفصل كتابات إسلامية سنة 1855 و نقلها إلى متحف بفرنسا، قبل أن يستبدلها بنقوش مسيحية، إلا أن الغاية لم تتحقق، فقد حافظ المكان على خصوصيته الإسلامية التي ساهم الخطاط التركي حسين قوطلو، في إطار مشروع ترميم كتشاوة، في إعادتها إلى سابق عهدها.
كتشاوة و إن كان مسجدا يضم مصلى للرجال و آخر للنساء، مع مدرسة قرآنية، إلا أن ترميمه حوله إلى واحد من أهم المعالم التاريخية بالقصبة السفلى، حيث يعرف توافد عشرات الزوار يوميا، ممن يدفعهم شغف اكتشاف تاريخ أجدادهم، كما قال أحد المتطوعين في المسجد، مضيفا بأن أغلبهم من الطلبة و الزوار القادمين من ولايات خارج العاصمة، و حتى الأجانب و العرب الذين يدرجونه ضمن برنامج خرجاتهم السياحية، بالنظر لما قرأوه عن روعة منشأة تجمع الجزائر و الأتراك، و قلدت وسام الصمود في قلب الجزائر المحروسة.                            
إ.زياري

الرجوع إلى الأعلى